صورة حرب تشرين التحريرية في الدراما والسينما والمسرح … شكّلت هذه الحرب حدثاً تاريخياً يحتذى به في الصمود والتضحية
| وائل العدس
يحتفل الشعب العربي السوري بالذكرى الخمسين لحرب تشرين التحريرية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد، في الوقت الذي تثبت فيه سورية بعد أكثر من 12 عاماً على الحرب الإرهابية الظالمة، قدرتها على الصمود والانتصار في سبيل الحفاظ على سيادة الوطن وكرامة المواطن وصون تاريخه وحضارته بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.
لم تكن هذه الحرب حدثاً عادياً في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، بل شكّلت حدثاً تاريخياً يحتذى به في الصمود والتضحية.
حرب تشرين التحريرية تاريخ من جسد مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» ويوم من أعاد لكرامة الأمة العربية بريقها بصناعة نصر أحرزه أبطال الجيش العربي السوري على الكيان الصهيوني الغاشم بعقيدة ثابتة مفادها الشهادة أو النصر.
بطل درامي
حاول الفنانون السوريون قدر استطاعتهم وضمن الظروف تخليد عدد من قصص البطولة والإباء في هذه الحرب، ولكنها غير كافية، وكل بطل من أبطال الجيش العربي السوري يستحق أن يكون بطلاً سواء في المسرح أم التلفاز أو السينما، وأعتقد أن الوقت لم يفت بعد على ذلك.
بشكل عام ظهرت بعض الأعمال التي تناولت حرب تشرين، ولكنها للأسف أعمال شحيحة، وهو تقصير وإجحاف بحدث تاريخي غيّر في ضمير الأمة وفي خريطة الصراع العربي الصهيوني.
ألف حبل مشنقة
وأمام عظمة هذا الحدث التاريخي، لم تعط الدراما السورية بكل إمكانياتها ما يجب منحه لحرب قلبت الموازين، فاقتصرت الإنتاجات على أعمال قليلة، ونجحت في ترسيخ أفكارها عبر فيلم «عواء الذئب» بالأبيض والأسود الذي مازال شاهداً على حكاية واقعية تهتز لها الضمائر، وقد أنتج عام 1974.
حيث قدّم خالد حمدي الأيوبي نصاً جميلاً للمخرج الراحل شكيب غنام، ومن بطولة الراحل صلاح قصاص الذي قال فيه جملته الشهيرة: «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين يا خديجة».
ويتحدث هذا الفيلم عن «أبو عمر»، المهرب الذي يقتل شرطياً والهارب من العدالة والمحكوم بالإعدام، لكنه أثناء حرب تشرين يتمكن من الإمساك بطيار صهيوني سقطت طائرته بالقرب من مكان اختبائه عن أعين الشرطة بعد تعرضها لصاروخ من سلاح الطيران السوري، فيحاول إغراءه بالمال ليساعده على الهرب، لكنه يرفض ويذهب به إلى الشرطة ليسلمه ويسلم نفسه بآن واحد.
الفيلم مأخوذ من قصة واقعية حدثت في بلدة الزبداني في الريف الدمشقي، وقد نفذته دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون العربي السوري.
يجسد الفيلم شهامة الإنسان السوري وانتماءه العميق لوطنه وأرضه، راصداً قدرته على المواجهة وحبه للمقاومة حتى في أحلك الظروف.
وأصبحت الجملة التي نطق بها «أبو عمر» أيقونة درامية ما زالت تردد حتى الآن على ألسن الأجيال السورية بمختلف أعمارها لما لها من آثار دغدغت المشاعر الوطنية.
ويعرض الفيلم مقاطع صوتية من إذاعة دمشق تحمل أخباراً مدوية بتفوق الجيش السوري وتكبيد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة، مصاحباً ذلك مشاهد حية من أرض المعركة ومعشقاً بصوت فيروز وأغنيتها الشهيرة «خطّة قدمكن عالأرض هدارة» التي تثير الطيار الصهيوني مطالباً بتغيير التردد والاستماع إلى الإذاعة الإسرائيلية فيرد عليه أبو عمر ضاحكاً «إسرائيل ما بتطلع بهادا الراديو».
في السينما
هنالك فيلم «موت مدينة» و«القنيطرة حبيبتي»، بينما نجح فيلم «مهمة خاصة» في صياغة مشهدية أخاذة ورصد تضحيات الجنود السوريين في عملية تحرير مرصد جبل الشيخ إذ استطاع هذا الفيلم أن ينتزع شهادة تقدير لجنة التحكيم في مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية ليكون بمثابة توثيق فني لأبطال تشرين وتضحياتهم على خطوط النار مع العدو الإسرائيلي.
تمثيليات أخرى
وتتابعت التمثيليات مثل «العريس» أيضاً للمبدع صلاح قصاص وإخراج شكيب غنام، وترصد قيمة الشهادة العليا واعتبارها عرساً وطنياً تعكس روح التضحية للمواطن السوري واستعداده لتقديم أغلى ما يملك فداء للوطن.
أما تمثيلية «حكاية من تشرين» للمخرج هاني الروماني فاختلفت شكلاً ولكنها تشابهت مع سابقتها مضموناً، حيث وثقت قصصاً ميدانية من أرض المعركة في مزج مترابط بين مشاهد الدراما وواقعية الشريط الوثائقي.
وتميزت تمثيلية «الولادة الجديدة» للمخرج غسان باخوس بإبراز عمق العلاقات الاجتماعية بين السوريين ووقوفهم إلى جانب بعضهم بعضاً ونسيانهم لكل الخلافات؛ مع رصد معارك حقيقية ضارية بين الجيش العربي السوري وقوات الاحتلال؛ موثقاً بذلك لذاكرة بصرية لافتة في تعاطيها مع حرب تشرين؛ مصوراً تلك الروح الأصيلة للجندي السوري؛ والتي جسدها الفنان رشيد عساف أثناء أدائه لدور قائد كتيبة دبابات تتعرض لقصف الطيران الإسرائيلي ليحمل بعد ذلك رفيقه معيداً إياه إلى أهل قريته.
بعد وطني وقومي
قدّم المخرج الكبير نجدة إسماعيل أنزور مسلسل «رجال الحسم» عن بطولات الجيش العربي السوري في حرب تشرين من خلال حبكة جاسوسية يقوم عبرها ضابط سوري في متابعة شبكة للموساد في أوروبا.
وتدور أحداث المسلسل الرئيسية حول الشاب «فارس» ويتطرق بطريقة إنسانية إلى قضيته التي دفعته للانتقام لعائلته عبر القيام بعملية فدائية في الأرض المحتلة، ولكن الظروف تحول دون تحقيق ذلك… غير أن إصرار «فارس» على القيام بعمل ما يدفعه للسفر إلى دولة أوروبية والعمل في مطعم يرتاده أشخاص من المافيا الإسرائيلية بعد أن يغير اسمه.
كما يتخلل المسلسل عملية تجسس فيها سلسلة من الأحداث التي أسقط من خلالها الأقنعة عن حياة ضباط الموساد الذين اختبؤوا وراء ستار ولائهم لدولتهم.
ويكسر العمل حجر الجدار الذي اختُبئ وراءه جبروت رجال الموساد ليضعهم أمام عاصفة العدالة السماوية التي لابد أن تطبق في الأرض مهما رفض المعتدي.
ويحمل العمل بعداً وطنياً وقومياً وهو يتحدث عن معاناة يعيشها أبناء الشعب السوري في الجولان المحتل وانتشار ثقافة المقاومة ويصور جرائم الموساد.
في المسرح
أما عن المسرح، فكانت بدايته عن حرب تشرين بقلم كوليت خوري التي كتبت «أغلى جوهرة بالعالم»، ثم مسرحيتي «نقطة دم شهيد» التي مولتها المرحومة سامية المدرس المدرسة في مدرسة أبناء الشهداء في عام 1974، وكانت مسرحية أحمد قبلاوي «أول فواكي الشام يا فانتوم» قمة في الكوميديا حيث تفاعل معها الجمهور بشكل لا يمكن وصفه، وشارك بالعرض من حيث لا يدري، حتى كانت رائعة محمد الماغوط ودريد لحام «ضيعة تشرين» وبعدها جفت أقلام الكتاب وبدأ وهج المسرح يخفت شيئاً فشيئاً.
في الوثائقي
كان لقسم السينما في الجيش العربي السوري دور بارز في تصوير مشاهد سينمائية من حرب تشرين المجيدة.
وحقق السينمائيون في قسم السينما أفلاماً وثائقية تتميز بمحاولة تقديم أفكار ناضجة سينمائياً حيث تقدم فكرتها من دون خطابية مباشرة، ومنها «حول معارك تشرين» وهو أول فيلم وثائقي تنقله الكاميرا السينمائية من قلب المعركة، وفيلم «التحرير» وهو يلخص في ساعة ما حدث خلال حرب تشرين.
ومنها أيضاً فيلم «النازية الجديدة» الذي يقارن بين أعمال النازية خلال الحرب العالمية الثانية والعدوان الإسرائيلي في اعتدائه على الأرض العربية.
ويقارن فيلم «معرض تشرين الخاص» بين إنتاجنا من السلع التي تخدم الإنسان والإنتاج الإسرائيلي من أسلحة الفتك والدمار ويصل الفيلم إلى بيان طبيعة شعبنا المحبة للخير.
أما فيلم «أهلاً بكم في دمشق» فيؤكد أن أرض سورية مقبرة لمن يعتدي عليها، فأي طائرة أو دبابة تحاول الاعتداء على أبناء شعبنا وبلادنا ستكون نهايتها على أرضنا.
وفيلم «جولان جبل الشيخ» يسجل مشاهد حية من المعارك التي دارت في حرب تشرين وحرب الاستنزاف التي تلتها.
وتم تصوير مسرحية «عرس التحدي» سينمائياً، وهي لفرقة المسرح العسكري، ويؤكد الفيلم على قيم البطولة والفداء والشهادة في سبيل الوطن.
ويتحدث فيلم «تل الفرس» عن صمود المقاتلين السوريين، وعن روح الفداء العالية التي تمتعوا بها خلال المعارك، وقاتلوا حتى اللحظة الأخيرة.
الدراما المصرية
على المقلب الآخر، وفي الدراما المصرية، هنالك عدد من الأعمال التي جسدت حرب تشرين أيضاً، منها مسلسل «رأفت الهجان» المأخوذ من ملفات المخابرات المصرية، ويحكي سيرة الجاسوس المصري رفعت علي سليمان الجمال الذي تم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي وكان له دور فعال في الإعداد للحرب.
وأيضاً مسلسل «وادي فيران» وتدور أحداثه من واقعة حقيقية، حدثت في منطقة جنوب سيناء، خلال الفترة من نكسة حزيران وحتى نصر تشرين، ويعكس صورة من صور مقاومة أهالي سيناء للاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة.