ثقافة وفن

وانتهى المشوار يا عروبة.. رحيل صاحبة «سورية يا حبيبتي» … نجاح سلام.. انطلقت من سورية وتحولت بفنها وإبداعها إلى جزء من الذاكرة والوجدان العربيين

| وائل العدس

رحلت عن عالمنا يوم الخميس الماضي الفنانة اللبنانية الكبيرة نجاح سلام عن عمر 92 عاماً، وأعلنت ابنتها سمر سلمان العطافي خبر الوفاة فكتبت: «وانتهى المشوار يا عروبة.. ماما في رحاب الله». ليبكي الفن الأصيل صوتاً من ذهب وحنجرة استثنائية في الغناء العربي.

رحلت إحدى عمالقة الفن العربي، بعد أن اعتزلت الغناء منذ أكثر من 30 عاماً، لكن بقي صوتها جزءاً من إرث الأغنية العربية، وهي التي قال محمد عبد الوهاب عن صوتها «صوت نجاح سلام يتحدى الزمن، إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً».

الفنانة الملقبة بـ«صوت العروبة» جمعت في صوتها الشجي بين الغناء الشعبي والأناشيدي الديني والطربي، ونشأت وسط بيئة مشجعة على احتراف الفن، وفي الوقت ذاته تراعي الأصول الشرقية، فكانت خليطاً متجانساً من الموهبة والرقي، وظهر ذلك جلياً في أعمالها الفنية التي اشتهرت بها وحملت توقيع كبار الملحنين والشعراء.

اشتهرت بأداء الأغاني الوطنية، إضافة إلى الابتهالات الدينية وخصوصاً في الفترة الأخيرة من مسيرتها الفنية.

شكّلت بما قدمته من إبداع جزءاً من ذاكرة جيل بأكمله، ومثّلت الزمن الجميل الذي كان الفن فيه يقدم روحاً متفردة في كل قامة إبداعية.

كانت تقيم في العاصمة السورية دمشق منتصف الخمسينيات، واشتهرت خلال تلك الفترة بالكثير من الأعمال المهمة المعروفة.

300 أغنية

ولدت الراحلة في بيروت في 12 آذار عام 1931، جدها الشيخ عبد الرحمن سلام مفتي بيروت، ووالدها الفنان والأديب محيي الدين سلام أحد أبرز الملحنين وعازفي العود في لبنان والوطن العربي، وقد تعلمت أصول الغناء منه وكان منزله أشبه ما يكون بمعهد فني.

بدايتها في الغناء كانت من خلال الحفلات المدرسية التي كانت تقام مع نهاية كل عام مدرسي، وفي عام 1948 صحبها والدها إلى القاهرة حيث عرّفها على كبار الفنانين مثل أم كلثوم والموسيقار فريد الأطرش وشقيقته المطربة أسمهان والشيخ زكريا أحمد وغيرهم.

وفي عام 1949 سجلت لشركة «بيضا فون» أول أغانيها وهي «حول يا غنام»، وأغنية يا «جارحة قلبي»، وحينها احترفت الغناء، وغنت في كل من دمشق وحلب وبغداد ورام الله.

في بداية عام 1950 عادت إلى لبنان لتسجيل بعض الأغاني للإذاعة اللبنانية، وكانت أولى هذه الأغاني «على مسرحك يا دنيا».

وكانت انطلاقتها السينمائية مع أول أفلامها وهو «على كيفك» مع السيدة ليلى فوزي، وكان فيلمها الثاني «ابن ذوات» وفي هذا الفيلم غنت عدة أغنيات مثل «برهوم حاكيني» و«الشب الأسمر» وغيرها.

ثم شاركت في فيلم «الدنيا لما تضحك» مع شكري سرحان وإسماعيل ياسين، ثم فيلم «الكمساريات الفاتنات» مع كارم محمود.

توجهت بعد ذلك إلى القاهرة للقيام في بطولة فيلم «سر الهاربة» مع سعاد حسني وكمال الشناوي، ثم فيلم «الشيطان» مع فريد شوقي وشمس البارودي، مع استمرارها بإحياء الحفلات في لبنان وسورية ومصر.

وفي عام 1971 سافرت إلى الأردن بدعوة من وزارة الإعلام وقدمت أغانيها إلى الإذاعة الأردنية، ثم توجهت إلى العراق بدعوة من وزارة الإعلام.

وفي عام 1972 سافرت إلى القاهرة حيث شاركت في بطولة أحد الأفلام مع كوكا وفريد شوقي.

وفي عام 1973 سافرت إلى سورية بعد الانتصار على الكيان الصهيوني إبان حرب تشرين التحريرية وغنت أغنية وطنية هي «سورية يا حبيبتي» بالمشاركة مع محمد سلمان ومحمد جمال.

وفي عام 1974 اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية فسافرت إلى القاهرة وأقامت فيها حيث تم تكريمها بمنحها الجنسية المصرية وأطلق عليها لقب «عاشقة مصر».

وعندما استلم الرئيس اللبناني إلياس الهراوي رئاسة الجمهورية اللبنانية قام بزيارة القاهرة، وكانت نجاح سلام أول المستقبلين له في مبنى السفارة اللبنانية في القاهرة، فبادرها بالقول إنها ثروة وطنية وفنانة عظيمة لا يجوز أن تظل خارج بلادها. فعادت إلى لبنان وقدّمت أعمالاً وطنية كبيرة مثل «لبنان درة الشرق» كلمات الشاعر صالح الدسوقي وألحان الفنان أمجد العطافي.

قدّمت ما يقرب 300 أغنية، ومن أغانيها وأناشيدها الأخرى أيضاً نذكر: «وندهت عليك، الهوى العذري، ميل يا غزيل، بلغ سلامي، يا أعز الحبايب، تستاهل يا قلبي، لا مال ولا جاه، عايز جواباتك، شو بتعمل فينا، علا وعلا، لا تسألني يا حبيبي، دقيت على باب الأمل، يا عايدة يا فلسطينية، يا أغلى اسم في الوجود، أنا النيل مقبرة الغزاة، يا قدسنا، الوحدة العربية، وقبل الفجر، يا ليت يا رمضان، يا أمة الإسلام، الصوم فلاح وعبادة، يا مرحباً شهر الهدى، ولد الهدى، على باب المصطفى، يا مالك روحي، يا جارحة قلبي، الشهيد، برهوم حاكيني».

كرمها الرئيس اللبناني السابق إلياس الهراوي في قصر الرئاسة ومنحها وسام الاستحقاق برتبة فارس.

كما حصلت على جائزة الأوسكار من جمعية «تكريم عمالقة الفن العربي» في الولايات المتحدة عام 1995. ومُنحت الجنسية المصرية عام 1974 بعد استقرارها في القاهرة.

وفي العام 2000، تحجّبت وابتعدت عن الأضواء. وقالت عام 2016: «الاعتزال لم يكن وارداً عندي، ولكن عندما ذهبتُ إلى الحج برفقة ابنتي وصهري، وأديتُ الفريضة، عدتُ وأنا أرتدي الحجاب، ولكنني لم أعتزل الفن بل اتجهت نحو الغناء الوطني والديني».

سورية يا حبيبتي

‏ كتب أغنية «سورية يا حبيبتي» محمد سلمان، ولحنها وغناها مع الفنانة نجاح سلام والفنان محمد جمال.

وروى سلمان أنه بدأ بكتابة كلمات هذه الأغنية مع اندلاع حرب تشرين، وقرّر السفر من لبنان إلى سورية، ليكون قريباً من الأحداث، لكن أوراقه الرسمية تأخرت ولم يتمكن من السفر فأكمل جزءاً آخر منها في بيروت، تحديداً بعدما سمع خليجيان يتحدثان بفخر عن هذه المعركة وأنه بات للمواطن العربي ما يفتخر به، ليضيف الجزء المختص بـ«الآن إني عربي… يحق لي اسم أبي ومن أبي… رصاص بندقية يصنع الحرية للأمة الأبية»، مضيفاً: إن ابنته سألته عن فلسطين ودورها في هذه المعركة، فأكمل كلمات الأغنية بـالعبارة التالية: «لم ينته المشوار يا عروبة… حتى تعود أرضنا السليبة… ففي الخيام طفلة المصيبة… تنادي يا سوريتي الحبيبة… أعيدي لي كرامتي… أعيدي لي حريتي… أعيدي لي هويتي».

وتقول كلمات الأغنية: « سورية يا حبيبتي.. أعدتِ لي كرامتي أعدتِ لي هويتي، بالحرب والكفاح وشعلة الجراح تنير درب ثورتي يا يا يا يا حبيبتي، قنالنا جولاننا سماؤنا وأرضنا، وبعثنا يسير لمجده الكبير.. مبشراً بعودتي ورافعاً كرامتي مجدداً هويتي، الآن الآن.. الآن إني عربي يحق لي اسم أبي ومن أبي ومن أبي ومن أبي، رصاص بندقية مصنع الحرية للأمة الأبية يا يا يا يا حبيبتي، سورية يا درب كل ثائر.. يا قلعة الأحرار والحرائر صمودك العظيم في البشائر تزف للآمال والضمائر، لم ينته المشوار يا عروبة.. حتى تعود أرضنا السليبة.. ففي الخيام طفلة المصيبة.. تنادي يا سورية الحبيبة».

تكريم في دمشق

في نيسان عام 2016 واحتفالاً بذكرى جلاء المستعمر السبعين، أقامت وزارة الثقافة السورية حفلاً تكريمياً للفنانة التي انطلقت من سورية، وتحولت بفنها وإبداعها إلى جزء من الذاكرة والوجدان العربيين.

وأقيم وقتها حفل أحيته الفنانة همسة منيف التي غنت «سورية يا حبيبتي» بالشراكة مع صاحبة التكريم تعبيراً منها عن محبتها لسورية ولشعبها متمنية لهما النصر القريب.

وأشادت نجاح بتكريمها بين أهلها وفي وطنها سورية الذي تربت على حبه منذ نعومة أظفارها، وسلمها وزير الثقافة السابق عصام خليل درعاً تكريمياً تقديراً لمسيرتها الفنية الغنية والحافلة بالعطاء.

الثنائي الفني

تزوجت الراحلة من الفنان محمد سلمان عام 1955 ورزقت منه بابنتها سمر ثم ابنتها ريم، وشاركت معه في تأسيس شركة إنتاج الأفلام «سمر فيلم»، ثم شاركت معه في تأسيس شركة «ريما فون» للكاسيت ولكنهما انفصلا في عام 1965 بعد زواج استمر عشر سنوات، وبعد عام ونصف العام من الانفصال عادت إليه مرة أخرى ولكن لم يستمرا طويلاً، فانفصلت عنه مرة أخرى وتزوجت من بعده مرتين، زوجها الثاني هو فؤاد مقبل وزوجها الثالث هو الدكتور عدنان العريس.

وفي أحد اللقاءات تحدثت عن زوجها الراحل محمد سلمان وكيف بدأت علاقتها به فقالت: «والدي هو من احتضن محمد سلمان عندما توفي والده، وبعد ذلك انتقل إلى القاهرة بعد أن شارك في بعض الأعمال الفنية بلبنان، وفي عام 1954 ذهبت مع والدي إلى مصر لكي أصور فيلم «السعد وعد» وكان من المفترض أن يشاركني البطولة الفنان شكري سرحان لكنه طلب مبلغاً كبيراً، فاقترح والدي على المنتج أن يشاركني البطولة محمد سلمان.

وتابعت: «هذا الفيلم قرّب بيننا كثيراً ومن خلال عملنا معاً نشأت بيننا قصة حب وصارت علاقتنا متينة أكثر، وفي عيد الثورة أثناء حضور الرئيس جمال عبد الناصر كنت أغني على المسرح فتحديته في الغناء أثناء الكواليس وعندما انتهينا هنأنا عبد الناصر وقال لوالدي: «دول لايقين لبعض» وهذه العبارة أثرت في والدي ورسخت العلاقة بيننا أكثر، وقبلت به لأنني شعرت أنني أحبه، وزاد حبي له لأنه تفهم ظروفي وظروف عملي لأنه فنان مثلي.

وتابعت: «عاش زواجنا عشر سنوات حيث استمر حتى عام 1965، أنا بيتوتية بطبعي وكنت أحب أن يجتمع الفنانون والمثقفون في بيتي، في حين كان محمد سلمان يفضل الجلوس في منطقة الروشة مع أصحابه، هو كان عكسي تماماً من هذه الناحية، وهذا الأمر سبب مشاكل بيننا أدت إلى الطلاق، ولكننا عدنا وتزوجنا مجدداً بعد عام ونصف العام، وحينها وعدني بأنه تغير ولكن لم يحدث أي تغيير وتطلقنا مرة ثانية وظلت علاقتنا مستمرة حتى إنه عندما توفي خرج جثمانه من بيتي في عام 1997».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن