ساهم في إرساء تقنيات الخزف والانفتاح … رأفت الساعاتي.. أعماله كوّنت نوعاً من التحول في مسار الفن الخزفي السوري المعاصر
| وائل العدس
يعد أحد الفنانين القلائل الذين اكتشفوا منذ أكثر من أربعة عقود أسرار وجماليات التعامل مع القطع الفنية الخزفية باعتبارها صياغة تشكيلية بحد ذاتها.
إنه الخزاف السوري القدير رأفت الساعاتي الذي نعته وزارة الثقافة عن عمر 83 عاماً، وهو الفنان الذي استطاع خلال مسيرته الفنية الطويلة أن يبني عوالمه الفنية، ويحقق رغباته وأحلامه، مستخدماً الخامات والألوان النارية التي تتفق في مدلولاتها الجمالية مع اتجاهات الفنانين المحدثين، قدر ما تتفق مع انضباطية الحركة في التشكيل العقلاني، وضمن صياغة لها ملامسها وجمالياتها الخاصة.
إرساء التقنيات
ولد الراحل في حمص عام 1940، وهو خريج كلية الآداب «الأدب الإنكليزي» تخصص في مركز وليد عزت للفنون التطبيقية بدمشق، اتبع دورة بالخزف في ألمانيا بطريقة الدولاب، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، وشارك بالمعارض السنوية الجماعية التي تقيمها وزارة الثقافة السورية.
من خلال مشاركاته الدائمة في المعرض السنوي العام يساهم الفنان رأفت الساعاتي في إرساء تقنيات الخزف والانفتاح على خطوات التجديد والتأصيل المرتبط بالتقاليد التراثية لهذا الفن العريق، رغم أن كبار فناني القرن العشرين وفي طليعتهم بابلو بيكاسو قد أعادوا الاعتبار إلى فن الخزف وأطلقوا الآراء المتعلقة بسبل تطويره والارتقاء به وبطريقة تتلاءم مع تطلعات اللوحة والمنحوتة الحديثة والمعاصرة.
وهو في مجمل أعماله السابقة والجديدة يعتمد على منهج تقديم عمل فني لا عمل خزفي للاستعمال، ولقد استطاع بعد خبرة عمر أن يكتشف أسرار التعامل مع عجينات السيراميك الطيَّعة واللينة.
حرفية عالية
في أعمال رأفت ساعاتي الخزفية رسائل مرسومة، كوّنت نوعاً من التحوّل في مسار الفن الخزفي السوري المعاصر، رغم كثرة التماثل والتشابه والتكرار في الأشكال، ولأنها استعارات فنية بدأت تعطي خطابات تشكيلية ثابتة في الفكر المعاصر، بحيث يلتقي التشكيل والخزف تكوينياً في خامته لاعباً في الوقت نفسه على التضاد فيما بينهما.
واستطاع أن يرتب مفرداته بحرفية عالية، وقدرته على التراتب جعلته أن ينساق نحو مفردات قديمة تراثية، ويستقدمها للعمل الفني ينمي تشكيل اللغة الحديثة وفق منظار القيم الفنية ويستقدم مفردات متعددة لفنون حضارة بلاد الرافدين أو حتى الحضارات القديمة الأخرى.
وهو حين يتجاوز تقاليد الصناعة الخزفية الصالونية فإنه يؤكد قدرة في بحثه التقني، ويكشف عن خطوات جديدة في الفضاء الفني التشكيلي الفراغي، هذا الفضاء الذي يجعل من رأفت واحداً من القلائل الذين استطاعوا الإحساس بروح خزفيات العصور القديمة التي تتابعت في مجمل الفنون الشرقية وساهمت في الحفاظ على البقية الباقية من الملامح الشخصية المميزة للفنون المحلية والعربية عموماً.
واللافت في خزفياته أنها تحمل صوغاً لونياً هادئاً، رغم حضور حركة الكتلة أحياناً بزخم تعبيري بارز، الشيء الذي يدخل الانفعال والحياة إلى عمله الفني وبطريقة بعيدة عن أي تقليد أو التزام بمنهج خزفي كلاسيكي.
الشكل الخزفي
اللون في أعماله متعدد الدرجات، يجيد استخدامه وتوزيعه في أرجاء أعماله، فهو تارة ما يستعمل درجات الأصفر والأزرق، تاركاً بينها ضربات لونية بدرجة لون خامة الطين، وأحياناً أخرى نجدها على شكل تسييل لوني، تتفاوت سماكتها وتتنوع وتتناثر معها الألوان، فنجده أحياناً على هيئة ضربات فرشاة، وتارة على هيئة بقع لونية مختلفة متعددة السماكة.
معالجة أعماله هي جزء من لغة الشكل الخزفي، واستقدام المفردة كموضوع هو أسلوب جديد يجعل من المتلقي يقترب ويتذوق القيم التي جاء بها الفن التشكيلي السوري المعاصر ومن خلاله كوّن صفات لها القدرة على التعبير وجعلت فن الخزف جميلاً خفيفاً على الرغم من صلابة أفكاره.