ثقافة وفن

عقارب الساعة إن توقفت لا بد أن تدور

من نبوءة الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدته «منشورات فدائية على جدران إسرائيل» قبل 60 عاماً.

لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنودٍ حمر..
فنحن باقون هنا..
في هذه الأرض التي تلبس في معصمها
إسوارةً من زهر
فهذه بلادنا..
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر..
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق، في زيتونها
في قمحها المصفر
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها
باقون في نيسانها
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيِّها الكريم، في قرآنها..
وفي الوصايا العشر..

2

لا تسكروا بالنصر…
إذا قتلتم خالداً.. فسوف يأتي عمرو
وإن سحقتم وردةً..
فسوف يبقى العطر

3

لأن موسى قطعت يداه..
ولم يعد يتقن فن السحر..
لأن موسى كُسرت عصاه
ولم يعد بوسعه شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا.. ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم
فوق صحارى مصر…

4

المسجد الأقصى شهيدٌ جديد
نضيفه إلى الحساب العتيق
وليست النار، وليس الحريق
سوى قناديلَ تضيء الطريق

5

من قصب الغابات
نخرج كالجن لكم.. من قصب الغابات
من رزم البريد، من مقاعد الباصات
من علب الدخان، من صفائح البنزين، من شواهد الأموات
من الطباشير، من الألواح، من ضفائر البنات
من خشب الصلبان، من أوعية البخور، من أغطية الصلاة
من ورق المصحف نأتيكم
من السطور والآيات…
فنحن مبثوثون في الريح، وفي الماء، وفي النبات
ونحن معجونون بالألوان والأصوات..
لن تفلتوا.. لن تفلتوا..
فكل بيتٍ فيه بندقيه
من ضفة النيل إلى الفرات

6

لن تستريحوا معنا..
كلُّ قتيلٍ عندنا
يموت آلافاً من المرات…

7

انتبهوا.. انتبهوا…
أعمدة النور لها أظافر
وللشبابيك عيونٌ عشر
والموت في انتظاركم في كل وجهٍ عابرٍ…
أو لفتةٍ.. أو خصر
الموت مخبوءٌ لكم.. في مشط كل امرأةٍ..
وخصلةٍ من شعر..

8

يا آل إسرائيل.. لا يأخذكم الغرور
عقارب الساعة إن توقفت، لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط من أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور
هزمتم الجيوش.. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها.. وظلت الجذور

9

ننصحكم أن تقرؤوا ما جاء في الزبور
ننصحكم أن تحملوا توراتكم
وتتبعوا نبيكم للطور..
فما لكم خبزٌ هنا.. ولا لكم حضور
من باب كل جامعٍ..
من خلف كل منبرٍ مكسور
سيخرج الحجاج ذات ليلةٍ.. ويخرج المنصور

10

انتظرونا دائماً..
في كل ما لا ينتظر
فنحن في كل المطارات، وفي كل بطاقات السفر
نطلع في روما، وفي زوريخ، من تحت الحجر
نطلع من خلف التماثيل وأحواض الزهر..
رجالنا يأتون دون موعدٍ
في غضب الرعد، وزخات المطر
يأتون في عباءة الرسول، أو سيف عمر..

نساؤنا..

يرسمن أحزان فلسطين على دمع الشجر
يقبرن أطفال فلسطين، بوجدان البشر

نساؤنا..

يحملن أحجار فلسطين إلى أرض القمر..

11

لقد سرقتم وطناً..
فصفق العالم للمغامره
صادرتم الألوف من بيوتنا
وبعتُمُ الألوف من أطفالنا
فصفَّقَ العالم للسماسره..
سرقتم الزيت من الكنائس
سرقتم المسيح من منزله في الناصره
فصفق العالم للمغامره
وتنصبون مأتماً..
إذا خطفنا طائره

12

تذكَّروا.. تذكَّروا دائماً
بأن أمريكا – على شأنها –
ليست هي الله العزيز القدير
وأن أمريكا – على بأسها –
لن تمنع الطيور من أن تطير
قد تقتل الكبير.. بارودةٌ
صغيرةٌ.. في يد طفلٍ صغير

13

موعدنا حين يجيء المغيب
موعدنا القادم في تل أبيب
«نصرٌ من الله وفتحٌ قريب»

14

للحزن أولادٌ سيكبرون..
للوجع الطويل أولادٌ سيكبرون
لمن قتلتم في فلسطين صغار
سوف يكبرون
للأرض، للحارات، للأبواب، أولادٌ سيكبرون
وهؤلاء كلهم..
تجمعوا منذ ثلاثين سنه
في غرف التحقيق، في مراكز البوليس، في السجون
تجمعوا كالدمع في العيون
وهؤلاء كلهم..
في أي.. أي لحظةٍ
من كل أبواب فلسطين سيدخلون..

15

.. وجاء في كتابه تعالى:
بأنكم من مصر تخرجون
وأنكم في تيهها، سوف تجوعون، وتعطشون
وأنكم ستعبدون العجل دون ربكم
وأنكم بنعمة الله عليكم سوف تكفرون
وفي المناشير التي يحملها رجالنا
زدنا على ما قاله تعالى
سطرين آخرين:
ومن ذرا الجولان تخرجون
وضفة الأردن تخرجون
بقوة السلاح تخرجون..

16

تسعون مليوناً من الأعراب خلف الأفق غاضبون
يا ويلكم من ثأرهم..
يومَ من القمقم يطلعون..

17

لأن هارون الرشيد مات من زمان
ولم يعد في القصر غلمانٌ، ولا خصيان
لأننا نحن قتلناه، وأطعمناه للحيتان
لأن هارون الرشيد لم يعد إنسان
لأنه في تخته الوثير لا يعرف ما القدس.. وما بيسان
فقد قطعنا رأسه، أمس، وعلقناه في بيسان
لأن هارون الرشيد أرنبٌ جبان
فقد جعلنا قصره قيادة الأركان..

18

ظل الفلسطيني أعواماً على الأبواب..
يشحذ خبز العدل من موائد الذئاب
ويشتكي عذابه للخالق التواب
وعندما.. أخرج من إسطبله حصانه
وزيت البارودة الملقاة في السرداب
أصبح في مقدوره أن يبدأ الحساب..

19

نحن الذين نرسم الخريطه
ونرسم السفوح والهضاب..
نحن الذين نبدأ المحاكمه
ونفرض الثواب والعقاب..

20

أنا الفلسطيني بعد رحلة الضياع والسراب
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كالسحاب
أطلع كلَّ ليلةٍ..
من فسحة الدار، ومن مقابض الأبواب
من ورق التوت، ومن شجيرة اللبلاب
من بركة الماء، ومن ثرثرة المزراب
أطلع من صوت أبي..
من وجه أمي الطيب الجذاب
أطلع من كل العيون السود والأهداب
ومن شبابيك الحبيبات، ومن رسائل الأحباب
أطلع من رائحة التراب
أفتح باب منزلي.
أدخله. من غير أن أنتظر الجواب
لأنني أنا.. السؤال والجواب

21

محاصرون أنتم بالحقد والكراهيه
فمن هنا جيش أبي عبيدةٍ
ومن هنا معاويه
سلامكم ممزق/ وبيتكم مطوقٌ
كبيت أي زانيه..

22

نأتي بكوفياتنا البيضاء والسوداء
نرسم فوق جلدكم إشارة الفداء
من رحم الأيام نأتي كانبثاق الماء
من خيمة الذل التي يعلكها الهواء
من وجع الحسين نأتي.. من أسى فاطمة الزهراء
من أُحُدٍ نأتي.. ومن بدرٍ.. ومن أحزان كربلاء
نأتي لكي نصحح التاريخ والأشياء
ونطمس الحروفَ/ في الشوارع العبرية الأسماء..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن