أمس كانت الذكرى لانتصار العرب على الكيان الصهيوني الغاصب، خمسون عاماً وسورية تتذكر وتتجهز، وتعدّ أبناءها وبناتها لتسيج الوطن بالقوة والخبرة والتدريب، خمسون عاماً مرت على مواجهة المقاتلين الأشاوس مع الكيان الصهيوني، وفي كل زاوية من زوايا سورية كانت الصورة حاضرة، وكان الشهداء الذين ما بخلوا على الوطن بالدم الزكي.. إن الوطن غال ويستحق أن تعطيه من حياتك ومالك، واليوم أراد السوريون أن يحتفلوا بانتصارهم وذكراه، وأن يستعيدوا ذكريات المقاتلين الذين استطاعوا تسطير ملاحم البطولة.
عشية الذكرى، قبل ساعات من السادس من تشرين، جاءت يد الحقد لتقتل استذكار النصر، ولتوقف بهجة النصر، يد الغدر والخيانة تتوجه بخسة ووضاعة لاغتيال رجال الوطن الذين يتجهزون للدفاع عنه، لوأد المستقبل في خبرات كلفت الكثير للوطن والأهل.
طلاب وضباط ومدربون كانوا يعدون العرس
جنود وقادة يجولون الميدان
عاملون واحتياطيون كانوا في المشهد
أمهات وأخوات تزيّن لعرس الشهادة
زوجات وبنات حملن قلوبهن وجئن
أطفال وشيوخ.. يرقبون بأمل
ليس ميداناً للمواجهة، وإن كان يعد الرجال للمواجهة..
ليس نزال الرجال بقتال..
الأم جاءت لتزف ابنها.. وإذ بها تخرج معه في عرس للشهادة
الأخت تحتفي بأخيها
الجدة تفرح بحفيدها
الطفلة تأتي لتشهد أخاً وعماً ترجو أن يكون سياج غدها
في لحظة واحدة تحصدهم يد الغدر، وتحصد غدهم المرجو
أرادتهم قتلى، فكانوا شهداء!
أرادت العدوان.. فصاروا ملحمة فخار لسورية!
عطرهم البطولة والدم الزكي
سيرتهم افتداء وطن
شهادتهم دليل على العدوان وإجرامه
حين يدعو الوطن أبناءه يلبون النداء
وحين تطالهم يد الغدر يتحولون إلى منارات
منارات من براءة وحب
منارات من خبرة وتضحية
المدرب يشرق بابتسامته وهو يرى نتاج تدريبه، يبتسم للطالب ليقول له: اعذرني إن كنت قاسياً، فقد أردت غاية وأراها تجسدت فيك.. يشكره الطالب ويقبل رأسه عرفاناً بما أخذه على يديه.. وهما يتعانقان ودّعا معاً..
الطالب يقترب من براءة الطفولة ليقبلها ويشكر حضورها.. وهو يغمرها ودّعا الحياة معاً..
الأنظار شاخصة إلى حمص
القلوب في كلية العلوم العسكرية
الغضب في كل بقعة من سورية
لا تكتبوا أسماءهم وأسماء بلدانهم
يكفي أن نذكر اسم الشهيد واسم أمه سورية
كيف يمكن أن يحدث؟
من ملك القدرة على فعل ذلك؟
من أصدر الأمر؟
من وجّه آلة القتل لاغتيال المستقبل السوري؟
قد يخرج شامت
قد يتحذلق متحذلق
قد يتحدث خائن بشماتة
بل سيحدث، وسنسمع من كثيرين لا مكان لهم في العدّ
لكن الجريمة تبقى شاهدة
والبطولة ستبقى في أرض الوطن
ووصايا الشهداء حاضرة
أقسموا بالله العظيم
وكل من كان موجوداً ردّد معهم القسم
ولا بد للقسم من أن يبرّ به مقسموه
نعم الحرب لم تنته
وهذه الجريمة إحدى صورها..
فما بالنا نركن لحياة الدّعة
كثيرون يعيشون اليوم عيشة الأباطرة!
حققوا من الدماء الطاهرة ما عجزوا عنه قبل الحرب!
يجلسون إلى موائدهم العامرة
والأبطال وحدهم يرتقون
والطلاب يستشهدون بعد القسم
إلى جنان الخلد
إلى مراتب لا يدركها العقل
وسورية الجريحة بأبنائها وبناتها
بأطفالها وكبارها
بالعاملين والمتقاعدين
سورية كلها تجأر بصوت واحد:
المجد للأرض… المجد للشهيد..