«ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده، أو بيد أخيه، فإن المتعة تكون أكبر، وهذه سياستنا الجديدة، أن نشكل ميليشيات للعدو، فيكون القاتل والمقتول من الأعداء.
منذ سنوات، ربما زادت عن العشر، أصادف بين حين وآخر، وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي هذه (المقولة) التي تنسب غالباً لوزير (الدفاع الإسرائيلي) موشيه يعالون. استوقفتني الفكرة لما فيها من دهاء شيطاني، لكن الشكوك بدأت تنتابني عندما أطلت النظر في سحنة (يعالون) التي تنضح بالعجرفة والادعاء. ولقطع الشك باليقين بحثت عن المقولة بمساعدة العم غوغل، صاحب الأفضال، الذي احتفل في السابع والعشرين من شهر أيلول الماضي بمرور ربع قرن على انطلاقته! لكن نتائج البحث بالعربية عن المقولة زادتني شكاً بها، فترجمتها إلى الإنجليزية غير أني لم أجد لها أيضاً أي أصل، مما شجعني على الاعتقاد بأنها من نحت شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة لهيئة أركان جيش العدوان الصهيوني، الهدف من فبركتها، كما أظن، هو خلق وهم لدينا نحن العرب بأن حتى الأحذية التي يلبسها جنرالات الصهاينة تفكر أيضاً!
رغم كل ما سبق لا تكف هذه المقولة عن القفز في رأسي كفأر مشتعل منذ أن شاهدت طرفاً من صور المذبحة السوداء التي اقترفها المجرمون ضد أهلنا وأبنائنا في الكلية الحربية بحمص. تذكرت صديقي الجديد تطبيق الذكاء الاصطناعي (تشات جي بي تي) فطلبت منه أن يعثر لي على صاحب هذه المقولة فأجابني كما يلي: «هذا الكلام لا يعود لشخص محدد، ولا يمكن تحديد من قاله، حيث أنه لا يوجد مصدر محدد لهذه العبارة.»
غير أن ما سبق لم يقلل في نظري من خطورة هذه المقولة الفظيعة، فقد نجح أعداء حلمنا الوطني في سياستهم الجديدة، وتمكنوا من تشكيل ميليشيات القاتل والمقتول فيها من لحمنا ودمنا!
لست أعرف من هي الجهة أو الجهات التي خططت ونفذت مذبحة حمص السوداء، لكنني أعلم علم اليقين من هو المدبر وصاحب اليد التي ضغطت على الزر، إذ ليست مصادفة بريئة على الإطلاق أن تقع هذه المجزرة قبيل الذكرى الخمسين لحرب تشرين التحريرية، التي داس فيها جنود جيشنا الوطني السوري البطل على أنف العدو الغاصب المتعجرف.
في عام 1901 أطلق اللورد فيشر وزير الحربية البريطاني صرخته الشهيرة: «استعدوا لحرب النفط» وأنا على قناعة تامة أن كل الويلات التي شهدتها وتشهدها منطقتنا، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، ما هي إلا معارك في حرب واحدة هي حرب النفط، التي ليس الكيان الصهيوني سوى خندق متقدم فيها.
والحق أن هذا الأمر لم يغب يوماً عن تفكير المثقفين الوطنيين العرب، ففي عام 1936 نشر المفكر المناضل يوسف إبراهيم يزبك كتاباً عنوانه: «النفط مستعبد الشعوب» تصدرته مقدمة بخط يد الثائر السوري الكبير إبراهيم هنانو.
في الختام أود أن أذكر بأنني قبل نحو عشرين عاماً قلت على هواء الفضائية السورية: «أعداؤنا أذكياء وأغنياء وعديمو الضمير، وعندما يكون أعداؤك بهذه الصفات يجب أن تقلق! فمن أين يأتي الزعماء العرب بكل هذه الطمأنينة!»
وما يزال السؤال لا يكف عن القفز في رأسي كفأر مشتعل!