قدم الرئيس بشار الأسد أنموذجاً يحتذى في العلاقات التي تتخذ من الواقعية السياسية الجديدة نهجاً لها في العلاقات الدولية، وذلك خلال مقابلته مع تلفزيون الصين المركزي «CCTV»، إذ انطلق من توصيف واقعي لحجم ودور كل من سورية والصين على المستوى الدولي، في ظل الظروف التي يمر بها العالم وفي ظل الحصار الاقتصادي الغربي القاسي لسورية.
والواقعية السياسية الجديدة هي واحدة من النظريات والمناهج الأساسية في العلاقات الدولية، تتبنى سياسات مرنة موضوعية، تضمن حماية الأمن القومي للدول ومصالحها الخاصة، والمصالح فيما بينها في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، استناداً لرؤى عقلانية، تستهدف ضمان تلك المصالح المتبادلة على الصعد كافة بعيداً عن النمط الذي تنتهجه الدول الاستعمارية.
وتنبع أهمية منهجية الرئيس الأسد في الطرح، مما تشهده تركيبة التفاعلات الإقليمية والدولية من متغيرات جذرية، تفرض نفسها على النسق الدولي، وضرورة أن تنطلق من واقعية سياسية جديدة، وذلك بالنظر إلى حجم التطورات المفصلية التي يشهدها العالم والتحديات والتهديدات والمصالح المشتركة، التي تُنذر بمستقبل مختلف للعلاقات الدولية، ومن هذا المنظور رأى الرئيس الأسد أن الصين دولة عظمى تلعب دوراً مهماً جداً على مستوى العالم، استناداً إلى أن الشراكة التي تقيمها مع الدول الصغرى قائمة على مبدأ جديد بعيد عن مبدأ الهيمنة الذي ينتهجه الغرب.
وعلى اعتبار أن الهوية أساس بناء الأوطان وأساس الحفاظ عليها، ولأنها كانت وما زالت المستهدف الأول في الحرب على سورية، بغية تفتيت المجتمع والقضاء على الدولة، أبدى الرئيس الأسد إعجابه بثبات الثقافة الصينية وثبات الانتماء للوطن وللمجتمع ولعاداته وتقاليده، لافتاً إلى أن فخر الصينيين بوطنهم قد ازداد كثيراً، وبعقلانيته السياسية المعهودة ربط الرئيس الأسد تنامي الفخر الصيني بتنامي الإنجاز الوطني.
وفي سياق الواقعية السياسية الجديدة التي تقتضي تحقيق مصالح الدول في الأمن والاستقرار والتنمية، استناداً لرؤى عقلانية، ربط الرئيس الأسد بين مبادرة الحزام والطريق والمبادرات الأخرى التي طرحها الرئيس شي جين بينغ كمبادرة الحضارة العالمية والتنمية العالمية والأمن العالمي، معتبراً أنها أصبحت مبادرة عالمية، يجب إيجاد المؤسسات المنفذة، والتي تتفاعل فيما بينها، لتحويل تلك المبادرات إلى واقع ملموس على المستوى العالمي.
وبمزيج من العقلانية والواقعية، وصف الرئيس الأسد الوضع السوري بكلمات واضحة، فقال: الحرب لم تنته، ما زلنا في قلب الحرب حالياً»، وهذا توصيف شجاع، ينم عن بناء ثقة راسخة بين القائد والشعب، وبين سورية وشركائها، في لحظة تاريخية مفصلية كانت تنتقل فيها العلاقات بين سورية والصين إلى المستوى الإستراتيجي، وهذا الطرح عقلاني لأنه يستوجب تخطيطاً لإنهاء «الحرب، ويتضمن دعوة ضمنية لدور صيني أكثر فاعلية في إنهاء الخطر المحدق بسورية، والذي حدده الرئيس الأسد في نوعين: «خطر الليبرالية الحديثة الغربية» و«خطر التطرف»، مقدماً الحل لمواجهة تلك الأنواع من الأخطار في الحفاظ على القيم وعلى الانتماء، على اعتبارهما عاملاً أساسياً في بناء المجتمعات والأوطان.
كذلك قيم الرئيس الأسد الوضع الحالي في سورية، بالقول: «لنكن واضحين هو وضع سيئ»، مرجعاً ذلك إلى سببه الحقيقي وهو الخنق المتزايد من الدول الغربية، وبمنهج الواقعية السياسية الجديدة ذاته، أكد الرئيس الأسد أن البحث عن مخرج هو أحد العناوين لزيارة الصين، محدداً المطلوب بأنه ليس المساعدات الإنسانية فقط بل فتح الأبواب أمام السوريين للتفاعل والتطور والازدهار، بما يمكنهم من إعادة بناء بلدهم، مشيراً إلى مستوى النمو العالي الذي حققته سورية قبل الحرب، وفي هذا رسالة إلى الصين مضمونها عظمة الشعب السوري وقدرته على النهوض، فهو ليس شعباً يبحث عن المساعدات فقط، بل شعب يبحث عن المستقبل المزدهر بما يمتلكه من إمكانيات تؤهله للتعاون مع الدول الأخرى.