قضايا وآراء

عندما تنكسر هيبة «قسد»

| منذر عيد

لا تقتصر أهمية عودة المواجهات بين مسلحي العشائر العربية وميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، على الحدث ذاته، رغم ما يعكسه من تطور لافت في مناطق ريف دير الزور، بل إن الأهمية تنبع من دلالاته ومؤشراته المستقبلية، التي تؤكد أن زمن الهدوء والاستقرار الذي كانت تنعم به «قسد» وبشكل كبير في مناطق سيطرتها قد ولى، وبأن «وجع رأس» سوف يلحق وبشكل متكرر قوات الاحتلال الأميركي في تلك المناطق، ما يضع مستقبل الطرفين «قسد» والاحتلال على المحك.

بعيداً عن ثبات قوات العشائر في المناطق التي سيطرت عليها أول من أمس في ريف دير الزور سواء في بلدات ذبيان والطيانة والراغب، أو ذهابها إلى طاولة المفاوضات، فإن الوضع في مناطق سيطرة «قسد» بعد انتفاضة العشائر العربية في بداية الشهر الجاري، لن تكون كما قبله، فهي إن لم تستطع القضاء على الميليشيات وتحرير المناطق من هيمنتها، إلا أنها استطاعت كسر هيبة الميليشيات، وتمكنت من القضاء على فكرة تهميش المكون العربي، وتحرير المنطقة من سطوة وهيمنة «قسد»، وهو ما أكدته مصادر عشائرية أن «الهجوم على بلدة ذيبان هو تأكيد على إصرار العشائر على مواصلة الهجمات ضد «قسد»، ونسف المزاعم الكردية بقدرة «قسد» على إعادة بسط قبضتها على المنطقة، لتوضح أن كل المؤشّرات تدل على أن هناك معركة طويلة تتجهّز العشائر لخوضها ضد «قسد»، وصولاً إلى تحقيق هدفها بإدارة أبناء العشائر لمناطقهم، وإنهاء مرحلة التهميش الكامل لهم منذ سنوات عدة».

محاولة «قسد» لنكران حقيقة مستجدات الأمور، وعدم قدرتها على تقبل التغيرات في معطيات الأحداث، دفع بها إلى خلق الحجج، وكيل الاتهامات بأن ثمة مسلحين عبروا نهر الفرات من ضفته الغربية إلى الشرقية، وقاموا بالهجوم على مواقع الميليشيات، وبأن ثمة مؤامرة إقليمية ضدها، وذلك في محاولة لإيهام الرأي العام، وإيصال رسائل طمأنة إلى سيدها الأميركي بأن لاشيء تغير في مناطق سيطرتها، وبأن «قسد» هي اللاعب الأساس والرئيس في المنطقة الذي يمكن للاحتلال الأميركي الثقة به والاعتماد عليه.

حسابات «قسد» في حقول أوهامها لم تتفق ونتاج «بيدر» الواقع، حيث أتى هجوم العشائر أول من أمس، بعد يوم من ادعاء متزعم «قسد» المدعو مظلوم عبدي، أن «الأوضاع باتت مستقرّة في دير الزور»، هجوم يؤكد مجدداً رفض المكون العربي أن يكون مجرد «دور وظيفي» بيد الميليشيات تفرض عليه مصالحها، وتتجاهل أحقيته في ثروات المنطقة، والتعبير عن همومه وتطلعاته، حقيقة أدركها المحتل الأميركي قبل «قسد» وهو ما دفع بالأول إلى الدعوة مراراً وتكراراً لوقف الاقتتال، وتأكيده أحقية أهالي مناطق المكون العربي في مطالبهم، دون العدول عن الاعتماد على «قسد» كأداة له يمكن من خلالها مواصلة احتلاله للأراضي السورية وسرقة خيراتها وثرواتها.

الولايات المتحدة الأميركية لم تعلق على مجريات الأحداث في دير الزور، بل ربما فضلت الهروب إلى الأمام بإعلان القيادة المركزية «سينتكوم» القبض على القيادي في تنظيم داعش الإرهابي المدعو «أبو خليل الفدعاني» بغارة وصفتها بـ«الناجحة» شمال سورية، من دون أن يحدد الإعلان الأميركي النطاق الجغرافي للعملية بدقة مكتفياً بالقول إنها نُفذت في 23 من الشهر الحالي، ما يدفع للتساؤل حول مدى صحة ذاك الادعاء، وهل كان مقصوداً في التوقيت لإيصال رسالة بأن همه فقط محاربة الإرهاب كما يزعم.

تمسك «قسد» بسطوتها في المناطق التي تسيطر عليها، ورفضها إشراك المكون العربي في صناعة القرار أو إدارة شؤون مناطقهم، خوفاً من تراجع صورتها أمام الأميركي، فإن رهانها على قوة السلاح في إدارة الأمور والتعامل مع العشائر العربية، سيبقى الخيار الأكثر رجحاناً، وهو ما أكدته أحداث الواقع، من خلال قيامها عقب كل انتفاضة أو احتجاج من المكون العربي ضد سياستها، بعمليات أمنية واعتقالات واسعة، في صفوف سكان المناطق التي تناصبها الخلاف أو العداء، بخلاف ما كانت تفضي إليه الاتفاقات مع العشائر برعاية من الاحتلال الأميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن