ربما يكون السفير الإسرائيلي سابقاً في الولايات المتحدة في مرحلتين، الأولى 1991 -1993 والثانية 1998– 2000، زالمان شوفال، أكثر من يعرف عن الدور الإسرائيلي الوظيفي في المنطقة والحاجة الأميركية له والحرص على تعزيز قدرته وخاصة لأنه عمل مع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ديفيد بن غوريون في عام 1964 حين كان عمره 34 سنة ثم مع رئيسي الحكومة الإسرائيلية الأسبقين مناحيم بيغين وشمعون بيريس، وفي تحليل نشره في صحيفة «معاريف» في 26 أيلول الجاري تحت عنوان: «الجيش يواجه امتحاناً فلا تحولوه إلى كرة في لعبة سياسية»، يحذر شوفال فيه من أي عوامل ضعف يتعرض لها جيش الاحتلال من داخله حين تسمح الأحزاب السياسية الإسرائيلية لنفسها باستقطابه في أثناء الأزمات الداخلية لاتباع مواقفها ضد الحكومة أو ضد أحزاب أخرى فتوظفه لما يريده هذا الحزب أو ذاك»، ويعد هذا السلوك من أكبر الأخطار على مستقبل الدور الوظيفي الذي أعدته له القوى الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة. ويوضح أن هذه القوى الغربية يهمها أن يبقى «الجيش متماسكا موحدا» وبهذا الشكل يحافظ على الأهداف والمصالح المشتركة التي تحددت بينه وبين إسرائيل. يعترف شوفال في تحليله بأن «الولايات المتحدة تعد إسرائيل أهم حليف سياسي وإستراتيجي لها ولذلك يهمها أن تكون ذات قدرة عسكرية قوية وموحدة من الداخل وترى بذلك العامل المركزي وسيلة أساسية في تشكيل الشرق الأوسط، وفي تنافسها مع روسيا والصين، ولهذا السبب يصبح كل ضعف بمكانة وقوة إسرائيل عاملاً يقلل من قيمتها الإستراتيجية في نظر الولايات المتحدة ويضعف دورها مع الشركاء في اتفاقيات السلام».
لكن السؤال الذي يمكن طرحه على خلفية هذا الوصف للعلاقة الإستراتيجية والوظيفية وأهمية إسرائيل فيها عند الولايات المتحدة هو: هل تمكنت القوة الكبرى الأميركية من تحقيق مهمتها هذه مع الكيان الإسرائيلي طوال العقود الماضية؟ وهل نجحت في إنقاذ الكيان من هزائم تكبدها أمام أعين أميركا وعجزها؟
لا أحد يشك في أن واشنطن أنقذت الكيان من هزيمة حاسمة في حرب تشرين الأول 1973 عن طريق استدراج مصر لاتفاق وقف نار تلته مفاوضات مصرية –أميركية جعلت سورية وحدها في ساحة حرب تشرين، لكن النتائج الإجمالية لحرب تشرين خلفت بموجب اعترافات معظم قادة الجيش والحكومة الإسرائيلية عوامل ضعف معنوية وعسكرية رافقت هذا الجيش حتى عام الاجتياح الإسرائيلي بعد تسع سنوات على لبنان حين وجد نفسه يشتبك بشكل دموي قاس مع قوة جيش نظامي هو الجيش العربي السوري ومع منظمات مقاومة فدائية مسلحة لبنانية وفلسطينية جعلته يدفع ثمناً قاسياً رغم وصوله إلى بيروت وارتكابه مذبحة للفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا، والكل يعرف أن القوى الامبريالية الكبرى الأميركية والفرنسية والبريطانية والإيطالية نشرت قوات حربية لها في بيروت عام 1983 لدعم احتلال إسرائيل للبنان، وفي النهاية تكبدت هذه القوى ومعها جيش الاحتلال، هزائم ميدانية متتالية أجبرتها على الانسحاب دون قيد أو شرط، وتحررت أراضي لبنان بفضل قوة محور المقاومة عام 2000. وحمل جيش الاحتلال هزيمته إلى الداخل فازداد ضعفاً وانقساماً وفاقمت من آثاره هزيمة حرب تموز 2006 التي تكبدها على يد المقاومة اللبنانية وحلفائها في محور المقاومة، وبقيت أزمة الكيان الداخلية تتفاقم أكثر فأكثر وولدت اليأس عند جيل كامل من الإسرائيليين بعد أن تمكنت سورية وحلفاؤها في محور المقاومة من الانتصار على أكبر وأطول حرب تشنها عليها كل القوى المعادية، وفي مقدمها الكيان الإسرائيلي وواشنطن في عام 2011 وهذا ما اعترف به قادة في جيش الاحتلال وحكومته في أكثر من مناسبة، وإضافة إلى ذلك ما زالت الشكوى من ضعف القوة العسكرية الإسرائيلية تزداد على مستوى القوة البشرية وعلى مستوى إرادة القتال وهذا ما عبر عنه رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هاليفي حين قال في ندوة في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب قبل أيام بموجب ما ذكره شوفال، «إن الدولة أصبحت ملزمة بتجنيد جميع أفرادها من أجل حماية أمنها واستمرار بقائها وهذا ما يجعلني أدعو الجميع إلى الالتزام بالتجنيد الإلزامي ودون استثناء»، وكان يرد بذلك على تزايد الدعوات التي طالبت في الأشهر والأسابيع الماضية الشبان بالامتناع عن الخدمة الإلزامية وكان آخرها الدعوة التي أعلنها مدير «المعهد الرياضي العبري» في مدينة هيرتسيليا أمام حشد من الشبان للامتناع عن الخدمة، وهذا الشكل الحاد للأزمة الداخلية رافقه اعتراض نسبة كثيرة من الشبان على إعفاء طلاب المعاهد اليهودية الدينية السلفية من الخدمة بحجة أن التزامهم بعهد «رب إسرائيل» يمنعهم وتبلغ نسبتهم 10 بالمئة من القوة البشرية للشباب.
لا شك أن هذا الواقع الموضوعي الضعيف للكيان لا يمكن أن يجعله قادراً على استمرار المواجهة ولا على تحقيق أهدافه، ومع الهزائم التي تكبدها وعجزت واشنطن عن إنقاذه منها فهو ما زال قابلاً لهزائم أخرى مهما حاول تغطية عوامل ضعفه بالقوة الأميركية ونفوذها في المنطقة.