سورية

ألقى كلمة سورية أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة … صباغ: الارتقاء بالوضع الإنساني يتطلب توفير حلول مستدامة وأميركا وتركيا تواصلان دورهما التخريبي

| الوطن

أكدت سورية في كلمة ألقاها رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة السفير بسام صباغ، أن العالم يشهد تحولاتٍ مهمة، وتنامياً لتحديات خطيرة في مقدمتها اشتعال الصراعات، واستمرار الاحتلال، وانتشار الإرهاب، مشددة على أن سياسات «الفوضى الخلاقة» التي تبنّتها الإدارات الأميركيةُ المتعاقبة في منطقتنا لخدمةِ مصالحها قد قادت إلى زعزعةِ الأمن والاستقرار فيها، وأن أميركا وتركيا تواصلان دورهما التخريبي وانتهاك سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها عبر استمرار وجودهما العسكري غير الشرعي ودعم الميليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية، موضحة أن الارتقاء بالوضع الإنساني يتطلب توفير حلول مستدامة لدعم السوريين، مجددة التأكيد على حقها المشروع باستعادة الجولان السوري المحتل كاملاً حتى خطِ الرابعِ من حُزَيْران لعام 1967.

وقال السفير صباغ وفق ما نشره الموقع الرسمي لوزارة الخارجية والمغتربين: «إن سياسات الفوضى الخلاقة التي تبنّتها الإدارات الأميركيةُ المتعاقبة في منطقتنا لخدمةِ مصالحها الجيوسياسية والأنانية، قد قادت إلى زعزعةِ الأمن والاستقرار فيها، ولم تسلم تعددية الأطراف، وميثاق الأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية الأخرى ذات الصلة من هذه الفوضى الأميركية الخلاقة، إذ شهدنا خلال السنوات العشر الماضية جنوحاً متزايداً لإساءة تفسير وتطبيق أحكام الميثاق، وخاصةً المادة 51 منه، واستخدامها كذريعةٍ لتبرير ما يتم ارتكابه من اعتداءاتٍ على سيادة واستقلال ووحدة أراضي الدول الأخرى، وكذلك التلاعب في نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتسييس مسائل حقوق الإنسان لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والضغط عليها».

أي وجودٍ عسكري لا شرعي هو احتلال

وأشار إلى أن المبدأ الأساسي الذي أكد عليه ميثاقُ الأمم المتحدة هو احترام سيادة واستقلال الدول الأعضاء ووحدة وسلامة أراضيها، وبالتالي فإن أي اكتسابٍ لأراضي الغير بالقوة هو احتلال، وأي وجودٍ عسكري لا شرعي على أراضي أي دولة ذات سيادة هو انتهاك صريح لهذا الميثاق، ومخالفةٌ واضحة للقانونِ الدولي، يجبُ أن ينتهِيَ فوراً ودونَ قيدٍ أو شرط. وعليه فإن احتلال إسرائيل للأراضي العربية في فلسطين والجولانِ السوري منذ عام 1967 وحتى الآن، وما يستتبعه من بناءٍ للمستوطنات، وتغييرٍ للتكوينِ الديمغرافي والهيكلِ المؤسساتي، وفرضِ الجنسيةِ الإسرائيلية قسراً على أبناءِ الجولان المحتل، ونهبِ مواردِ الجولان الطبيعية، والاستيلاءِ على أراضي المزارعين السوريين هو أبشع أشكالِ الانتهاكاتِ الجسيمةِ والممنهجة لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي الإنساني.

وتابع السفير صباغ: «إن سورية تؤكّد مجدداً على حقها المشروع باستعادة الجولان السوري المحتل كاملاً حتى خطِ الرابعِ من حُزَيْران لعام 1967 مهما طال الزمن، وهو حقٌّ ثابتٌ لا يخضعُ للمساومةِ أو الضغوط، ولا يسقطُ بالتقادم، يكفلهُ القانونُ الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصةً قرارَ مجلسِ الأمن رقم 497 لعام 1981. كما تشدّد سورية على أنها ستمارسُ حقَها المشروعَ في الدفاعِ عن أرضِها وشعبِها بكل الوسائلِ اللازمة، وفي ضمانِ مساءلةِ سُلطاتِ الاحتلال الإسرائيلي على كل جرائمها، وعدم إفلاتها من العقاب».

وأكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية يتماهى مع مواصلة أميركا وتركيا انتهاك سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، وذلك عبر الإصرار على استمرارِ تواجدهما العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية، ودعم الميليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى الزيارات التي يقوم بها المسؤولون السياسيون والعسكريون الغربيون وغيرهم للأراضي السورية عبر التسلل خلسة من دون أي احترام لسيادة سورية واستقلالها، ويمثل تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية.

وأشار السفير صباغ إلى أن النهب الأميركي الممنهج والمفضوح للثروات الوطنية للشعب السوري كالنفط، والغاز، والقمح، تسبب في حرمان السوريين من مواردهم ومفاقمة معاناتهم الإنسانية على نحو غير مسبوق.

وتابع: «بالتوازي مع كل ذلك، تستمر أميركا وحلفاؤها الأوروبيون في فرض تدابير قسرية أحادية لا شرعية ولا أخلاقية ولا إنسانية على مختلف القطاعات في سورية لم تسهم إلا في مفاقمة معاناة السوريين أينما كانوا، باعتبار أن أثرها يشمل دولاً ثالثة (…) إذ تعمد تلك الدول إلى أن تشمل إجراءاتها قطاع الصحة العامة، والقطاع المصرفي، وقطاع النقل الجوي ومعدات الطيران المدني السورية، وقطاع الطاقة والذي يشمل حظر توريد النفط ومشتقاته إلى سورية أو استيراد محطات الكهرباء والمعدات المتعلقة بتوليد الطاقة وقطع الغيار».

وأوضح السفير صباغ أن سورية كانت من أكثر بلدانِ العالم استقراراً وازدهاراً، وكانت تُحقِّق اكتفاءً غذائياً ذاتياً، وتؤمّنُ جميعَ متطلباتِ الحياةِ الأساسيةِ لشعبِها بشكلٍ قلّ نظيرُهُ في المنطقة، لكنَّ الحربِ الإرهابية التي شُنّتْ عليها منذ عام 2011 غيّرَتْ هذا الوضع، وتسببت بأزمةٍ إنسانية لا يُستهانُ بها، زاد من حدّتها فرض الإجراءات القسريةُ أحاديةُ الجانبِ، وأضاف الزلزال المدمر الذي أصاب سورية في الـ 6 من شباط من هذا العام عبئاً جديداً ومعاناة أخرى.

وبين أن الحكومة السورية حرصت على تقديم كل التسهيلات اللازمة لوصول المساعدات الإنسانية وعاملي الإغاثة لكل المناطق المتضررة، ومنحت – ولاتزال- موافقات مفتوحة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في سورية لتسهيل وتسريع إجراءات دخول إمدادات الإغاثة الطارئة لدعم المتضررين، بما في ذلك فتحها لمعابر حدودية بقرار سيادي لتسهيل الاستجابة الإنسانية في المناطق المتضررة الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية في شمال غرب سورية.

وتابع: «إن الحكومة السورية لا تزال تواصل- ضمن إمكاناتها المحدودة – بذلَ كل الجهود للتعامل مع آثار الزلزال في المحافظات المنكوبة الأربع، وقد أصدر السيد رئيس الجمهورية في شهر أيار الماضي مرسوماً يقضي بإحداث الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال وذلك بهدف تقديم الدعم المالي لهم، ومساعدتهم على تجاوز الضرر الجسدي أو المادي أو المعنوي اللاحق بهم».

الارتقاء بالوضع الإنساني

وأشار إلى «أن الجمهورية العربية السورية تشدد مجدداً على أن الارتقاء بالوضع الإنساني في سورية يتطلب توفير حلول مستدامة لدعم السوريين، خاصة بعد الزلزال، تتمثل في زيادة حجم وكم مشاريع التعافي المبكر بما يقلل من الاعتماد على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ويزيد من قدرة السوريين على الصمود، ويوفر ظروف عودة كريمة وطوعية للنازحين واللاجئين إلى مناطقهم، إلا أن ذلك يتطلب توفير التمويل اللازم عبر وفاء المانحين الدوليين بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم».

وفيما يخص موضوع عودة اللاجئين، قال السفير صباغ: «إن الجمهورية العربية السورية تعلن من على هذا المنبر استعدادها للترحيب بعودة كل لاجئ سوري غادر منزله وقريته ومدينته، وتدعو مواطنيها الذين أجبرتهم التنظيمات الإرهابية على اللجوء إلى العودة إلى وطنهم، ولقد اتخذت الدولة السورية كل القرارات اللازمة في هذا المجال، ونحن نتعاون مع المفوضية السامية للاجئين، ومع لجنة الاتصال العربية للوصول إلى هذا الهدف النبيل، وفي هذا المجال أدعو الدول الغربية التي تطلب من اللاجئين عدم العودة إلى وطنهم أن يتوقفوا عن هذه الممارسات اللاإنسانية».

وأوضح أنه بالتوازي مع كل ذلك، فقد تعاملتْ سورية بإيجابيةٍ مع الجهودِ والمبادراتِ التي قُدّمت في إطار المسارِ السياسي، حيث دعمت نهج التسوياتِ المحلية والمصالحاتِ الوطنيةِ كطريقٍ لإعادة الأوضاع إلى طبيعتِها في مختلِفِ ربوعِ الوطن، ولتعزيزِ الوحدةِ الوطنية وتماسُكِ المجتمعِ السوري، كما شاركت في الاجتماعاتِ التي تُعقد بصيغة أستانا، ورحبت بنتائجها، وحافظت على التواصل المستمر مع المبعوث الخاص إلى سورية.

وبين السفير صباغ أن القمة العربية التي عُقدت في شهر أيار بجدة في المملكة العربية السعودية حققت إنجازاً كبيراً، حيث أعادت للموقف العربي الجماعي ألقه، وللعمل العربي المشترك زخمه، وأكدت الدول العربية خلالها على دعم سورية في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، وتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها جراء الحرب الإرهابية التي واجهتها، والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتداعيات الزلزال المدمر الذي أصابها.

وقال: «يشهدُ عالمنا اليوم تحولاتٍ مهمة، وتنامياً لتحديات خطيرة في مقدمتها اشتعال الصراعات المدمرة في مناطق عديدة حول العالم، واستمرار الاحتلال لبعض شعوب العالم، وانتشار آفة الإرهاب، وتراجع معدلات التنمية، وارتفاع حاد في معدلات الفقر والجوع، إلى جانب وقوع آثار كارثية ناجمة عن الإجراءات القسرية أحادية الجانب، وسياسات الحصارِ الاقتصادي، بالإضافة إلى وقوع تداعيات سلبية ناجمة عن تغيرات المناخ وما تجلبه من كوارث طبيعية ذات صلة».

مشدداً على أن مواجهة كل هذه التحديات حاجةٌ ملحةٌ للجميع، لانعكاسها على مستقبل أجيالنا القادمة، والقضاء عليها، أو التخفيف من آثارها بالحد الأدنى، يستوجب التعاون العالمي بين الدول الأعضاء، والتضامن فيما بينها وتضافر جهودها لبناءِ نظامٍ عالميٍ جديدٍ متعددِ الأقطاب يحقق التوازن الجديد في العلاقات الدولية، بما في ذلك من خلال إصلاح المؤسسات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن، وتحقيق تنمية مستدامة حقيقية تضمن منفعة ورفاه شعوب العالم كافةً.

دعم القضية الفلسطينية

وأكد الصباغ «لقد دعمت سورية، ولاتزال القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية العربية المركزية، وهي لم تدخر جهداً للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في كفاحه المشروع لاستعادة حقوقه المشروعة، وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، ومنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة».

وقال السفير صباغ: «إن الجمهورية العربية السورية إذ تدين بأشد العبارات كل تلك الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية، فإنها تستنكر بالقدر نفسه استمرار دعم مثل هذه الممارسات أو الصمتِ عنها من قبلِ بعضِ الدول التي تُنصّبُ نفسَها حاميةً للقانونِ الدولي الإنساني ولقانونِ حقوقِ الإنسان، ما يجعلُها متواطئة مع مرتكبي هذه الجرائم، ويُظهر بوضوح مدى ازدواجيةِ المعاييرِ التي تمارسها».

وأعرب عن دعم سورية وتضامنها مع الشعب الليبي في مواجهة تداعيات الإعصار والفيضانات التي عصفت به، وكذلك مع الشعب المغربي جراء الزلزال المدمر الذي أصابه، كما تُعيدُ سورية، التأكيد على تأييدِها لحق الِاتحادِ الروسي في الدفاعِ عن نفسِهِ وحمايةِ أمنِهِ القومي ردّاً على السياساتِ الغربيةِ العدوانية، وهو بذلك لا يُدافِعُ عن نفسِهِ فقط وإنما عن حقِّنا جميعاً في رفض منطقَ الهيمنةِ الغربية والقطبيةِ الواحدة.

وتابع السفير صباغ: «تُشيدُ سورية بالنهجِ البنّاءِ والمسؤولِ لجمهوريةِ إيران الإسلاميّة بشأن العودةِ إلى خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحبَتْ منها الولاياتُ المتحدة بشكل منفردٍ وغيرِ قانوني؛ وتدعو الولاياتِ المتحدةَ وحلفاءها الغربيينَ إلى تلبيةِ المطالبِ المشروعة لإيران».

مبدأ الصينِ الواحدة

وأكد دعم سورية مبدأ الصينِ الواحدة، وتأييد مواقفِ جمهوريةِ الصينِ الشعبية، في مواجهةِ محاولاتِ التدخلِ الخارجيِّ في شؤونِها الداخلية، سواءٌ في تايوان أم هونغ كونغ أم شين جيانغ، وتُشدّدُ على حقِها غيرِ القابلِ للتصرف في اتخاذِ ما تُقرّرهُ من إجراءات وخطواتٍ للدفاعِ عن سيادتِها، خاصةً في مواجهةِ التصعيدِ غيرِ المسبوق، وسياسةِ الِاستفزازِ التي تمارسُها الولاياتُ المتحدةُ الأميركية ضدَّها.

وقال السفير صباغ: «تُدينُ سورية الحصارَ الاقتصاديَّ المفروضَ على كوبا منذُ عقود، بما في ذلك تمديدَ الإدارة الأميركيةِ لما يسمى «قانونَ التجارةِ مع العدو، وتدعو سورية لوقفِ التحركاتِ والتدريباتِ العسكريةِ التي تُجريها الولاياتُ المتحدة في شبه الجزيرة الكورية، والتي تؤدي إلى تصعيدِ التوترِ في تلك المنطقة».

رفع الإجراءات القسرية

وشدد على مطالبة سورية برفعِ كلِّ أشكالِ الإجراءات القسريةِ أحاديةِ الجانب التي تَفْرِضُها الدولُ الغربيةُ على الاتحاد الروسي، وإيران، وفنزويلا، وبيلاروس، ونيكاراغوا، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وزمبابوي، وإريتريا، وضدَّ بلادي سورية، وتعتبرُها إرهاباً اقتصادياً لا يَقِلُّ وحشيةً وخطورةً عن الإرهاب المسلّح، لناحيةِ آثارِها الإنسانية الكارثية على الشعوب المستهدفة.

وتابع السفير صباغ القول: إن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خلق ليكون منبراً للحوار والدبلوماسية العامة بين الدول الأعضاء، وليس منصة لإطلاق الاتهامات الكاذبة أو شن الحملات العدائية ضد بعضها بعضاً، لهذا نتطلّعُ إلى أن تكون الدورة الحالية للجمعية العامة، وتحت قيادتكم، قادرة على الوفاء بالشعار الذي رفعتموه، والمتمثل في: «إعادة بناء الثقة، وإحياء شعلة التضامن العالمي: وتسريع وتيرة العمل بشأن خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة الواردة فيها من أجل تحقيق السلام والرخاء والتقدم والاستدامة للجميع».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن