ميوزيكل «تاج العروس» عرض مسرحي راقص يحاكي الحقبة الأندلسية … معلولي: هذا العمل سوري بامتياز ويجسد ثقافتنا العريقة المتجذرة عبر التاريخ
| مايا سلامي
برعاية من وزارة الثقافة أقيم مساء أمس العرض المسرحي الراقص «تاج العروس» الذي يروي وقائع تاريخية تدور في فلك الأندلس ومدينة إشبيلية على وجه الخصوص التي عاشت حياة مزدهرة في ظل الوجود العربي، ويصور تلك المرحلة وأبرز التقلبات التي شهدتها بقصة حب جميلة بين الحسناء الإشبيليّة «وجيدة» و«خابيرو» الغجري التي يرتبط مصيرها بتداعيات الانهيار فيقع «ألفونسو» وهو أحد الغزاة في حبها، فتلقى «وجيدة» نفسها حائرة أمام مصيرها وتبحث عن كوة أمل للخروج من مغارتها المعتمة.
ونجح القائمون على العرض في صنع لوحة بصرية ساحرة أخذت الحاضرين في رحلة عبر الأزمنة البعيدة، وتميزت بتقنيات عالية في الموسيقا والأزياء والديكور بالإضافة إلى خفة حركة الراقصين والإبداع الكبير الذي أظهروه في التعاطي مع أنماط موسيقية مختلفة في آن واحد.
العرض من إخراج أحمد زهير، وتأليف محمد عمر، والتأليف الموسيقي محمد هباش، كريوغراف رنيم ملط، ديكور غيث المحمود، إضاءة ماهر هربش، أزياء أحمد منصور، وغناء كورال سورية، وبطولة: ناهد الحلبي، جوان خضر، غسان الدبس، علي عكروش، وليد الدبس، محمد عيسى، كفاح سلمان، رنيم ملط، إيمان كيالي، معتصم عمايري، آية القنواتي، محمد طرابلسي، بالإضافة إلى 60 راقصاً وراقصة من خبرات أكاديمية واحترافية.
عمل إنتاجي ضخم
وفي مؤتمر صحفي عقده صناع العمل بعد انتهاء العرض أوضح مدير دار الأسد للثقافة والفنون أندريه معلولي أن «تاج العروس» عمل إنتاجي ضخم احتضنته دار الأوبرا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، منوهاً بأن عملاً كهذا وراءه مجموعة كبيرة من الجنود المجهولين الذين عملوا به من كتابة وموسيقا وديكور وإضاءة وصولاً إلى الإخراج والممثلين والراقصين.
وقال: «نحن في دار الأسد نرحب دائماً بمثل هذه الأعمال، وهذا العمل سوري بامتياز يجسد ثقافتنا، وهدفه الأساسي أن يكون منارة للعالم تعبر عن شخصية المواطن السوري وعن ثقافة سورية العريقة المتجذرة عبر التاريخ».
وأضاف: «إنتاج مثل هذه الأعمال ضخم جداً ودار الأسد للثقافة والفنون تتبناها دائماً لكنها لا تستطيع القيام بها بشكل منفرد لذلك هناك جهات تتعاون معنا في إنتاجها، والعمل التشاركي بصيغة الجماعة هو عمل أكثر تأثيراً وديمومة، وهذا العرض كان ثمرة تعاون بين الشركة المنتجة ودار الأسد».
وأكد أن المسرح السوري اليوم حاضر وموجود ومتابع من شريحة كبيرة عن طريق مديرية المسارح في وزارة الثقافة التي تغطي المحافظات السورية كافة بأعمال مسرحية.
عمل إنساني
وبين مخرج العرض أحمد زهير أن تاج العروس يتحدث عن مرحلة من مراحل الأندلس ويصور قصة حب بين شاب وفتاة، كما يتضمن عالم الغجر والإسبان والعرب وكيف تم تهجيرهم في تلك المرحلة.
وأوضح أن «تاج العروس» عمل إنساني موجه إلى جيل الشباب ويتحدث عنهم أيضاً ويدعوهم إلى التفاؤل بالحياة، مبيناً أن الجمع بين الإسبان والعرب والغجر كان صعباً جداً وأخذ وقتاً طويلاً.
وكشف أن ما جذبه لإخراج هذا النص هو أنه يمسنا كسوريين وعرب وهو ملائم للعرض في أي دولة عربية، لافتاً إلى أنه أحب تقديمه في دمشق للمرة الأولى لأن بلدنا تستحق مثل هذه الأعمال.
وفيما يتعلق بسبب اختيار الفنان جوان خضر في دور البطولة، قال: «جوان فنان وراقص مهم جداً وهو يجسد دور ألفونسو الشخصية الرئيسة في العمل، وهذه الشخصية بالذات كان من الصعب أن يؤديها ممثل أو راقص فقط بل كان من الضروري توافر هذين الجانبين في شخص واحد وهذا ما يميز الفنان جوان الذي لعب الدور بأسلوب رائع».
وأكد أن المسرح السوري الراقص من أهم المسارح في الشرق الأوسط ونحن متميزون فيه، صحيح أنه غاب لفترة لكنه موجود وله جمهوره.
صيغة جديدة
وقال الفنان جوان خضر: «قبل دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية بقسم التمثيل كنت راقصاً واحترفت الرقص لست سنوات، وأي شخص يجرب هذا الشكل من الفن لا يستطع الابتعاد عنه ويبقى بانتظار مشروع ضخم يقدره ويحترم أدواته ويقدمه بطريقة جديدة، وهذا الشكل من العروض ضمن هذا الإنتاج الضخم سيعرّف الجمهور علي بصيغة جديدة لم يسبق أن رآني فيها سابقاً وهي كانت البذرة الأساسية لأكون اليوم هنا في هذا المكان».
وعن الصعوبات التي واجهته في العودة إلى الرقص بعد انقطاع، أوضح: «لم أرقص منذ نحو سبعة عشر عاماً وعندما حدثني الأستاذ أحمد للمرة الأولى عن الدور قررت أن أجسد الشخصية بالتمثيل فقط، لكن بعد أن بدأنا بالتحضيرات رأيت أنه لا يمكن ذلك لأن هذا النوع من المسرح بحاجة إلى لغة جسد خاصة، ولأن جسدي لباني إلى حد بعيد خضت هذه المغامرة».
وأكد أن الراقص ثلاثة أرباع ممثل لأن طالب المعهد العالي للفنون المسرحية بقسم التمثيل في السنة الأولى يعمل على المشهد في بدايته وذروته ونهايته من دون استخدام الكلام ويعبر فقط من خلال مشاعره وحركاته كذلك هو الراقص مطالب بتوصيل رسالته من غير الكلام.
مصممة ومدروسة
وأوضحت الكريوغراف رنيم ملط أن اختيار الراقصين يتم على أساس خبراتهم وقدراتهم وكيفية تناسبها مع موضوع العرض، وأدوارهم تكون مرسومة برأس المصمم الذي يضبط إيقاعاتهم وحركاتهم في كل نوع من الموسيقا. وبينت أنه عندما تكون اللوحات مصممة لا ينبغي على الراقص الارتجال، والراقصون المحترفون إذا وقعوا بخطأ ما من المفترض أن يرتجلوا بطريقة تلائم الحركات المصممة للوحة، منوهة بأن كل لوحات هذا العرض كانت مصممة ومدروسة بدقة ومختارة لتناسب موضوع العرض.
وقالت: «هذا العرض جديد ومختلف عن العروض القديمة من حيث الديكور والأزياء والإضاءة والكادر الموجود، كما أن المخرج اختار كل شخص بدقة وعناية كبيرة، والمسرح السوري متعطش لرؤية هذا التجدد ونحن لا نريد إعادة القديم لأننا أولاد اليوم ونريد تسليط الضوء على قدرات راقصينا الأكاديميين والمحترفين».
اللحظة الضوئية
كما أوضح مصمم الإضاءة ماهر هربش أن ابتكار اللحظة الضوئية بعيد عن المسرح الراقص لأن وظيفة الإضاءة هنا جمالية أكثر مما هي درامية والإبهار في المسرح الراقص يجب أن يتحقق عبر تشكيل هارموني بين الديكور والأزياء والجسد وهذا ما يجعل مصمم الإضاءة لا يبتكر هذه اللحظة بل يعتمد على عناصر أخرى من أجل الحصول على هذا الجمال.
خبرة وزخم
وقال الراقص معتصم عمايري: «الأعمال المسرحية مهمة لأي راقص لأنها تعطيه خبرة وزخماً للأدوار التي من الممكن أن يعمل بها في المستقبل، ومن وجهة نظري إن مثل هذه الأعمال تحتمل أكثر من عرض واحد في السنة على الرغم من الجهد الكبير الذي تحتاجه لأن ذلك سيطور مهاراتنا بشكل أكبر».