قضايا وآراء

الإرهاب في «قبان» أردوغان

| منذر عيد

رغم محاولتها ارتداء ثوب الحمل، إلا أن الإدارة التركية من رأس الهرم الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أدناها في مستوى القرار، لم تفلح في الخروج من ثوب المستعمر أو خلع «طربوش» السفاح جمال باشا، وعليه لا تترك تلك الإدارة مناسبة أو حدثاً إلا وتحاول الاستثمار به في سبيل تحقيق هدفها الاستعماري التوسعي على حساب وحدة وسيادة سورية، على الرغم من ادعاء مسؤولي الإدارة التركية في كل اجتماع بشأن الأزمة السورية حرصها على ما تسعى لانتهاكه يومياً.

الغريب والمضحك في سياسة الإدارة التركية تلك، عملها الدؤوب على قولبة الأمور، وقلبها للمفاهيم ومسميات الأشياء وفق مصالحها، فتارة تتحدث عن إصرارها على محاربة الإرهاب، وأنه بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، عندما يداهمها الخطر من عدو أو خصم لها، وهي التي تدعم قاعدة الإرهاب في سورية، وتتعامل بشكل مباشر مع عتاة الإرهابيين؛ لتعكس طبيعة تعاملها مع الإرهاب بمكيالين وبذات «القبان»، وهذا ما ظهر بشكل واضح في تصريحات أردوغان يوم الأحد الماضي عقب التفجير الذي وقع أمام مقرّ وزارة الداخلية، وعلى بُعدِ أمتارٍ من مقرّ البرلمان في العاصمة أنقرة، بقوله: «إن العملية الإرهابية تمثل الأنفاس الأخيرة للإرهاب»؛ وهو بالطبع لا يقصد بالإرهاب تنظيم «جبهة النصرة» الحليف القوي له ووكيله في الأراضي المحتلة من محافظة إدلب.

أردوغان الذي يجيد استثمار الفرص السياسية؛ و«يعرف من أين تؤكل الكتف» لم يترك «مناسبة التفجير» أن تمر مرور الكرام؛ بل سارع إلى امتطاء «الفرصة اللحظة» لإحياء مشروعه العدواني ضد سورية بحجة محاربة الإرهاب وحماية حدود بلاده الجنوبية بأكملها بشريط أمني بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وقال: «سنواصل نضالنا في الداخل والخارج حتى القضاء على آخر إرهابي، إن إستراتيجيتنا المتمثلة في حماية حدودنا الجنوبية بأكملها بشريط أمني بعمق 30 كيلومتراً، على الأقل، وإبقاء ما يجري خارج ذلك تحت السيطرة المطلقة، لا تزال قائمة».

تصريحات أردوغان تعكس العقلية الجمعية المراوغة في جميع مفاصل إدارته، وهي إكمال لذات الخطا في مشروع التوسع التركي؛ وحلقة في سلسلة من التصريحات والمواقف الرافضة لإنهاء الأزمة السورية، والذي يشكل انسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية وتوقف أنقرة عن دعم الإرهاب أحد أهم مفاتيح الحل الذي ترفض تقديمه، الأمر الذي جدد تأكيده وزير الدفاع يشار غولر قبل يومين بأن بلاده ترفض الحديث عن انسحابها العسكري من شمال سورية؛ لكنها «مستعدة لاستئناف محادثات تطبيع العلاقات مع دمشق»!

يصر أردوغان ومن خلال تصريحاته وأفعاله على الأرض على قراءة الأمور من منظور واحد، وهو مصلحته الشخصية، ويعمل دائماً على نكران المصالح المشتركة، والتي تشكل الحالة الأمنية بين سورية وتركيا أحد جوانبها، حيث إن الأمن مصلحة مشتركة للبلدين من الصعب استتبابه إلا بالعمل المشترك، وقد تكون صيغة «أضنة» عام 1998 الحل الأنسب لذلك من وجهة النظر الروسية، الأمر الذي كشف عنه في بداية الشهر المنصرم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقاء مع أساتذة وطلاب معهد موسكو للعلاقات الدولية، وأن بلاده اقترحت العودة لتطبيق اتفاقية أضنة بين تركيا وسورية، في إطار المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، وبما يسمح بدخول القوات التركية الأراضي السورية بهدف التصدي للإرهاب بالاتفاق مع الحكومة السورية».

ما أعلن عنه أردوغان من نية لشن عدوان على الأراضي السورية؛ يأتي بعد سلسلة تصريحات إيرانية وروسية عن مقترحات وخريطة تطبيع بين دمشق وأنقرة باتت في مراحلها النهائية، الأمر يعد بمنزلة رسالة جوابية من أردوغان على مقترحات طهران وموسكو بأن لا انسحاب للاحتلال التركي؛ وتصريح شبه علني بأن دعواته السابقة للتقارب مع دمشق ليست إلا بنداً من ضمن بنود حملته الانتخابية الرئاسية، لا يصلح الحديث عنه حالياً.

أولى بوادر استثمار أردوغان في التفجير ظهر سريعا وفي الداخل التركي، إذ عمل على شن عملية أمنية واسعة يوم أمس، وهي ما سماها وزير الداخلية علي يرليكايا، عملية لمكافحة الإرهاب في مختلف مناطق البلاد، من دون أن يحدد مفهوم الإرهاب الذي تستهدفه العملية، الأمر الذي يتيح لإدارة أردوغان الانتقام من خصومه في الداخل، فكانت ثمارها الأولية اعتقال العشرات في مرسين وفان وسانليورفا وماردين وأيدين.

وإذا أجاد أردوغان فنّ الرد على رسائل الغير، لكنه على ما يبدو لم يكن بذات المستوى أو النجاح في قراءة ما وصله منها، حيث إن العديد من التقارير الإعلامية تؤكد أن التفجير أمام مبنى الداخلية التركية ليس إلا رسالة أميركية بأن التقارب أكثر مع موسكو ليس خياراً متاحاً، وبأن العناد والمضي أكثر على طريق «موسكو – طهران – بكين» يضع موسم السياحة والوضع الاقتصادي التركي أمام امتحان جديد قد يصعب على أردوغان حل معضلاته هذه المرة، وربما هي رسالة مبطنة وتذكير ممن يهمه انضمام السويد إلى حلف الـ«ناتو» بأن البديل من ذلك إذا ما رفضت أنقرة هو التفجيرات في شوارعها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن