حتى نجوميته في التمثيل قد أَفُلَت فكيف الحال في السياسة؟ ولو لحظت واشنطن إخفاقه على المسرح لما استندت إليه في الحربة التي وجهتها إلى الخاصرة الروسية وجعلته على رأسها، ليكون فلاديمير زيلنسكي بعد سنوات العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية إقليم دونباس، أفشل رجل في التاريخ لدرجة أنه لم يعد مقبولاً حتى في وسطه، وهو أمر أكده الخبير العسكري وضابط المخابرات المتقاعد أناتولي ماتفيتشوك بأن زيلينسكي لم يعد يناسب أحداً، لا المعارضة الداخلية ولا الدائرة الغربية التي كانت تدعمه، فمن ناحية لن يغفر له الأوكرانيون أبداً تضحياته الضخمة غير المجدية بعد مقتل مئات الآلاف من الناس، ومن ناحية أخرى فإن القوميين المتطرفين سوف يلتهمونه لأنه «يفرّط بمصالح أوكرانيا» بحسب زعمهم.
دقيق جداً ما أورده رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين حول خسارة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي «حرب الاستنزاف» ضد روسيا، وهو ما انعكس في التصريحات الغربية والأميركية قبل المسؤول الروسي، حيث اعتبر مفوض الاتحاد الأوروبي للأمن والخارجية جوزيب بوريل أن الدول الأوروبية اضطرت إلى «الاستيقاظ من غفوتها التي كانت تعيشها تحت المظلة النووية الأميركية» بسبب أوكرانيا، فيما سبقه الرئيس الأميركي وأمين عام حلف الناتو عندما وصفا الصراع في أوكرانيا بــ«حرب استنزاف» كلفت مبالغ ضخمة!
فولودين الذي تحدث عن أمور جوهرية لا تدع مجالاً للشك أن الغرب هُزم أمام موسكو، أولها نقص الأسلحة والذخائر، وفشل الهجوم المضاد، والنقص الكبير في أفراد الجيش الأوكراني، وما نتج عنه من كوارث ديموغرافية واقتصادية في البلاد، كذلك المشكلات الاقتصادية لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية وما أفرزه من فقدان الثقة بالسياسيين هناك، وهو أمر تجلى بوضوح في وسائل الإعلام الأميركي، عندما أكد لوك هيلغيمان على شبكة «فوكس نيوز» أن النخبة الأميركية تسخر من معاناة المواطنين الأميركيين الذين يصارعون آثار التضخم في حياتهم اليومية وتدعوهم لأكل الكعك! بعد أن قاموا باستخدام رسوم بيانية وإحصائيات منتقاة بعناية لتثبيت «غباء» المواطنين الأميركيين في شكواهم من التضخم!
واشنطن لا تعنيها نتائج الصراع الأوكراني الكارثية على العالم، بل يعنيها تحقيق نتائج تخدم مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية في إضعاف روسيا وإشغالها عن دعم مسيرة العالم لإنتاج نظام جديد متعدد القوى ينهي الهيمنة الليبرالية للولايات المتحدة، ولكن هناك من يتكلم عن طور الانحدار حتى في القوة العسكرية الأميركية أو ما يطلق عليه تآكل وتقادم القوة العسكرية للجيش الأميركي، وهو أمر أكده الأميركيون أنفسهم حيث انتقدوا بشدة قواتهم البرية، بعد أن كفوا عن اعتبارها «الأكثر موثوقية» في العالم إضافة إلى ما تحدثت حوله مساعدة وزير الدفاع مارا كارلين، عن فقدان التفوق الأميركي في مجال التكنولوجيا العسكرية.
إن محاولة إنعاش التفوق الأميركي العالمي هي محاولات تجميلية فقط لا تسمن ولا تغني من جوع، ولن تستطيع كبح عجلات التحول العالمي الجديد الذي يسير بثبات اقتصادي وسياسي وعسكري نحو هدفه، ولعل اليوم الذي يعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاره على الغرب وشيطانه الأميركي بشكل رسمي، قد اقترب، وستثبّت بكين هي الأخرى قواعد الاقتصاد العالمي الجديد المبني على القيم والأخلاق، وخلف روسيا والصين ستكون القوى الإقليمية في مسارها الصحيح نحو عالم جديد جوهره «التنمية للجميع».