اقتصاد

لاجترار الأفكار حدود…!

| هني الحمدان

طبيعة الحياة في تغير، فلا شيء يبقى على صيرورته، حتى طباع البشر تغيرها الظروف وخاصة الاقتصادية والمعيشية، فما كان مألوفاً وسائداً منذ سنوات، لن يبقى كما كان، بمعنى التغيير مطلوب، ويجب أن يكون في كل مرفق وقطاع، وحتى على الأشخاص وأفكارهم وخاصة من يتسيد قيادة الإدارات والمؤسسات ويحتفظ بكرسي الوجاهة.

في وقتنا الحاضر، وما فرضته إيقاعات العولمة والتطلع نحو الذكاء الاصطناعي يتحتم على الجميع توسيع دائرة البحث الدائم عن الحلول والطرائق لكل المشكلات وسبل تعاطي أي شخص حسب موقعه مع تأمين احتياجاته أو أنشطته أو ما يعترضه من أزمات، فمسألة الحل الواحد، أو الطريق الواحدة، أو الفكرة الواحدة، لم تعد مقبولة ولا تتناسب مع المتغيرات التي طرأت على كل مناحي الحياة الشخصية والعامة، ففي المسائل الرسمية في الإدارات، حيث النمطية في التعاطي بالمراسلات الورقية وغيرها من تعقيدات، فهذا الإرث «الثر» مازال معششاً بعقول الإدارات الهزيلة قليلة الخبرة وضعيفة لروح المبادرات واجتراح حلول وأفكار تقود إلى تسطير قرارات تكون مناسبة وتضع حلاً ناجعاً لما يعتري من صعاب وتحديات..!

في إداراتنا ودوائر العمل وحتى طاولات صنع القرار لا تطغى على المسؤول في السلطة أو في أي تنظيم حزبي، أو أي مجال حيوي أو اجتماعي، سوى الفكرة الواحدة والتقليد الأعمى والشعارات ذاتها، فالأدلجة قائمة وتفرض تشعباتها بقوة، فإن لم تكن مؤدجلاً فلا تصلح، ومحكوم عليك بالفشل مهما كانت مؤهلاتك ومهنيتك وأخلاقك العالية، فلا تساوي شيئاً أمام «موروث» من رسخوا ذلك..!

للأسف نحن لا نملك سوى تلك القطعة من الموسيقا التي لم تعد تطرب أحداً، في اجتماعاتنا وخطاباتنا وجلساتنا، نرددها من دون قناعة..! المسؤول يردد العبارات المعهودة ليضمن ثباته كمسمار في الجدار، فالأفكار صارت مجترة إن وجدت.. إلى حد أن أي مواطن يمكنه توقع إجابة مسؤول في الكيمياء والذرة، أو الاقتصاد والتضخم ومسائل الشؤون المحلية، فلا أحد يريد إرهاق نفسه حتى بالاستماع إلى طريق جديد أو فكرة جديدة، حتى لو سمعها فسرعان ما يبدأ في وضع العراقيل أمامها وأمامه، من دون أي خشية أو رادع.!

لقد تغيرت المعرفة وأنماط الإدارة والتعاطي، وهؤلاء مازالوا يسكنون كهوفهم، وأصاب زمنهم التخثر، والخشية أن تنسد الشرايين وتكون الجلطة في أوج قدومها، ونحن نسكن اللحظة نفسها، ولا نسعى إلى تغيير أساليب أعمالنا وطرق التفكير، فعقارب الزمن نحو المستقبل يا سادة، وليس بمقدار ذلك الإرث النمطي البائد أن يحرك ساكنا… أتدرون ما هو عصر الذكاء الاصطناعي..؟، أتدرون أنه وصل لكل قطاع ومجال..؟ ألم يحن الوقت لتتغير فلسفاتكم وتؤمنون أن العلم والمعرفة عبر تقنياته ومفرزاته الحديثة قادر على الاستغناء عن الأشخاص الحقيقيين وأعمالهم، فلا المدير ولا المذيع ولا الإعلامي ولا العامل حتى وغيرهم بمنأى عن الاستغناء..؟

نقول لمن لا يملكون غير بضع عبارات اهترأت من التداول وليس لهم غيرها، أن للاجترار حدوداً، ومن ليس لديه ما يهديه من الخيل والمال عليه أن يسعد الناس بالنطق والكلام المقنع وهذا أضعف الإيمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن