كنت جالساً في الشرفة أراقب السماء ونجومها البرّاقة عندما رأيت شيئاً ما يقترب مني شيئاً فشيئاً ويرسل إشارات ضوئية بكل الألوان:الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر والبنفسجي.
هبط هذا الشيء لأكتشف أنه صحن طائر كنا نسمع عنه، ومن ثم ترجل شخصان فضائيان لا يشبهان بني البشر في شيء، وطلبا مني الصعود إلى الصحن الطائر فلبيت الأمر عن طيب خاطر، ذلك أنني أحلم منذ زمن طويل بأن أسافر بين الكواكب والنجوم هرباً من الأرض وهمومها ومشاكلها.
أغلقت الأبواب وطار الصحن بسرعة خيالية فبدت الأرض تصغر شيئاً فشيئاً.. الأشخاص.. الأشجار.. السيارات المحطات المطارات.
دخلنا إلى محطة فضاء هائلة تشبه تلك المحطات التي رأيناها في أفلام الخيال العلمي وحرب النجوم، واستقبلني عدة أشخاص يشبهون الشخصين اللذين اصطحباني من شرفتي، وللحق أقول لكم: لقد كان الاستقبال ودياً للغاية.
من دون مقدمات بدؤوا يطرحون عليّ الأسئلة، وبادرت إلى التعريف على نفسي فقاطعوني، وقال الذي يبدو أنه رئيسهم: نعرف اسمك واسم أمك وأبيك، نريد معلومات عن كوكبكم وبلدكم وطباعكم.
قلت: كوكب الأرض هو كوكبنا، ويطلقون علينا تسمية البشر ونحن على هذا بشر يحملون جنسيات مختلفة ويعتنقون ديانات مختلفة ويتحدثون بلغات مختلفة، فصاحوا جميعاً وبصوت واحد: وااو.
استغربت هذه الـ«وااو» فمن أين أتوا بها ومَن علمهم إياها، فضحكوا وقال لي زعيمهم: تعلمنا هذه اللفظة منكم، إلا كلمة للتعبير عن الدهشة؟ قلت: بلى.
المهم سألني زعيمهم:كأني فهمت منك أنكم تنتمون إلى دول وديانات وتتحدثون بلغات مختلفة فلماذا أنتم كذلك، هل هناك اختلافات فيزيولوجية بينكم؟ ألستم شعباً واحداً؟. فقلت: لا، على الإطلاق نحن شعوب وقبائل نتحارب ونتقاتل ونخوض الحروب.
سألوني: لماذا تتقاتلون فيما بينكم، فقلت: لازم تسأل فيروز عن الجواب، فقال: وما جواب فيروز، فقلت اسمع:
القمر بيضَوِّي عالناس.. والناس بيتقاتلوا
عَ مزارع الأرض الناس.. عَ حجار بيتقاتلوا
فقال زعيم الفضائيين: أيلي «أي يا إلهي بلهجة أهل ساحلنا الجميل»على أحجار تدور المعارك والحروب ويموت البشر؟
قلت وهناك ما هو أسوأ من ذلك، في كوكب الأرض تجدون الخيانة بكل أنواعها فردية وجماعية، ويوجد الغش والخداع والكذب والقبح والنكران وكل آفات البشر وفوق كل ذلك الجريمة بأبشع صورها.
كاد الفضائيون اللطف أن يذرفوا الدموع حزناً علينا نحن البشر الذين نتغنى بصفاتنا الإنسانية ونزعم أننا نقدس النفس البشرية ونحرص على حقوق الإنسان والحريات العامة والرفق بالحيوان وما إلى ذلك.
قال زعيم الفضائيين: أعانكم اللـه على حياتكم، فسألته:ألا توجد دول ولغات وديانات ومعتقدات مختلفة في كوكبكم؟ فأجابني: أبداً، ولو كانت هذه الأمور موجودة في كوكبنا لما بلغنا من التطور حداً يمكننا من الوصول إلى كوكبكم، ويا ليتنا ما وصلنا.
رجوتهم أن يأخذوني معهم إلى كوكبهم الجميل فرفضوا رفضاً قاطعاً، لكنهم سألوني ما أمنيتي قبل أن يعيدوني إلى الأرض: فقلت أريد أن أتحدث بكل لغات بني البشر، فاستجابوا لطلبي لكن بشرط أن أقول لهم سبب رغبتي في التحدث بكل لغات الأرض فقلت: لأن من تعلم لغة قوم أمن غدرهم، وأنا في كوكب عنوانه الغدر.
حتى الآن لا أعرف ما إذا زرعوا في دماغي شريحة إلكترونية تمكنني من التحدث بجميع اللغات أم لا، لكنني سأجرب عندما أقوم بجولة حول الأرض بعد استلام راتبي التقاعدي أول الشهر بإذن الله.