من دفتر الوطن

درس من الفضاء الخارجي

| حسن م. يوسف

«هل الحكومة من الحكمة أم إنها من التَّحَكُّم؟»

استلقيت في فراشي البارحة وهذا السؤال يتكرر في رأسي بعد نهار ملأه أصدقاء أعزاء بشظايا نقاشات تنطلق في كل الاتجاهات. والحق أنني استغرقت في النوم وأنا أفكر بالحكومة التي نادراً ما تفكر بي وبأمثالي من المواطنين الذين لا مخالب لهم ولا أنياب.

استيقظت قبيل شروق الشمس وقد توصل عقلي الباطن إلى حل توفيقي لهذا السؤال: الحكومة الجيدة هي التي تمارس التَّحَكُّم بحكمة. سألت نفسي: وما الحكمة؟ جاءني الجواب من غياهب ذاكرتي: «الحكمة هي خلاصة عقل يتأمل، وقلب يتألم. « حاولت أن أتذكر من صاحب هذه المقولة، وعندما لم أفلح، لجأت لمساعد الذكاء الاصطناعي الافتراضي تشات جي بي تي فأجابني بأن هذا الكلام للفيلسوف والمفكر الأندلسي ابن رشد.

العجيب فينا نحن أبناء بلاد الشام هو أننا مثل حقل البصل كلنا رؤوس، فالواحد منا لديه، نظرياً، كل الحلول لكل مشاكل العالم، لكنه غالباً ما يعجز عن حل مشاكله الشخصية التي قد تكون صغيرة لدرجة التفاهة أحياناً.

قبل أيام شاهدت فيلماً روائياً أمريكياً من بطولة توم هانكس مبنياً على قصة حقيقة عن ثالث رحلة أمريكية إلى القمر هي رحلة سفينة الفضاء السيئة الحظ (أبوللو 13) عام 1970، وقد وجدت في ذلك الفيلم حكمة من شأنها أن تفيد حكومتنا لو كانت معنية بإخراج مواطنيها من مقلاة الأسعار الحامية التي يتقلبون فيها.

كانت مركبات أمريكا قد سبق أن هبطت على سطح القمر مرتين، وكان الأمريكان قد سئموا من هذا الموضوع، لذا «لم تذكر الصحف رحلة أبولو 13 إلا في صفحات الطقس». لكن الرحلة أصبحت في مركز اهتمام العالم برمته، عندما وقع انفجار في المركبة أدى لتوقف خليتين من خلايا الطاقة الثلاث التي تزود المركبة بالكهرباء، والكهرباء في الفضاء تعني الحياة بكل المقاييس، فمن دونها لن يحصل رواد الفضاء على الأوكسجين اللازم للتنفس وسيتجمدون برداً وستتوقف أجهزة الكمبيوتر التي تمكنهم من تحديد مواقعهم والاتصال بالأرض.

كان جهاز التخلص من ثاني أكسيد الكربون يستهلك كمية كبيرة من الكهرباء، لذا أمرت المحطة الأرضية علماءها أن يفكوا كل القطع التي يمكن التخلي عنها من نسخة المركبة الموجودة في قاعدة الإطلاق، وأن يصنعوا من تلك المكونات جهازاً لسحب ثاني أكسيد الكربون، يُبقي رواد الفضاء على قيد الحياة. وقد نجح العلماء على الأرض في صنع الجهاز، كما نجح الرواد في تنفيذ المخطط الذي جاءهم، وصنعوا جهازاً مماثلاً، استخدموا في صنعه غطاءً بلاستيكياً، وشريطاً لاصقاً وجوارب أحد رواد الفضاء. وبفضل ذلك الجهاز البسيط انخفض ثاني أوكسيد الكربون وبقي رواد الفضاء أحياء وعادوا إلى الأرض سالمين.

أقترح على حكومتنا الرشيدة أن تستفيد من هذا الدرس المجاني القادم من الفضاء الخارجي، وذلك بأن تفكك كل المكونات التي يمكن الاستغناء عنها داخل سفينة الفضاء السورية المعطَّلة، وأن يكلفوا العلماء بصنع جهاز يسحب ثاني أكسيد الكربون من حياتنا ويساعدنا على التنفس من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن