تأجيل النشاطات الثقافية وإلغاء الحفلات الفنية … مرتكبو الجريمة لا يمتون للبشرية والأخلاق بصلة وعملهم الإرهابي لن ينال من سورية وصمودها
| مصعب أيوب
يوم عصيب عاشه السوريون ظهر يوم الخميس بعد الجريمة النكراء التي اقترفتها أيدي المجموعات الإرهابية عقب انتهاء حفل تخريج طلاب الكلية الحربية بحمص وهو ما نجم عنه أكثر من مئة شهيد وما يزيد على ثلاثمئة جريح ، وعليه فقد عم الحزن أرجاء البلاد وقامت حكومة الجمهورية العربية السورية بتعميم الحداد العام لمدة ثلاثة أيام على أرواح الشهداء وبالتالي تعليق جميع الأنشطة الثقافية والفنية والسياحية وغيرها ، وفي هذا المصاب الأليم استنكر الكتاب والمؤلفون والعاملون في الحقل الثقافي والفني هذا الهجوم الإرهابي ووصفوه بالعمل الجبان ولا يصدر إلا من ضعفاء النفوس، «الوطن» التقت عدداً منهم واستمعت لآرائهم وإليكم التفاصيل:
أصحاب حق
وقد استهل الكاتب والسيناريست محمود إدريس حديثه مع «الوطن» قائلاً: في البداية الرحمة لكل شهداء هذه الأرض والصبر والسلوان لذويهم ومحبيهم ولنا جميعاً بمصابنا.. إن من يملك هذا السواد الذي أعماه عن إدراك لا إنسانية ما فعل هو بلا شك ليس سورياً ولم يكن يوماً، ثمة ممارسات يعجز عن فهمها وتقبلها أعتى مجرمي الأرض..
ما من منطق من شأنه تفسير هذه الجريمة.. ولا أجد في قواميس اللغة ما يمكن أن يصف مرتكبيها.. كل ما أستطيع أن أجزم به هو أنهم لا يمتون للبشرية والأخلاق بصلة ، كما توجه إدريس بكلمة لأسر الشهداء والجرحى مؤكداً أننا سنقف جميعاً ذات يوم أمام مرتكبي هذه الجريمة البشعة.. وسيكون القصاص حاضراً مستحقاً.. وسيكون ذلك بعد أن يخيب مبتغاهم على هذه الأرض.. حيث سنبقى وسنظل أصحاب حق لا تلغيه جريمة ولا يبدله إجرام مهما بدا مروّعاً.
طائر الفينيق
من جانبه عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د.تامر العربيد أوضح في تصريح لـ«الوطن» أن ما حصل يعنينا جميعاً ولا يمكننا أن نتجاهل ما يحل ببلدنا نهائياً وبجيشنا وبعقيدتنا وانتمائنا وسلامنا، وقد توجه بالرحمة للشهداء بالقول: بدايةً أتمنى الرحمة والمغفرة للشهداء الذين قضوا في هذا الحادث المؤلم، وهي جريمة نكراء طالت فيها يد الغدر شبابنا وجيشنا وأملنا من ضباط وطلاب خريجين وأهال ممن رافقوا أبناءهم لمشاركتهم في يوم فرحهم الذي سيجعلهم حماة الديار وسياج الوطن وحصنه الحصين، وأتمنى الشفاء العاجل للجرحى وللمصابين وأدعو الله أن يكلل جميع من تأذى بهذه الفاجعة بالعافية والصحة في أسرع وقت.
وأكد أن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بالجريمة النكراء وهو ما يؤكد أن يد الإرهاب لا تزال مدعومة من دول لا تريد لسورية الأمان ولا للسوريين الهناء في الوقت الذي بدأت فيه بلادنا تتعافى شيئاً فشيئاً في ظل القيادة الحكيمة، فقد استطاع الجيش السوري أن يتجاوز الظلام وينتقل بنا إلى النصر وهو ما يشهد به الجميع، ومن الواضح أن أعداء سورية لم يكتفوا من الإجرام.
وتابع: سورية بلد قوي وحضاري وقد عرف عن الإنسان السوري أنه طائر الفينيق الذي ينهض مجدداً في كل مرة تشتد عليه المصائب والشدائد، ويبدو أن قدرنا نحن السوريين أن نكون كهذا الطائر وأنا كلي أمل في شعبنا وقيادتنا وجيشنا بأننا قادرون على تجاوز مثل هذه المحن، ولكن لا يمكننا أن ننكر أن ما حدث في الكلية الحربية مؤلم وموجع ويدمي القلوب ويدمع العيون، فنحن فقدنا شباباً طموحين مقبلين على الحياة مملوئين بالأمل، الشعب السوري يستحق الحياة والأمان والسلام ولكن يد الإرهاب المدعومة من الدول التي تدعي الديمقراطية ما زالت تصر على أن تحاصر الإنسان السوري ولا تتوانى عن تقديم كل ما يؤدي إلى خراب سورية.
وأضاف: المصاب أليم، ونحن في المعهد العالي للفنون المسرحية نشعر بشعور أهالينا الفاقدين وقد أوقفنا جميع النشاطات والفعاليات لأن الأمر يعنينا بالتأكيد ونحن واجبنا أن نشارك شعبنا وقيادتنا وجيشنا الحزن والفرح فنحن جسد واحد، الرحمة للشهداء القديسين سرمديي الخلود والصبر لذويهم والمجد لسورية والأمان والسلام لشعبها ونحن سنتجاوز جميع المحن وسنبقى شوكة في أعين من يريد لها الغدر والألم.
سورية ستنهض من جديد
كما أفاد مدير المسارح والموسيقا عماد جلول أن سورية اليوم جريحة وفي كل محنة وكل مؤامرة وكل مصاب اعتادت سورية أن تنهض من جديد وأن تصارع الإرهاب والشر وتنتصر، رحم الله شهداء الكلية الحربية والشفاء العاجل للجرحى.
سورية المنارة الحضارية
المخرج المسرحي مأمون الخطيب أعرب عن حزنه الشديد قائلاً: كل الرحمة للشهداء الضحايا والشفاء للجرحى سورية تدفع كل مرة ثمناً كبيراً ومفجعاً من دماء أبنائها.. أتمنى لوطني الحبيب أن تنمو فيه أشجار المحبة والسلام التي روتها تلك الدماء الطاهرة. وأن تعود سورية تلك المنارة الحضارية التي ألهمت العالم كله بالثقافة والفرح والحضارة.
حزن عميق
وفي هذه الفاجعة أعرب الكاتب والمؤلف أحمد السيد عن أسفه الشديد لما جرى معتبراً أن هذا الحدث جلل وتعجز الكلمات عن التعبير في موقف كهذا، فالحزن عميق والقهر كبير على شباب هذا الوطن الذين كانوا ضحية هذا العدوان الغادر.
قبل الفاجعة
وقد علق الكاتب شادي كيوان بجملة: ما الذي يمكن أن يُقال في موقفٍ كهذا.. شعورٌ بالحزن والخجل لمجرد أن يخطر لنا أن نوجه كلمات العزاء لذوي الشهداء والمصابين.. الصمت وقدسية التفكرِ بقدرية الموت التي تحكمنا والدعاء لهم ربما يكون أبلغ من الكلام.. ولكننا حينَ نقول تعازينا فإننا نقولها لأنفسنا.. نعزي أنفسنا بعد كل موتٍ جلل ينكأ جرحنا النازف منذ أكثر من عشر سنوات.. تعازينا ودموعنا ودعواتنا بشفاء الجرحى والرحمة لمن رحلوا ولعائلاتهم وأحبتهم خالص العزاء والصبر.
وقد كان له تعليق أشاد به كثيرون عبر حسابه في فيسبوك وشاركه العديد عبر صفحاتهم ومما جاء فيه: ما الذي حدثَ قبل ذلك، قبل أن تقع الفاجعة؟!
هنالك أبٌ متذمرٌ بعصبية أمام المرآة.. يحاول أن يبدو أنيقاً بطقمهِ الذي يرتديه.. ربما كان لا يملك غيره ولكنه اليوم يبدو جديداً.. ينادي على زوجته ويستعجلها وهي تحكي لجاراتها أن ابنها اليوم سيتخرج ويصبح ضابطاً.
وفي مكانٍ آخر من المدينة حبيبةٌ تخرج من منزل أهلها خلسةً لحضور الحفل.. فحبيبها لم يتقدم لها بعد.. إنه ينتظر تخرجه كي يأتي لخطبتها.. وهي لا تريد أن تفوت رؤيته وهو يتوج بنجمةٍ بعد سنوات التعب والحلم.
وهنالك أخت صدعت رأس صديقاتها بكونها محظوظة لأن القدر منحها أخاً كهذا.. فهو من شجعها كي تنهي دراستها وكان يقتطع من مرتبه البسيط كي يتسنى لها أن تأخذ دروس الرقص التي تحب.. هو من شجعها على حب الرقص أصلاً… ذهبت اليوم لترقص خصيصاً له ومعه في حفلِ تخرجهِ.
هؤلاء ذهبوا كلهم إلى الحفل ولم يعد أحدٌ منهم.
أما العائدون فسيحملونَ ندبةً في الروح قبل الجسد.. الرحمة للشهداء والصبر والعزاء لبلادنا المفجوعة.
انفتاح إقليمي
الكاتب سامر سلمان أكد أن المعركة لم تنته بعد ولاسيما أن الدولة السورية لا تتماشى تطلعاتها وتطلعات الدول الداعمة للإرهاب ولا توافق على اقتراحات أو قرارات لا تصب في مصلحة الشعب السوري، وأشار إلى أن المجزرة التي ارتكبت في حمص قبل أيام ترقى لأن تكون جريمة عصر فدائماً حرص الإرهاب وأذرعه على استخدام أدوات متطورة وتقنيات متقدمة وهو ما يثبت أن اعتداءات كهذه تقف وراءها دول كبرى ولا يتوقف الأمر عند أشخاص أو مجموعات فقط، وما حدث يؤكد أن غايته إحداث شرخ بين مكونات الشعب السوري من الشرائح والطوائف كافة.
وتابع: سورية اليوم تتعافى بعض الشيء وتحقق بعض التطورات على مستوى السياسة الدولية والإقليمية وهو ما لا يرضي المحور الآخر المعادي لنا وتم التخطيط لهذه المجزرة بحيث تخلق بلبلة في المنطقة وهو ما يؤخر عودة سورية إلى سابق عهدها ولازدهارها، ونحن من حمص نتوجه برسالة إلى العالم للتحلي بمزيد من الإنسانية ونحن جميعنا أهالي الشهداء ومن استشهد بالتأكيد بمنزلة ابني وأخي وصديقي ويمثل كل السوريين.
وأكد سلمان أنه إن كان الهدف وراء هذا العمل الإرهابي إضعاف عزيمتنا فقد خاب هدفهم وما حدث زادنا عزيمة وقوة وإصراراً ونحن موجودون حيثما وجدوا وسنستمر حتى تحرير كل شبر من أراضينا.
الشهداء عند رب رحيم وكريم
من جانبه الممثل والمخرج المسرحي مهند ورد قال: تتوقف الكلمات أمام مصاب كهذا وتعجز التعابير عن وصف ذاك الفعل الجبان، ولعل ما حصل يوضح ويبرهن مدى قباحة ووحشية هذا العدو الذي نواجهه، ومصابنا اليوم جلل ولأرواح الشهداء الرحمة وعزاؤنا الوحيد أنهم أصبحوا عند رب كريم ورحيم، بالتأكيد هو أحن عليهم من أمهاتهم وما يثبت ذلك الآية الكريمة من القرآن الكريم «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون».
رحمهم الله وأسكنهم جناته وكان الله في عون عائلاتهم والنصر لجيشنا والخروج من هذه الأزمة ومن مستنقعها الموحل السلام لبلدنا الحبيب الذي أضنته الحرب لأنه من حقنا أن نعيش بسلام وخير وألفة ومودة.
العزاء للوطن المذبوح
كما أوضح الفنان الشاب أمير برازي أن الوطن باقٍ وجمعينا راحلون.. حمى الله وطننا وجيشنا، وتابع قائلاً كل العزاء لنا جميعاً.
العزاء للوطن المذبوح..
وكأن الألم بات يعيش معنا في بلدنا، رحم الله الشهداء وصبَّر قلوب ذويهم.. الصبر لقلوبنا جميعاً.
إلغاء حفلات فنية
الفنان خلدون حناوي توجه بالتعزية لجميع أسر الشهداء ولذويهم وتمنى الشفاء العاجل لكل الجرحى وأن يندمل جرحهم لأن المصاب أليم والفاجعة كبيرة، وتابع: نحن بدورنا توقفنا عن جميع الحفلات والأنشطة الفنية والثقافية في الفنادق والمنشآت السياحية والمطاعم، وهو واجب علينا ولا بد أن نحترم الشهداء والشهادة، فلا مكان للفرح اليوم ولا يستطيع أحدنا أن يرسم الابتسامة على وجهه لأن ما حدث في الكلية الحربية آلمنا جميعاً.
وحشية ونفاق
الكاتب علاء الأوس بين أن ما حدث لا ينم إلا عن وحشية وقبح ودناءة أولئك الأشخاص الذين وصفهم بالمريضين وهو ما يتعارض مع ما ادعوه منذ سنوات على أنهم سينشرون السلام وهو ما يثبت ويوضح للجميع كذبهم ونفاقهم، ولعل ما حدث لا يمكن وصفه إلا بالمجزرة فمن يرد الحرب أو القتال لا يغدر ويقتل بهذه الوحشية، كما تابع: لا يمكن أن يمر ما حدث مرور الكرام، ولا بد من الانتقام لأولئك الشهداء ودحر تلك المجموعات الإرهابية التي لا تمت للإنسانية بصلة، فالحادث أليم وهو ما يؤكد حقدهم ولهاثهم وراء المال ولا بد من محاسبتهم ليعم الخير والسلام، وأضاف: مهما تكلمنا أو كتبنا لأهالي الشهداء فلن يجدي ذلك نفعاً بعد أن كسرت قلوبهم وأصابها الكمد ولكن ما يمني النفس أنهم اليوم عند صاحب الحق والرحمة ولا بد لهم أن يفرحوا لأن أبناءهم في مكان أجمل بكثير مما كانوا فيه وعليه فلا بد لهم من الافتخار بأبنائهم، والخاسر الأكبر في هذه الحادثة هي الأم وهو ما كتبته في وقت سابق في عمل يحمل اسم «دمعة وطن» وقد شرحت فيه هموم الأم السورية ومعاناتها بفقدانها لأبنائها وزوجها.
مجموعات لا إنسانية
المصمم ومخرج المعارك معد ورد أفاد بأن المصاب كبير ومن الصعب التوجه لشخص مفجوع في يوم كان فيه فرحاً وتحول فرحه إلى حزن فلا كلام يقال ولا كلمات تهون ذاك المصاب، ولاسيما إذا كان المفقود أحد المقربين ومن العائلة فأي كلام يستطيع أن يخفف عنه وماذا ستجدي نفعاً كل العبارات، وأكد أن عملاً إرهابياً ووحشياً كهذا لا بد أن يتم الرد عليه بقسوة أيضاً بحيث تنسف تلك المجموعات اللإنسانية والتي نأسف لوجودها أساساً إلى اليوم ولا يجب التهاون معهم، فإن ما يواسي ويخفف آلام الفاقدين هو الرد السريع والذي يناسب تجمعات كهذه تدعي الألوهة.
نفوس ضعيفة
وقد علق المخرج محمد عبود على الفاجعة بالقول: بدايةً علينا الاستئناس بكلمة القائد الخالد حافظ الأسد (الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر)، من قام بهذا الفعل الشنيع هم نفوس ضعيفة جداً ولذلك تعمدت الغدر من دون المواجهة بحيث إنهم قضوا على آمال وأحلام شباب واعد يحمل الكثير لبلده وشعبه وأنا أتقدم بالتهنئة والمباركة للشهداء ولأهاليهم فقد اختارهم إليه ليكونوا بجواره، ونحن اعتدنا الدفاع ولم نعتد الهجوم فلم يسبق لنا وأن تعدينا على من لم يؤذنا، وأنا أتوجه بالتحية لكل الجهات المعنية التي أكدت ضرورة الحداد على أرواح الشهداء ونحن قد أوقفنا الكثير من الفعاليات فلا مكان للفرح اليوم في حضرة الخسارة الكبيرة التي يعيشها بلدنا.
من مواقع التواصل
كما علق المؤلف عثمان جحى عبر حسابه في فيسبوك بالقول: مرة واحدة حضرت أنا والمثنى حفل تخرج في الكلية الحربية لصديق لنا، تقاسمنا معه أحلام المراهقة ومطلع الشباب بتحرير فلسطين، وفرقتنا السبل بعدها، سلك هو طريق الجيش، وسلكنا طرقاً أخرى، وكلما التقينا، بفترات متباعدة استذكر ذاك الحفل وبكاء الأهالي فرحاً بوضع ابنهم نجمة على كتفه.
اليوم قال لي صديقي: الوطن يقتل الوطن، كانت فلسطين هدفنا، أصبحنا نحن الهدف.. مازالت النجمة الأولى التي علقها حاضرة، ولكن الدمع بعينيه أقرب من أي شيء.
الرحمة لنا أحياء وشهداء
وكذلك أيضاً عبر المخرج السينمائي جود سعيد عن حزنه لفاجعة الكلية الحربية قائلاً: في بلادي باتت الأمهات لا يتركن أولادهنّ يغادرون لا جسداً ولا روحاً..
معاً وإلى الأبد يا ولدي، أفرحاً أم موتاً.
رحلوا ومعهم ما بقي من قلوبنا.
السلام لأرواحكم.