ثقافة وفن

أول مذيع يقرأ نشرة الأخبار في التلفزيون السوري … مروان شاهين.. الحضور عبر الصوت والصورة والألوان

| وائل العدس

غيّب الموت يوم الجمعة الماضي، الفنان التشكيلي والإعلامي السوري مروان شاهين، بعد مسيرة طويلة عمل خلالها على التعبير عن الجمال حيثما وجد، وبكل أشكاله في الطبيعة والمجتمع والحياة الإنسانية على اختلافها.

ونعت وزارة الثقافة السورية والوسط الثقافي والإعلامي الفنان الراحل الذي بدأ تجربته الفنية بالاعتماد على التحصيل الذاتي.

وكان الراحل أول مذيع يقرأ نشرة الأخبار حين تأسيس التلفزيون السوري، وله دور كبير بتعريف الجمهور على الفن التشكيلي العالمي بفضل ثقافته الفنية الواسعة من خلال فواصل تلفزيونية أنيقة وسهلة ومكثفة.

كما عمل على التعريف بالاتجاهات الحديثة في الفن التشكيلي السوري، حيث ظهر في برامجه لأول مرة على الشاشة فاتح المدرس ولؤي كيالي وسواهما من الفنانين التشكيليين الرواد.

ينتمي إلى الأشخاص الذين يصعب عليك الحديث عن تجربتهم الإبداعية بمعزل عن مجمل تجربتهم الحياتية وحضورهم الإنساني؛ فالرجل الذي تعرفه أجيال ستينيات القرن الماضي كأول مذيع أخبار، تذكره في الوقت ذاته كأحد الإعلاميين المتألقين الذين تركوا أثراً لا يمحى في ذاكرتهم من خلال عمله الإذاعي والتلفزيوني.

برع برسم «البورتريه» والمناظر الطبيعية، وساهمت مواهبه التي امتلكها منذ الصغر باعتلائه منصة الرواد الأوائل في مجال الإعلام الإذاعي والتلفزيوني.

لم يدرس الرسم في كلية فنية، غير أنه درس الفن دراسة خاصة، فقد أبدى اهتمامه في التعرف إلى التجارب الفنية المحلية والعالمية ما يتجاوز فعل كثيرين من الفنانين والأكاديميين، وحرص على تجربة التقنيات الفنية المتنوعة باحثاً عن أكثرها توافقاً وميوله مع مشاعر تنوس بين الألوان الزيتية والألوان المائية، وفي الحالتين كان اللون أكثر ما يلفت انتباهه، فظهر غنياً وفيراً ومملوءاً بالحيوية.

أقام الكثير من المعارض الفردية في سورية وخارجها، ولوحاته مقتناة في المتحف الوطني بدمشق ومجلس الوزراء ومجلس الشعب.

طفولة سعيدة

ولد الراحل في حمص عام 1930، وبرزت ميوله الفنية منذ طفولته التي عاشها بالقرب من ضفاف نهر العاصي، وقضى طفولة سعيدة، حيث كان محاطاً بأقرباء ساهموا بتفتحه الثقافي والفكري والسياسي، فزوج خالته الأمير فؤاد الشهابي تقلد مناصب سياسية مهمة، وكان يتحدث خمس لغات، ويمتلك مكتبة غنية، فلمس حبه للقراءة وغذى هذا الجانب؛ وكان يقص عليه الحكايات عن أهم الشخصيات السياسية أمثال فارس الخوري وشكيب أرسلان. وامتلاكه لجهاز راديو سمح له في التاسعة من عمره بالاطلاع على مجريات الحرب العالمية الثانية.

ولعب عمه عبد الكريم دوراً في تكوين شخصيته، وهو مدرّس ومفتش المعارف، وكان يمتلك مكتبة غنية وعامرة بالكتب والمجلات الأسبوعية الثقافية والمنوعة، وكان يحثه على حفظ أشعار المتنبي مع الشرح، ويعطيه أجرته عن كل بيت شعري.

أما خاله القاص والكاتب المسرحي مراد السباعي فهو من أهم الشخصيات في سورية، حيث كان رفيقه منذ الطفولة، فقد جذب الطفل باهتماماته؛ إذ كان يربي الحمام ويعتني بالزهور، وهو من علمه العزف وهو في الحادية عشرة من عمره، ولتأثره به كتب مسرحية وهو في الثانية عشرة من عمره.

أتقن اللغة الفرنسية منذ الصغر، وعندما حدث الاعتداء الفرنسي، أمر الرئيس شكري القوتلي بإغلاق جميع المدارس الفرنسية، وحينئذٍ أدرك والده أن المستقبل للغة الإنكليزية، وعليه تعلمها.

بين الفن والفلسفة

اكتشف قواعد الخطوط من النظر قبل معرفة مسمياتها، وكانت لديه تجارب جيدة بالخط والرسم، وبعمر 16 عاماً قرأ رواية «الشغف بالحياة» التي تدور حول حياة الفنان الهولندي فان كوخ وتأثر بها، وكانت دافعاً للاطلاع على تجارب الفنانين التشكيليين أينما أتيح له ذلك.

لم تكن دراسة الفن ممكنة لعدم وجود كلية للفنون، فاختار دراسة الفلسفة، لكن الحس الفني بقي مرافقاً له كظله، وبقي هاوياً للفن ويعود إلى الحضن الدافئ الملون كلما سنحت له الفرصة، فأقنع صديقه الفنان عبد الظاهر مراد الذي كان يعمل بمجال الرسم الهندسي بتجربة الرسم بالألوان المائية، وذلك ليشجع نفسه.

وكان لأستاذه بالمدرسة الفنان صبحي شعيب دور مهم في تعليمه إمساك الريشة، وتعلم الرسم بالألوان الزيتية. وفي الجامعة تعرف إلى الفنان أدهم إسماعيل وتصادقا، واستفاد من تجربته باعتباره أول من سلك الطريق الحديث.

المجال الإعلامي

وعن العمل في المجال الإعلامي وقصته مع الأخبار، فقد انتقل للبحث عن عمل بمدينة دمشق، وبالمصادفة علم عن مسابقة لتعيين مذيعين في الإذاعة، فتقدم للامتحانين الكتابي والشفهي، وأحرز المرتبة الأولى؛ وعُيّن معلقاً للأخبار عام 1957، وقدّم أول برنامج إذاعي ثقافي منوع بعنوان «ألوان»، حيث كانت الوحدة بين سورية ومصر، وقد تم تبادل مذيعين بين القاهرة ودمشق، وكان منهم، ومن شدة اشتياقه إلى دمشق أذاع مرة: «هنا الجمهورية العربية المتحدة في دمشق».

في عام 1960، طلبه مدير التلفزيون المصري السوري عبد الحميد يونس من مدير الإذاعة يحيى الشهابي للعمل بالتلفزيون، وعُيّن الدكتور صباح قباني مديراً للتلفزيون، وتمت المواظبة على البث من قاسيون لمدة سنة وثمانية أشهر، وكان يقدم البرامج الثقافية والرياضية، وأول برنامج قُدم كان في اليوم الثاني للبث، بعنوان «هذا الأسبوع».

بعدها قدّم برنامجاً ثقافياً باسم «ندوة الأسبوع»، فقد أجرى مقابلات مع أهم المفكرين والأدباء، أمثال مهدي الجواهري والأخطل الصغير وسعيد عقل عام 1961.

عودة إلى الرسم

انتقل مبنى التلفزيون أواخر عام 1962 إلى ساحة الأمويين، وبعد مدة قصيرة حدث الانفصال، فشعر بالحنين إلى الفن؛ وأقام معرضاً بالألوان الزيتية برعاية خالد العظم، الذي قال: «مروان صاحب بدائع في مجال الفن». أما معرضه التالي عام 1966 فقد أقامه في بيروت.

ثم كانت فرصة السفر إلى الكونغو لتدريس مادة الفلسفة، وهناك استهوته الطبيعة وألوانها، فكان يقف مبهوراً أمام هذا الجمال، حيث تعرف إلى عالم جديد ومبهر أغناه على الصعيدين الفني والإنساني، ورسم 40 لوحة خلال أربعة أشهر.

وعام 1967 أقام معرضاً بالزيتي في العاصمة كنشاسا بحضور كبار المسؤولين، وعندما علموا بمسيرته المهنية عُيّن مستشاراً للبرامج المدرسية في الإذاعة والتلفزيون، فوضع مخططاً للإقلاع، وأصبح يزور المدارس ويلتقي الطلاب المشاركين بالأنشطة الرياضية والثقافية، ونجح في عمله.

عاد بعد أربع سنوات إلى التلفزيون السوري، وعام 1975 عُيّن مديراً لمعهد الإعداد الإعلامي، وخرّج كوادر إعلامية مهمة، ثم أصبح مراسل «سانا» في روما فتعلم اللغة الإيطالية.

وشغف الرسم لم يغادره، فأقام معرضاً في المركز الثقافي السوري في باريس عام 1986، ثم عاد إلى سورية، واستقال من العمل الإعلامي، وتفرغ للفن، فأقام عدداً من المعارض في دمشق حتى عام 2011.

وفي العام نفسه أقام أول معرض بالمائي والباستيل، ورسم الطبيعة التي تأسره بقدر ما تعطيه حريته، وكثيراً ما ابتعد عن الواقع، وترك المجال للخيال، لكن ضمن الإطار الطبيعي للوحة، فالشكل الذي أمامه ليس التعبير عنه غاية في حد ذاتها، بل هو وسيلة للإحساس باللون ونقله.

يحدّثونك من القلب

أقامت وزارة الثقافة عام 2017 حفلاً تكريمياً لمروان شاهين في المركز الثقافي بدمشق، عُرض فيه فيلم تسجيلي بعنوان «يحدّثونك من القلب» من سيناريو وإعداد الباحث غسان كلاس.

بدأ الفيلم بعزف لشاهين على العود، وهي الهواية التي لم يعرفها الكثير من معجبيه عنه، ثم عرض الفيلم لبداياته الإعلامية، حيث شكّلت إذاعة دمشق مع التلفزيون السوري، مكاناً احتضن مجموعة من المبدعين، كانت بصماتهم واضحة فيما قدموه من برامج، في ظروف لم تكن سهلة، وكان شاهين واحداً منهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن