ثقافة وفن

كن قادراً على كره الأصدقاء!

| إسماعيل مروة

«إنه لا ينبغي على الإنسان العارف أن يحب أعداءه فحسب، بل عليه كذلك أن يكون قادراً على كره أصدقائه».

عبارة ذات دلالة للفيلسوف الإشكالي فريدريك نيتشه، صاحب الآراء التي اصطدمت مع الكنيسة والمجتمع، ولو عدنا إلى هؤلاء الملهمين فيما قالوه، فإننا لا شك سنجد علاجاً لكثير من أمراضنا المجتمعية بعيداً عن النص المقدس، وفي كل حال لن نجد تعارضاً بين ما يقوله هذا الفيلسوف وأتباع مدرسته وبين النص المقدس، لكن النص المقدس الذي عهدناه، هناك طبقة من العلماء ورجال الدين الذين يقومون بالتفسير، وربما ليّ عنق النص المقدس للوصول إلى معادلة تناسبهم، وتتماشى مع المؤسسة الكنهوتية التي ينتمون إليها، وربما يذهب القارئ مذهباً أبعد بكثير عندما يقرأ المعاهدات المكتوبة والشفهية، الموثقة والمتعارف عليها بين المؤسستين الدينية والسياسية، والتي تجعل النص المقدس في كثير من الأحيان لا يخضع لخدمة الإنسان وحياته، وقد جاء من أجل ذلك بل يقوم بخدمة المؤسسة السياسية، ولو كان ذلك على حساب النص المقدس وغاياته! فالمسيح عليه السلام طلب منا أن نحب أعداءنا ولا عنينا، وأن ندير الخد لمن يصفعنا من باب التسامح، وفي كل يوم تتحدث ويتحدث علماء الدين عن الموضوع دون أن نستفيد من الغايات في حب الكارهين، والرسوم صلى الله عليه وسلم أمرنا بالابتعاد عن العصبية في «انصر أخاك» وأمرنا أن نحب محبوبنا هوناً ما، وأن نكره عدونا هوناً ما، ولكننا نردد القول ونطري لما قاله الرسول دون أن نمتثل وتقتلنا العشائرية والمناطقية والطائفية والمذهبية، ونفضل الانتماء مع الجهل على العلم والاستحقاق، والأنكى أننا ندافع دوماً عن ذواتنا وآرائنا الخاطئة مستعينين بالنص المقدس، وأصبح النص الذي نحترمه ميداناً للهوى والميل، وربما قرأناه بطريقة تجعلنا مقدسين نيتشه الإنسان الفيسلوف قال وبمنتهى الوضوح بأنه كما يجب علينا أن نحب أعداءنا وكارهينا، يجب أن نملك القدرة على كره أصدقائنا، وذلك بعيداً عن الانتماء من أي نوع كان، والغاية التي يريدها الفيلسوف غاية نبيلة هي الحب، فحب الأعداء قد يجعلهم أحباباً، وقد يعطي فرصة للتفسير والفهم الذي لم يكن كما يجب، فقد يكون من نظنه خصماً، أو ألد الخصوم من أهم الأحباب، والفرع الثاني من المعادلة هم الأصدقاء ظاهراً.

والذين نثق بهم وبصداقتهم، هؤلاء برأي نيتشه علينا أن نملك القدرة على كرههم، والكره هنا ليس عدوانية، وإنما تقويمهم بالطريقة الصحيحة، وألا نركن إلى صداقتهم، فقد لا تكون هذه الصداقة صادقة، وقد لا يكون الانتماء كافياً، وهذا القول ينسجم مع القول العربي الحكيم «حاذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة، فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة» ليس المطلوب عدوانية، وإنما المطلوب الحذر وتوابعه، نحن نظنه صديقاً قد يسهم في دمارنا لجهله وعدم جدارته، وقد يكون نقطة الضعف في حياة الواحد منا، والصديق بمعناه الواسع في الانتماء، وفي العلاقة المتشكلة فهل يمكن أن يحب الحكيم صديقاً وهو على يقين بأذيته، وهل يضحي الإنسان بقيمته وجهده وهويته من أجل الهوى بالصديق والمنتمي إليه؟

علاقة إشكالية في قضية الهوى يقع الإنسان تحت وطأتها وهو يمارس دوره في الحياة، وقد تكون الأثمان أغلى مما يتوقع واحدنا بكثير في الحياة وإشكالاتها، إن أحبّ صديقه بشكل أعمى، ولم يكن متقبلاً ما أراده نيتشه وقال من الاستعداد لحب الخصم وكره الصديق أو من يظن أنه صديق له، وكل ذلك يتم إلباسه صيغة الفضل والفضيلة، فينعت واحدهم بالفضل، وكأن الفضل وحده يستطيع أن يكون مقياساً لحياة طويلة، ولتجارب الحياة، فهل المطلوب أن نكون في مرتبة الصالحين والقديسين؟ وهل المطلوب أن نكون مكتملين؟.

كم من الأحكام الجائرة التي سمعنا، وما نزال نسمعها وهي نابعة عن الهوى والميل؟ وكم من أحكام جائرة نسمعها هنا وهناك لتقسم الحياة إلى أشرار وقديسين؟ مع أن الانتقال إلى مرحلة القداسة هي نهاية رحلة الحياة!

«أفضّل أن أكون مهرجاً على أن أكون قديساً» كذلك قال نيتشه وهو على دراية بأن التقديس يزيل كل ما يمكن أن يصدر في الحياة من أحكام.

متى ننتقل إلى مرحلة متقدمة في صوابية الأحكام تجاه العدو والصديق؟

أليس نيتشه على حق في أن يكون مهرجاً حقيقياً يسعد نفسه والناس من أن يكون قديساً مطوباً من الآخرين، وينطوي على ما لا تتحمله القداسة؟ أليس مؤلماً أن يعود الإنسان المبجل إلى ذاته فيرى نفسه دون المهرج بدرجات؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن