سورية

وصف في مقابلة مع تلفزيون «CCTV» زيارته بـ«الناجحة» وأكد أن الصين تلعب دوراً مهماً على مستوى العالم من مبدأ الشراكة وليس الهيمنة … الرئيس الأسد: الشعب السوري قادر على إعادة بناء بلده عندما تتوقف الحرب وينتهي الحصار

| وكالات

وصف الرئيس بشار الأسد زيارته إلى الصين بأنها «ناجحة بشكل حقيقي وفعلي بكل المعايير»، واعتبر أن الصين دولة عظمى تلعب دوراً مهماً جداً على مستوى العالم، وهي عندما تتحدث عن الشراكة تتحدث عن مبدأ جديد ولا تتحدث عن الهيمنة.

وأشار الرئيس الأسد في مقابلة مع تلفزيون الصين المركزي «CCTV» أثناء زيارته للصين إلى أن سورية الآن معرضة لحصار اقتصادي سيئ وقاسٍ وخطير من الغرب يهدف لتجويع الشعب السوري، موضحاً أن «هذا جانب مهم بالنسبة لنا، وكان أحد العناوين الواسعة التي توسعنا فيها مع المسؤولين الصينيين».

وأكد في هذا الصدد، أنه «لابد من أن تكون هناك مشاريع مشتركة واحتكاك بين الخبرات الصينية والخبرات السورية في مشاريع ذات طابع اقتصادي صناعي».

وأوضح الرئيس الأسد، أن «الحرب لم تنته، ما زلنا في قلب الحرب حالياً»، لكنه شدد على «أن الشعب السوري قادر على إعادة بناء بلده عندما تتوقف الحرب وعندما ينتهي الحصار».

وأعرب عن ثقته بأن توقف الحرب، وإعادة إعمار سورية سيجعل سورية أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، مؤكداً أن تدخل القوى الخارجية يشكل عائقاً كبيراً أمام الحل في سورية، ومعتبرا أنه «لو أبعدنا هذا التدخل الخارجي، فالمشكلة السورية التي تبدو معقدة هي ليست كذلك يمكن أن تُحل في أشهر قليلة وليس في سنوات».

واعتبر الرئيس الأسد، أنه «لا نستطيع أن نفصل مبادرة الحزام والطريق عن المبادرات الأخرى التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، مبادرة الحضارة العالمية والتنمية العالمية والأمن العالمي، لأنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية من دون أمن، ولا يمكن أن تكون هناك تنمية وأمن إن لم نحافظ على الجوانب الحضارية والأخلاقية والثقافية في العلاقات بين الدول، ولا يمكن أن تكون التنمية تعني أن تسحقي هوية دولة أخرى».

وأعرب عن تمنياته في أن تستمر الصين بلعب دور سياسي يتصاعد كما نراها بشكل مستمر لأن هذا الدور السياسي لا ينفصل كما قلنا عن المبادرات بما فيها مبادرة الأمن العالمي لأنها تخلق استقراراً.

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة الذي نشرته وكالة «سانا»:

مصنع الإبداع

شكراً على قبول المقابلة الحصرية مع مجموعة الصين للإعلام، آخر مرة قمتم فيها أنتم وزوجتكم بزيارة الصين كانت في عام 2004، ما شعوركم حيال زيارة الصين مرة أخرى؟ وما أكبر التغيرات التي تشعرون بها في الصين؟

•• أولاً، أشكرك على إجراء هذه المقابلة اليوم، أما بالنسبة لزيارة الصين فعندما زرنا الصين من تسعة عشر عاماً حتى اليوم هناك قفزات كبيرة جداً، لو أردت أن أُجري مقارنة، فأستطيع أن أقول إنه من الصعب إجراء مقارنة، لأن ما تغيّر كثير، في ذلك الوقت كان يُقال إن الصين تُسمى مصنع العالم أو مصنع البضائع للعالم، أما اليوم فأنا أستطيع أن أقول إن الصين هي مصنع الإبداع، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فالشيء المعروف عن الشعب الصيني بأنه مُحبّ جداً لبلده، ومن الطبيعي أن يكون دائماً هناك فخر لأي شعب بوطنه، لكن الواضح تماماً بأن هذا الفخر قد وصل إلى مراحل أكبر بكثير، بسبب الإنجازات الصينية، لكن ما أريد أن أركّز عليه وقد يكون بالأهمية نفسها، أهمية هذه الإنجازات، وربما يكون أهم، هو الذي لم يتغير بالصين، وهنا التحدي الأكبر، لأن التغيّرات دائماً تأتي معها جوانب سلبية، أهم شيء لم يتغيّر في الصين هو الثقافة، هو الانتماء للوطن، للمجتمع، للعادات والتقاليد الصينية، هذا هو النجاح الأكبر.

كثير من الدول تستطيع أن تتطور تقنياً واقتصادياً وبمجالات مختلفة علمية، ولكن قلة منها تستطيع أن تحافظ على هويتها، والهوية الصينية اليوم واضحة كما كانت قبل عشرين عاماً.

هذه المرة حضرتم أنتم وزوجتكم أيضاً حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، وعندما دخل الوفد السوري إلى المكان كان المشهد مفعماً بالحيوية والإثارة، وأود أن أشارككم فيديو للمشهد عندما دخل الوفد السوري إلى المكان، كان الناس يصرخون ويهتفون، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الصينية ترك العديد من مستخدمي الإنترنت الصينيين تعليقاتهم، لقد قرأت الكثير من التعليقات ووجدتها مؤثرة للغاية، لذا أود أن أشارككم القليل منها، كتب شخص: «عليك أن تنظر إلى النجوم حتى في الأنقاض»، وقال تعليق آخر: «إن ما يظهر للعالم ليس فقط الدمار، بل هو أيضاً حيوية لا حدود لها»، وعلق شخص آخر: «تمنياتي أن تتفتح الورود في كل أنحاء دمشق، ويبقى السلام والحب في هذه الأرض التي تطل حتى في الصحراء».

سيدي الرئيس، ماذا تريد أن تقول للجمهور ومستخدمي الإنترنت الصينيين؟

•• طبعاً أنا أذكر هذه اللحظة بشكل دقيق، لأنها لحظة مؤثرة عندما هتف الشعب الصيني أو الجمهور الصيني في الملعب لدخول الفريق السوري، وهذا يعني الكثير في مثل هذه الحالة، لأنها لحظة عفوية، هذا هو الشعب الصيني، وأحياناً نعتقد بأننا بسبب المسافات نبتعد عن بعضنا عاطفياً وربما بالمفاهيم المختلفة، هذه اللحظة كانت كافية لتقول إن الصين وسورية على المستوى الشعبي هما قريبان من بعضهما بعضاً، لكن بالنسبة لمستخدمي الإنترنت وحول هذا الحدث بالذات أنا أريد أن أوجه الشكر لهم على اهتمامهم وعلى التعليقات التي قرأنا بعضاً منها وكانت مؤثرة جداً، وعلى معرفتهم لعلاقة سورية بالصين التاريخية والحديثة ولما يحصل في سورية وعلى محبتهم لسورية، ولكن تحديداً بالنسبة للافتتاح بالذات، فأنا أريد أن أقول إن الرسالة التي وصلتنا عبر الافتتاح وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تتقاطع أو ترتبط ببعضها بعضاً، هي عظمة الصين وكبرياء الصين مع التواضع الصيني.

الشراكة الإستراتيجية

أثناء وجودكم في خانجو، عقد الرئيس شي اجتماعاً تاريخياً معكم، وأعلنتم بشكل مشترك عن إقامة شراكة إستراتيجية بين الصين وسورية، كيف تقرؤون معنى هذه الشراكة الإستراتيجية؟ وفي أي المجالات المحددة تتطلعون إلى أن يشهد التعاون بين البلدين تطوراً أكبر؟

•• الصين اليوم دولة عظمى تلعب دوراً مهماً جداً على مستوى العالم، ومع ذلك هي عندما تتحدث عن الشراكة فهي تتحدث عن مبدأ جديد، لا تتحدث عن الهيمنة، ما ينقصنا نحن كدول في مختلف دول العالم، ليس فقط في سورية، ولكن خاصة الدول الأصغر تحتاج لهذه الشراكة وتحتاج لهذا الدور، والصين تقوم بهذا الدور لأن الصين وقفت مع سورية سياسياً من خلال دورها في مجلس الأمن وفي عدد من المحافل الدولية، بالإضافة للمواقف السياسية الواضحة البعيدة عن المجاملات، فإذاً الجانب السياسي هو أساساً متطور، ولكن من الطبيعي أن يكون هناك حوار أوسع في هذه الظروف التي يمر بها العالم، هناك الجانب الاقتصادي، جانب التنمية بالنسبة لنا في سورية يعنينا كثيراً، لأن سورية الآن معرضة لحصار اقتصادي سيئ وقاسٍ وخطير من الغرب يهدف لتجويع الشعب السوري، هذا جانب مهم بالنسبة لنا، وكان أحد العناوين الواسعة التي توسعنا فيها مع المسؤولين الصينيين وفيه عدة جوانب، طبعاً الصين تقدم مساعدات إنسانية لسورية وتلعب دوراً مهماً في تخفيف المعاناة، نحن وضعنا عناوين، عندما نعود إلى دمشق ستتم لقاءات واجتماعات من أجل وضع آليات لتحويل هذه العناوين إلى مشاريع عمل تطبيقية.

في لقائكم مع الرئيس شي، ذكرتم أن الصين شرعت في السير على طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وقد لاحظنا أن هناك أيضاً بعض المناقشات في سورية حول كيفية التعلم من تجربة الصين التنموية، ما هو الإلهام الذي تعتقد أن مسار التحديث على النمط الصيني سيجلبه لإعادة الإعمار والتنمية في سورية في المستقبل؟

••أولاً، لابد من أن تكون هناك مشاريع مشتركة واحتكاك بين الخبرات الصينية والخبرات السورية في مشاريع ذات طابع اقتصادي صناعي، أولاً، لأن ظروف الصين منذ بضعة عقود كانت مشابهة لظروف كثير من دول العالم الثالث، ثانياً، لأن المفاهيم الاجتماعية والقيمية وهي تلعب دوراً أساسياً في عملية التطوير، لا يمكن أن نفصل التطوير التقني عن الحالة الاجتماعية، لذلك نستطيع أن نستفيد من التجربة الصينية بجوانب عديدة، ربما لا نستطيع أن نستفيد بالطريقة نفسها من الكثير من الدول الغربية، وحاولنا وحاولت كثير من الدول في منطقتنا أن تستفيد من التجارب الغربية ولكنها فشلت، بالعكس ربما أتت نتائج التجارب أو التقليد بنتائج عكسية على تلك الدول.

الحزام والطريق

في شهر كانون الثاني من العام الماضي، أعلنت سورية انضمامها إلى مبادرة «الحزام والطريق»، نحن نعلم أن سورية هي إحدى الدول المهمة جداً على طريق الحرير القديم، ما تقييمكم لأهمية المبادرة للتنمية العالمية؟

•• لا نستطيع أن نفصل مبادرة الحزام والطريق عن المبادرات الأخرى التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، مبادرة الحضارة العالمية والتنمية العالمية والأمن العالمي، لأنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية من دون أمن، ولا يمكن أن تكون هناك تنمية وأمن إن لم نحافظ على الجوانب الحضارية والأخلاقية والثقافية في العلاقات بين الدول، لا يمكن أن تكون التنمية تعني أن تسحقي هوية دولة أخرى هذا مستحيل، فلذلك أنا لا أقول إن هذه المبادرة الآن هي مبادرة صينية، أقول إنها أصبحت مبادرة عالمية، الحزام والطريق هو التطبيق الأهم بالنسبة لهذه المبادرة الآن، ولكن لا بد من البحث عن مؤسسات تقوم بهذا الجانب وتتفاعل مع المؤسسات الأخرى، كل هذه المبادرات مع المؤسسات تشكل شبكة لكي تتحول إلى تطبيق واقع على مستوى العالم.

كانت سورية واحدة من أغنى الدول وأكثرها استقراراً في الشرق الأوسط، وهناك أبيات شعرية عربية يعرفها كثير من الصينيين تقول: «إن تكُن جنّة الخلود بأرضٍ فدمشق ولا تكون سواها أو تَكُنْ في السماء فهي عليها»، ولكن الآن وبعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، لم تعان سورية الحرب والركود الاقتصادي فحسب، بل يمكن وصفها بأنها مدمرة، والشعب عانى من الخسائر والصدمات الكثيرة، كيف تقيّمون الوضع الحالي في سورية؟ والسؤال الأهم هو: هل انتهت الحرب؟

•• لا، الحرب لم تنته، ما زلنا في قلب الحرب حالياً، لكن أريد أن أقول إن سورية كموقع جغرافي عبر التاريخ القديم منذ كُتب التاريخ هي ممر للغزوات، وكلما كان يأتي محتل كان يدمر المدن فهذا هو تاريخ سورية ولكنها كانت دائماً يُعاد بناؤها، بكل تأكيد الشعب السوري قادر على إعادة بناء بلده عندما تتوقف الحرب وعندما ينتهي الحصار، المشكلة هي الآثار الاجتماعية التي يمكن أن تظهر، عندما تخسرين شيئاً مادياً تعيدين بناءه ولكن عندما تخسرين شيئاً فكرياً وثقافياً يذهب ولا يعود، الآن منطقتنا تواجه بهذه الحرب نوعين من الخطر، خطر الليبرالية الحديثة الغربية والتي نشأت في أميركا، وخطر التطرف، فإذاً المجتمعات هي أمام شيئين سيئين يظهران كأنهما شيئان مختلفان ولكنهما في الحقيقة واحد، نحن ما نركز عليه الآن هو أن نتمكن من الحفاظ على القيم أولاً وعلى الانتماء لأن القيم والانتماء هي التي تساعدنا على بناء مجتمعنا أو وطننا، عندما نخسر هذه القيم سيهاجر الكل، ولن يكون هناك أي شخص مستعد للدفاع عن بلده، أو القيام بأي عمل يخدم المجتمع، فهذا هو التحدي.

سيدي الرئيس، هل هذا يعني أن أكبر عائق أمام حل القضية السورية بالنسبة لكم هو تدخل القوى الخارجية؟

•• نعم هو عائق كبير وقلت سابقاً في عدة مرات لو أبعدنا هذا التدخل الخارجي، فالمشكلة السورية التي تبدو معقدة هي ليست كذلك يمكن أن تُحل في أشهر قليلة وليس في سنوات، هذا كلام صحيح.

هناك مشكلة نقص خطيرة في الطاقة الكهربائية في سورية، والسبب الرئيسي لهذه المشكلة هو نقص الوقود، ونعلم أن سورية غنية جداً بموارد النفط والغاز، وهناك عدد كبير من حقول النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور، هل هذه المشكلة مرتبطة مباشرة بسرقة النفط من الجيش الأميركي؟

•• صحيح، المنطقة الشمالية الشرقية من سورية التي يحتلها الإرهابيون هي نفسها التي يشرف عليها الأميركي، فإذاً القضية ليست فقط سرقة، وإنما القضية هي شراكة مع الإرهابيين في تقاسم الأرباح، وهي مشكلة ثانية أن تكون دولة عظمى تشارك الإرهابيين، هذه هي حقيقة الواقع في سورية، لذلك نحن نخسر في تلك المناطق النفط والقمح، نحن كنا دولة نصّدر القمح، الآن لا يوجد لدينا إلاّ القليل من القمح، لا يوجد لدينا كهرباء، كيف يمكن أن يكون هناك حياة من دون كهرباء، طبعاً لدينا أقل بكثير من الحد الأدنى للحياة ولكن هذا لا يكفي.

خنق غربي متزايد

كما ذكرتم بأن الحرب لم تنته بعد، كيف تقيم الوضع الحالي في سورية؟

•• الوضع الحالي بكل تأكيد غير جيد أو سيئ، لنكن واضحين هو وضع سيئ، لأن المشكلة الآن بالنسبة للسوريين هي مشكلة معيشية، مشكلة معيشية بالنسبة للوضع الاقتصادي أقصد، المعاناة تزداد، وقدرة الشعب السوري الذي كان يعيش دائماً علاقات طبيعية مع مختلف دول العالم يستطيع أن يتبادل معهم التجارة والثقافة والعلم وكل شيء وهي ضرورية، هذا تفاعل ضروري لكي يبقى البلد مزدهراً، هي في حالة خنق متزايد من الدول الغربية، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نقوم بشيء وهذا أحد العناوين لهذه الزيارة، هنا يكون دعم الدول الصديقة حيوياً وأساسياً، ليس بالضرورة من خلال المساعدات، المساعدات قد تكون لأسباب إنسانية ولكن أقصد من أجل فتح أبواب لكي يتمكن الشعب السوري الذي لديه إمكانيات قديمة بأن يبني بلده وأن يتفاعل وأن يتطور وأن يزدهر، لدينا هذه الإمكانيات، نحن لا نفتقدها، هذا النوع من العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية هو الذي يمكن أن يفتح لنا الأبواب لكي نعود وننطلق من جديد.

ذكرتم أن إعادة بناء البلد قد تكون واحدة من أكبر مطالب الشعب السوري الآن، ما خططكم وتطلعاتكم لإعادة البناء؟

••إذا تمت إعادة البناء فسورية لها مستقبل كبير جداً، وأنا لا أتحدث من فرضيات ولا من آمال ولا من توقعات أنا أتحدث من الوضع قبل الحرب، قبل الحرب كان نمو سورية في أفضل مستوياته ويقارب 7 بالمئة وهي نسبة عالية جداً لبلد إمكانياته محدودة، لم يكن لدينا ديون، نحن لم نكن بلداً مديوناً، كنا نأخذ قرضاً ونسدد القرض مباشرةً، كانت لدينا كمية كافية من القمح ولكن كنا نصّدر لعدد من الدول القمح، كنا نصّدر الخضار والفواكه وكنا نطّور صناعاتنا في بداية التطوير الصناعي عندما بدأت الحرب، لذلك أستطيع أن أقول بكل ثقة إن توقف الحرب، وإعادة إعمار سورية سيجعلان سورية أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب.

أعلم أنكم درستم الطب في الجامعة وعملتم أيضاً كطبيب عيون، فما «الوصفة» التي ستقدمونها للتعامل مع الصعوبات التي قد تواجهها سورية في مختلف الجوانب مثل إعادة الإعمار والتنمية؟

•• طبعاً نحن الآن أمام تحدٍ داخلي مرتبط بالحرب والحصار، ولكن أمام تحدٍ خارجي مرتبط بالوضع الاقتصادي العالمي، آثار كورونا، آثار الحرب في أوكرانيا، كل هذه الأشياء أدت إلى ارتفاع كل الأسعار يُضاف لها ارتفاع الفائدة على الدولار، ومن ثم أيضاً زاد من الصعوبات على كل الدول، الوصفة الأساسية لمثل هذه الحالة هي الانتقال، طبعاً ليس فقط لسورية، لكل الدول، هي الانتقال من التعامل بالدولار إلى العملات الأخرى وفي مقدمتها اليوان.

المصالحة السعودية الإيرانية

أعتقد أنكم لاحظتم أيضاً ظهور «موجة المصالحة» في الشرق الأوسط، وإضافة إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، وبوساطة صينية نشطة، أعلنت السعودية وإيران إعادة العلاقات الدبلوماسية، ونعلم جميعاً أن منطقة الشرق الأوسط هي إحدى المناطق التي تعاني من الوضع الأمني الأكثر تعقيداً في العالم، كيف تقيّمون دور الصين في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؟

•• بالنسبة للمصالحة السعودية الإيرانية كانت إنجازاً كبيراً جداً وغير متوقع، لكنه كان مفاجأة جميلة جداً، لأن هذه المشكلة عمرها أربعة عقود في منطقتنا أو أكثر قليلاً، وكانت تمثل النموذج الغربي وتحديداً الأميركي لخلق عـدة مشاكل بين عدة أطراف ومن ثم تقوم الولايات المتحدة بابتزاز هذه الأطراف من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، ومن يدفع الثمن؟ هذه الدول والمنطقة التي تعيش فيها تلك الدول.

هذه المبادرة كانت أكثر من مجرد مصالحة بين طرفين، لنقل إن شخصين كانا على عداوة وأصبحا أصدقاء، لا، القضية هي قضية استقرار، هذا جانب، هذا الجانب سينعكس علينا كلنا في الشرق الأوسط بشكل إيجابي، لأن هذه المشكلة دفعنا ثمنها عدة عقود، واليوم نحن نشعر بالاطمئنان تجاه هذه النقطة، الجانب الآخر، عندما قامت الصين بإعلان هذه المصالحة، فهذا يعني أن السياسة تعتمد على العمل وليس على الكلام والخطابات والبروباغندا بالطريقة الغربية الفارغة، كان هناك عمل سياسي حقيقي وحقق نتائج.

ما الأهمية التي تتمتع بها مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية التي اقترحها الرئيس شي؟

•• نتمنى أن تستمر الصين بلعب دور سياسي يتصاعد كما نراها بشكل مستمر، لأن هذا الدور السياسي لا ينفصل كما قلنا عن المبادرات بما فيها مبادرة الأمن العالمي، لأنها تخلق استقراراً، أما بالنسبة لهذه المبادرات فنحن نراها قواعد للعالم الجديد، أنا أقول إن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر انتقال من عالم قديم إلى عالم جديد، ولا أقصد العالم القديم منذ عدة آلاف من السنوات، ولكن أنا أتحدث عن العالم القديم الذي ابتدأ مع عصر الاستعمار في القرن الخامس عشر مع اكتشاف أميركا، منذ ذلك الوقت حتى اليوم ستة قرون من الاستعمار والقتل والنهب، ما الذي تعنيه هذه المبادرات؟ تعني أن السياسة اليوم في العالم لم تعد ربحاً على حساب الآخرين، لم تعد قتلاً، لم تعد احتلالاً، أصبحت السياسة أو السياسة الجديدة التي نحتاجها هي سياسة مبنية على الأخلاق، سياسة مبنية على التعاون، سياسة مبنية على المبادئ، سياسة مبنية على الربح المتبادل، لذلك أنا أقول هي مبادئ صالحة لعالم جديد يحل تدريجياً محل العالم القديم، هكذا نراه.

مر بلدكم بلحظات حياة أو موت، وقد مررتم شخصياً بالعديد من اللحظات الصعبة، منذ أن أصبحتم رئيساً وحتى اليوم، ما أكبر دعم روحي لكم على طول الطريق؟

••أكثر شيء يجعلك تصمدين -عندما تكون دول العالم الكبيرة أو الغنية أو القوية ضدك- هو الشعب فقط، إن لم يكن الشعب معك في مثل هذه الظروف لا يمكن لأي جهة أخرى أن تعطيك هذا الإلهام لمتابعة القتال في الحرب عندما كانت الحرب عسكرية أو القتال، عندما تكون الحرب اقتصادية اليوم، أما على المستوى الشخصي فهي العائلة المتماسكة والمتمسكة ببلدها وبتصميمها على أن تخوض الظروف مهما كانت هذه الظروف صعبة، هذا هو السبب أو العامل الأهم.

في فترة نشأتك، لعب والدكم دور «الأب الصارم» في تعليم أطفاله، ما تأثير هذه البيئة فيكم؟ والآن كأب، عند التعامل مع أبنائكم الثلاثة، ما مفاهيمكم التربوية الأساسية؟

•• بشكل عام المجتمع السوري مجتمع منفتح بالتفكير، بعكس ما يحاول البعض أن يصوره، نتيجة التاريخ، عندمـا تكون هنــاك حضارات مختلفة في مكان ما فلا بد أن يكون الإنسان منفتحاً، وهذه البيئة بيئة عائلتنا كأي عائلة سورية أخرى، ولكن ما يختلف عن العلاقة بيني وبين أهلي أو بين الوالدين وبيني وبين أبنائي هو تغير الظروف العالمية، أيام والديّ وعندما كنتُ شاباً لم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي، لم تكن هناك حتى فضائيات وبالتالي التأثير الخارجي في الثقافة والفكــر والشــخصية الوطنية السورية كان محدوداً جداً، لم تكن هناك مخاطر، اليوم العكس تماماً، لذلك أعتقــد أن العلاقة بشكل أساسي كانت تُبنى بيني وبين أبنائي على ترسيخ القيم بالدرجة الأولى، قيمة الجماعة وليــس القيمـة الغربية، قيمة الفرد إضافة للقيم الوطنية التي ترتكز بالدرجة الأولى على التمسك بالهُوية، القدرة على التطور، القدرة على التفاعل مع الثقافات الأخرى ولكن مع المحافظة على الشخصية الوطنية، أعتقد هذه التحديات التي تواجهنا اليوم كأهالٍ مع أبنائنا.

سمعت أن ابنكم الأصغر يتعلم اللغة الصينية، هل هذا صحيح؟

•• صحيح تعلم الصينية في بداية الحرب منذ حوالي سبع أو ثماني سنوات أو أكثر قليلاً، طبعاً أُسس اللغة الصينية، وبشكل مبدئي لم يتعمق فيها كثيراً ولكن هو حدد هذه اللغة من دون أي تأثير، كان يريد أن يتعلم عن شيء بالنسبة له بعيد عنه كثيراً لغة وثقافة.

رحلتكم إلى الصين على وشك الانتهاء، ما أكبر المكاسب من هذه الرحلة؟ وكيف تلخصون هذه الرحلة إلى الصين؟

•• في هذه الزيارة استثمرنا هذا الدور الكبير الذي لعبته الصين خلال السنوات العشر الماضية مع التطور الاقتصادي، مع المبادرات السياسية والتنموية، مع دور الرئيس شي جين بينغ لكي نصل إلى زيارة أستطيع أن نقول إنها مثمرة إلى درجة كبيرة، وأعتقد أنها كانت زيارة ناجحة بشكل حقيقي وفعلي بكل المعايير.

شكراً جزيلاً على قبول مقابلتنا، ونشكركم على مشاركة تجاربكم ومشاعركم وخاصة أفكاركم معنا، كما نأمل أن يزهر الورد في كل أنحاء دمشق في أقرب وقت ممكن، ليعم السلام في سورية، شكراً لكم.

•• شكراً لكِ على هذه الفرصة المهمة لمخاطبة الشعب الصيني عبر قناتكم وعبر برنامجكم، وأريد أن أهنئ الشعب الصيني بكل ما تحقق عبر العقود الماضية وأثبت بأنه شعب عظيم، ليس بالكلام وإنما بالفعل ونتمنى أن نرى الصين تحقق طموحاتها على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي التي هي طموحات معظم دول العالم اليوم، شكراً لكِ على هذا اللقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن