تُعرَف ندرة المياه بأنها نقص كمّي أو نوعي في إمدادات المياه، مُعَبّراً عنها بنسبة استهلاك الإنسان للمياه إلى الإمدادات المُتاحة.
وخلال العقد الماضي، زاد استخدام المياه عالمياً بمعدل ضعف النمو السكاني، على حين تتعرض منطقة الشرق الأوسط وبعض دول إفريقيا لإجهاد مائي شديد، كما تعاني دول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا مخاطر مائية عالية.
ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً بسبب ازدياد عدد السكان والتنمية الاقتصادية الكثيفة الاستخدام للموارد، وتغيُّر المناخ.
التقرير الأخير الصادر عن معهد الموارد العالمية، يشير إلى أن 25 دولة، تضم ربع سكان العالم، تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنوياً ويعيش 2.3 مليار شخص في بلدان تعاني نقص المياه.
آخر تقرير للمنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» يشير إلى أن المنطقة العربية من بين أكثر المناطق عُرضة للإجهاد المائي، لمحدودية مواردها المتجددة، والإفراط في استغلال المصادر المتاحة، ما يضع 18 دولة عربية في فئة ندرة المياه، في حين تقع 14 دولة عربية ضمن الأكثر ندرة بالمياه عالمياً، والواقع يزداد سوءاً نتيجة التغيُّر المناخي، والاعتماد على الموارد المائية المشتركة أو العابرة للحدود وسوء الإدارة، تنذر بأسوأ موجة جفاف وتُهدد حياة وسبل عيش ملايين السوريين والعراقيين.
في صيف 2023، تراجع منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، وزيادة الأمراض المنقولة بالمياه، ونزوح السكان.
ويرتبط هذا الموضوع بعدة عوامل، منها تغيرات المناخ، والنمو السكاني، والأهم التحكُّم العدواني لدولة المنبع، تركيا، بكمية المياه المتدفقة.
وتعتمد سورية بشكل أساسي على مياه نهر الفرات لتلبية احتياجاتها المائية والكهربائية، وقد انخفض تدفق المياه في حوض النهر بنسبة تزيد على 50 في المئة في السنوات الأخيرة، بسبب السدود التي بنتها تركيا، ولذلك تنقطع مياه الشبكة العامة عن السكان بضع ساعات يومياً، وتتأثر بأزمة الطاقة الكهربائية المستمرة منذ سنوات، في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة الإرهابية، وتتفاقم المشكلة بسبب نقص المياه.
وتؤكد منظمات الأمم المتحدة أن أكثر من 5 ملايين شخص تضرروا من مشكلة نقص المياه في شمال سورية، محذّرة من أن نقص المياه الصالحة للشرب يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهال.
والوضع في الشمال الشرقي مأساوي، حيث تعرضت محافظة الحسكة، التي كانت توصف بأنها «سلّة غذاء سورية»، لأزمة مياه قاسية، فتحوّلت مدينة الحسكة وقُراها ومخيمات النازحين فيها، إلى منطقة منكوبة، بعد توقف الضخ من محطة مياه علوك لأكثر من 4 أشهر؛ بسبب اعتداءات المحتل التركي ومرتزقته، وبالتالي فإن أزمة المياه في سورية تهدد الأمنين الغذائي والصحي للبلاد، وقد ظهرت آثارها من خلال زيادة الأمراض المنقولة بالمياه وتدهور الإنتاج الزراعي.
أما في الدولة الثانية المستفيدة من مياه الفرات فقد أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية في مطلع شهر آب 2023، أن المياه في البلاد وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، وذلك في أعقاب جفاف وطقس تجاوزت فيه الحرارة 50 درجة مئوية.
وفي منطقة اشتهرت على مر التاريخ بخصبها وثروتها الطبيعية، أعلن العراق، في آذار 2023، إيقاف زراعة الأرز والذرة الصفراء؛ بسبب شح المياه، وتسبب الجفاف وتدهور الأراضي وارتفاع الملوحة في الأنهار والروافد بزيادة الضغوط على الزراعة وتربية الماشية وصيد الأسماك.
ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، دفع الجفاف في منتصف 2023 نحو 14 ألف أسرة للنزوح عن منازلها في 10 محافظات عراقية، في حين أكد رئيس الحكومة العراقية أن 7 ملايين عراقي تضرروا بسبب الجفاف.
أعلنت الأمم المتحدة بلسان المفوض السامي لحقوق الإنسان، عن خطورة الوضع، معلناً أن «هذه حالة طوارئ مناخية في العراق»، مع الإشارة إلى أن العراق يفقد 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر.
ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديدة المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، في حين سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة، مع استمرار النزاع بين العراق وإيران على المياه.
أزمة المياه في سوية والعراق سببها سياسة تركيا التعسفية العدوانية في بناء سدود على الأنهار لتوليد الطاقة الكهرمائية، تريد سورية استخدام المياه لأغراض الري، في حين يسعى العراق لضمان حصوله على ما يكفي من المياه لشعبه وزراعته.
وفي أوائل السبعينيات، بدأت تركيا في بناء سد «كيبان»، مما قلل من كمية المياه المتدفقة إلى سورية والعراق، وأدى ذلك إلى توترات بين الدول الثلاث، التي لم تتمكّن من التوصل إلى اتفاق دائم حول كيفية تقاسم المياه.
وفي عام 1987، وقّعت تركيا وسورية على بروتوكول يضمن الحدّ الأدنى من تدفق المياه إلى سورية، وبمعدل 500 متر مكعب في الثانية، ثم اتفقت دمشق مع بغداد عام 1990 أن تصل حصة العراق إلى 58 بالمئة من الكمية السابقة، إلا أن تركيا، وفق سياستها العدوانية تراجعت عن هذا الاتفاق.
واستمرت الأزمة بعد بدء تركيا ملء سد «أتاتورك»، الذي أدى إلى انخفاض نسبة المياه المتدفقة إلى العراق وسورية.
وتفاقمت أزمة المياه أكثر في سورية والعراق مع بدء تركيا تنفيذ مشروعها الضخم في جنوب شرقي الأناضول، الذي يهدف إلى بناء 22 سداً و19 محطة توليد طاقة مائية على نهرَي دجلة والفرات.
وتسبب المشروع في إخراج 40 في المئة من أراضي حوض الفرات العراقية من الاستثمار الزراعي، وأثّر على ثلثي الأراضي الزراعية السورية المرويّة.
ومن الواضح أن عدوان تركيا على الأمن المائي لسورية والعراق يأتي مكملا للعدوان العسكري التركي على البلدين العربيين وله تأثيره المدمّر على شعوب المنطقة، ما لم تتخل تركيا عن سياستها المائية العدوانية وتجد الدول الثلاث طريقة للتعاون وتقاسم المياه بطريقة عادلة ومنصفة.
ومن التحديات التي تواجه حل هذا الصراع غياب الثقة، ولا سيما تجاه تركيا صاحبة اليد العليا في العدوان والسيطرة على منابع النهرين.
ورغم التحديات، قد يمكن التوصل لبعض الحلول لتفاهمات حول مياه نهرَي دجلة والفرات، من بينها التوافق حول بناء مزيد من السدود والخزانات التي تحقق التنمية المستدامة في البلدان الثلاثة، والاستمرار في تدابير الحفاظ على المياه وكفاءتها، ووضع خطة إقليمية لإدارة المياه تعزز الثقة والتعاون.
وقد تسهم الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي في الوصول إلى توافقات تحد من النزعة العدوانية التركية ما يتناسب ومصالح الدول الثلاث.