ثقافة وفن

استعراض لمخططات الدول الاستعمارية في المنطقة العربية … دور إسرائيل وحلفائها في ثورات الربيع العربي… سورية أنموذجاً

| عامر فؤاد عامر

«التاريخ مثل الطبيعة، نادراً ما يقفز، وعندما يفعل ذلك، فإنه عادة ما يقفز إلى الوراء»، هي مقولة للناقد والروائي والشاعر الأميركي «روبرت بن وارن» تؤكد حقيقة ما أصاب الدول التي أصيبت بداء الربيع العربي، الذي أطلقته الولايات المتحدة الأميركيّة، رغبة منها في تحقيق مشاريعها في المنطقة من خلاله، بعد أن عجزت عن تحقيقها بالطرق الأخرى والحقيقة أن إطلاق الشعارات البراقة والمزيفة ليس بجديد على صانعي السياسة الأميركيّة، فقد سبق للولايات المتحدة أن أطلقت الشعار المزيف على الثورة التي قامت في المجر للخروج من فلك الاتحاد السوفييتي سابقاً، كما أطلقت الولايات المتحدة «ربيع براغ» و«ربيع أوكرانيا» وعندما أُطلق هذا المصطلح على الفوضى التي أريد منها بعض أقطار الوطن العربي، فإنه أطلق لتحقيق فكرة أميركية صهيونيّة هي: «الشرق الأوسط الجديد» وهو مشروع قديم جديد، يهدف إلى تخليص المنطقة من إطار العروبة والقومية العربية…». هذا مما ورد في مقدمة كتاب «دور إسرائيل وحلفائها في ثورات الربيع العربي» الذي وضعه الكاتب «محمد الحوراني» ضمن سلسلة الدراسات، واختار سورية أنموذجاً فيها، والكتاب يعتمد على مجموعة من الوثائق التي جمعها المؤلف بصورة متسلسلة زمنيّاً لتشكل ربطاً يمهد بصورة منطقية لآليّة حدوث ما يسمى الربيع العربي، الذي لم يكن وليد المصادفة أو صدق الدافع، بل كان مخططاً له من الغرب وإسرائيل ومثقفين متطرفين عرب.
يضم المؤلف مجموعة من العناوين التي اعتمدها الكاتب لتوضيح الأفكار التي يرمي إليها فجاءت في سؤال أوّل: «هل بدأت مرحلة تفتيت الوطن العربي؟»، وعناوين أخرى منها عن إسرائيل ونشوة الربيع العربي ومعركة إنهاء الجيوش العربيّة والعلاقات الإسرائيلية السعوديّة، وتركيا والتحالف الصهيوني الداعشي، والعلاقات الصهيونيّة الخليجيّة في ظل الربيع العربي، والدور التركي القطري في زعزعة استقرار مصر، وغيرها من العناوين المهمّة جداً والتي تشرح حوادث قريبة جداً وتحللها بطريقة مبسطة مع شواهد ووثائق ومقارنات تفضي للنتيجة مباشرة.

هل بدأت مرحلة تفتيت الوطن العربي؟
من هذه الفقرة اقتطفنا: «… ولعل من أخطر المشروعات التفتيتيّة للوطن العربي المشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير «برنارد لويس»؛ ونشرته مجلة «إكسيكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت» التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركيّة في حزيران 2003، والتي اقترحت تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنيّة ومذهبيّة لحماية المصالح الأميركيّة وإسرائيل، ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربع، وسورية إلى أربع، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى ثمانية كانتونات، وتجزئة السعودية إلى دويلاتٍ عدّة… إلخ».

إسرائيل ونشوة الربيع العربي
المستشرق الصهيوني الضابط «موشيه العاد» المحاضر في أكاديميّة الجليل الغربي يقول في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» في 27-12 – 2012: «لقد حققت فاتورة الربيع العربي إنجازات إستراتيجيّة لدولة إسرائيل، إنجازاتٍ عجزت عن تحقيقها على مدار عقود… ، وإن سورية التي كانت على الدوام العدو الأشرس لإسرائيل منذ عقود تنزف اليوم وتتفكك وتفقد قوتها العسكريّة، وهذه الأمور كلها تجري من دون أن تتدخل الدولة العبريّة، حتى في إطلاق رصاصة واحدة…».

إسرائيل ومعركة إنهاك الجيوش العربيّة
في هذا الجزء من الكتاب يشير المؤلف لمجموعة من التصريحات التي أطلقتها شخصيّات صهيونيّة وأميركيّة في مناسباتٍ كثيرة، وكلّها تشير إلى تكريس الجهود دوليّاً للقضاء على أيّ قوة عسكريّة في الوطن العربي، وبطرق عديدة والبداية كانت في العراق عام 2003 وانكسار الجيش العراقي حينها، والإشارة إلى العلاقة الواضحة في التحالف مع المتطرفين الإسلاميين ودعمهم للصدام مع القوى العسكريّة تبعاً لكلّ دولة وأهميّته. وقد ذكر في هذا الجزء كلاماً ختم به مع الأستاذ «محمد حسنين هيكل» عن إنجازات الجيش العربي السوري على الرغم من كلّ الضغوطات والحصار الكبير الذي أنهك قواه وبقي ثابتاً ليضع طريق رؤية مستقبل التطورات: «إن الجيش العربي السوري جيش عقائدي عظيم، كثيرون راهنوا على تفككه ثم سقوط الدولة، لكن على الرغم من قساوة معركته المفتوحة التي تستنزفه بمواجهة المجموعات المسلحة، التي تصب في مصلحة المستفيد الأكبر «إسرائيل» إلا أنه يحقق الانتصارات الكبيرة بصمود أذهل العالم».

العلاقات الإسرائيليّة السعودية
الاتفاق على تدمير سورية
يستعرض «محمد الحوراني» هنا المزيد من الحقائق التاريخيّة الموثقة التي تدل على علاقات ضاربة في العمق بين إسرائيل والسعودية فكانت بداياتها منذ حكم آل سعود وانتشارهم في شبه الجزيرة، ومن المعلومات اللافتة للانتباه التي أشار إليها أيضاً، كتاب «العلاقات السريّة الأميركيّة الإسرائيليّة» الذي ألّفه كاتبان أميركيان هما «ليزي» و«أندرو كوبورن» حيث يذكران فيه أن العلاقات السعودية الإسرائيليّة تمتد حتى ما قبل قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينيّة، ويستعرضان المزيد من اللقاءات والصفقات والوثائق السريّة والعلنيّة في هذه العلاقات، والتي تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة أمن إسرائيل.

تركيا والتحالف الصهيوني الداعشي
تحت هذا العنوان جاء الكثير من التفاصيل التي تبين تاريخ تطور العلاقة بيت تركيا وإسرائيل قديماً وحديثاً، وقد ذكر «محمد حوراني» مؤلف الكتاب بعض المشاريع العسكرية الكبرى الموقعة بين الطرفين التركي والصهيوني، والتي تبين للقارئ زيف العداء بين هذين الجانبين:
تحديث أسطول طائرات الفانتوم أف – ( f-4) وطائرات أف – ( f-5) بكلفة 900 مليون دولار.
تحديث 170 دبابة من طراز M60AI بكلفة 500 مليون دولار.
مشروع صواريخ POPEY-1 وPOPEY11 للدفاع الجوي بكلفة 150 مليون دولار.
مشروع صواريخ دليلة الجوالة «كروز» التي يبلغ مداها 400 كلم.
الموافقة على بيع تركيا صواريخ «أرو» الحديثة جداً، والمخصصة للدفاع ضدّ الصواريخ.
اتفاق للتعاون في مجال تدريب الطيارين، إذ يجري التبادل ثماني مرات في السنة.
مشاركة البحرية الإسرائيلية في مناورات عدّة وتمارين بحريّة تنظمها تركيا، وتشارك فيها البحرية الأميركية أيضاً.
كان آخر اتفاق وقّّع بين الطرفين في أثناء زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي «إيهود باراك» الأخيرة في كانون الثاني 2010 وحاولت تركيا نفي الأخبار إلا أن الصحافة الإسرائيليّة أكدت التوقيع.
وفي هذا الجزء من الكتاب يتمّ وصف ضرورة رعاية تركيا للحركات الإسلامية المتطرفة في المنطقة ككل وصولاً لداعش من حيث موقعها الجغرافي وعلاقتها مع إسرائيل وضرورة تقويض إيران وخدمة المصالح الأميركيّة في المنطقة.
العلاقات الخليجيّة الصهيونيّة
في ظل الربيع العربي

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركيّة في 1 نيسان 2014 بما معناه أن تلاقي المصالح يؤدي لتعاون أكبر بين إسرائيل ودول الخليج، إذعاناً لفكرة التعاون الأمني بينهما، ولا سيّما بعد القلق من البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من أن السعودية ودول الخليج تعدّ إسرائيل منذ وقت طويل أكبر عدو في العالم العربي.

الدور التركي القطري في زعزعة استقرار مصر
اقتطفنا من هذا الجزء ما يلي: «… بدأت أجهزة الأمن المصريّة مراجعة شاملة لأسماء المستوردين المصريين جميعهم المتعاملين مع تركيا؛ وبيان مدى انتمائهم إلى تنظيم الإخوان؛ وتحذيرهم من أي محاولة لتهريب أسلحة ومتفجرات أو تعليمات سريّة من خلال الرسائل والشحنات التجارية القادمة من تركيا؛ وتقديم بيان بأسماء التجار الأتراك المتعاملين معهم، وفي الوقت نفسه كشف المركز أن قوات الجيش الثاني تمكنت خلال عمليات مداهمة لبؤر الإرهاب في سيناء؛ من ضبط مخزن يحتوي كميات كبيرة من أجهزة اللاسلكي من نوع «المخشير» وهو إسرائيلي الصنع؛ وينتشر في قطاع غزة، وتستخدمه قيادات حماس وكتائب القسام، وتم نقل كميات كبيرة منه خلال الأنفاق إلى تنظيمات إرهابيّة». وفي هذا الجزء من الكتاب المزيد من الأمثلة التي يُستعرض فيها تاريخ تطور العلاقة بين تركيا وحركة الإخوان المسلمين في مصر وفشل «مرسي» في اعتلاء منصة الحكم في مصر، والإخفاقات الإخوانيّة في مصر أمام إرادة الشعب والجيش المصري.

هل دخل العراق مرحلة التقسيم العرقي والطائفي؟
مما جاء في هذا الجزء من الفقرة أيضاً: «.. والحقيقة أن خطط تقسيم العراق منذ اقتراح «جو بايدن» تحويل العراق إلى فيدراليّة؛ وخلق مناطق الحكم الذاتي في عام 2006 م، تتحول اليوم إلى دعوات حل كامل للدولة، وإنشاء قوى مستقلة تماماً. وهذه الخطط لن تؤدي إلى الاستقرار في العراق، بل ستوفر ملاذاً لداعش وغيرها من المنظمات المتطرفة، يمكنها من خلال إخضاع السكان المحليين؛ والتخطيط للمزيد، بهدف السيطرة على معظم العراق، وتوسيع أراضيها في دول المشرق العربي المحيطة، كبداية لتحقيق «الخلافة الإسلاميّة» العابرة للحدود الوطنيّة».

النفط كواحد من أهم أسباب العدوان على ليبيا
في خلاصة وضعها الكاتب حول ذلك العنوان: «إن المرحلة المقبلة في ليبيا ستنتج صراعاً بين الغزاة والطامعين بخيراتها، لن ينتهي إلا بالسيطرة المطلقة على نفط وثروات هذا البلد الغني بثرواته، وحينها؛ يدرك بعض الأشقاء الليبيين ممن فرحوا بالتدخل العسكري في بلدهم؛ أن ذلك لم يكن لاستعادة حقوقهم وكرامتهم المسلوبة كما زعم الغرب، ولا لتحقيق حالةٍ من الديمقراطيّة والحريّة المزعومة، ولكنه كان لتحقيق الرفاهيّة الاقتصادية والمعيشيّة للمواطن الأميركي خصوصاً، والأوروبي عموماً، على حساب الشعب العربي الليبي!!.
يذكر أن الكتاب من منشورات اتحاد الكتّاب العرب – سلسلة الدراسات «6» الصادر في العام 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن