قضايا وآراء

إن الصغار كبروا ولن ينسوا يا غولدا!

| منذر عيد

يحق القول الكثير الكثير في عملية «طوفان الأقصى» سواء من جهة الإشادة بفعل المقاومة من تكتيك في أسلوب الهجوم، والتحضير الاستخباراتي، والتنسيق بين صنوف الوحدات المشاركة، برية وجوية وبحرية، الأمر الذي أدخل الكيان الصهيوني في حالة من الصدمة فلم يستوعب ما حدث إلا بعد مضي ساعات وساعات حيث فعلت المقاومة ما تبتغيه، كما يحق قول الكثير في حالة الخذلان والانكسار التي هيمنت على جميع المستويات الإسرائيلية العسكرية والسياسية والمجتمعية، حيث اختصر الإعلام الإسرائيلي حالة كيانه بقوله: لقد قامت المقاومة بإركاع إسرائيل على ركبتيها.

في السابع من تشرين الأول 2023 نكأت المقاومة الفلسطينية «جراح» الكيان التي أحدثتها معركة 6 تشرين الأول 1973 والتي لم تندمل بشكل كامل في ذاكرة قادة العدو، بل إن «طوفان الأقصى» أحدث زلزالاً في إسرائيل أدخلها في صدمة وحيرة وإرباك شديدين، ورسمت معالم النصر والهزيمة منذ لحظاتها الأولى، من خلال اتخاذ المقاومة مبادرة الهجوم، وكسر معادلة المواجهة مع العدو للمرة الأولى منذ قيام الكيان الصهيوني، إضافة إلى قيام رجال المقاومة بأسر وقتل وإصابة آلاف الجنود والمستوطنين الصهاينة، لتؤكد وسائل إعلام العدو في اللحظات الأولى أنّ «إسرائيل لا سيطرة لها على ما يحصل حتى الآن في غلاف غزة»، وأنّ «هناك من لم يدرك بعد حجم ما يحدث».

فشلت مستويات الكيان الصهيوني العسكرية والسياسية، من استيعاب هول المفاجأة، وتحليل ما يجري من فعل فلسطيني مقاوم، اجتاز طوق الحصار المفروض على قطاع غزة، وإعادة التحكم بزمام الأمور، إلا بعد مضي 48 ساعة، ليعكس ذلك عدم جهوزية المؤسسة العسكرية للعدو للتعامل مع مثل وضع كهذا، وصولاً إلى عجزها عن التصدي لما جرى أو السيطرة عليه، وهو ما دفع موقع «المونيتور» الأميركي إلى التساؤل في بداية العملية بالقول: «أين كان سلاح الجو عندما دمرت آليات ثقيلة السياج ودخلت سيارات الجيب والدراجات النارية إلى إسرائيل؟ كيف تمكن مقاتلو حماس من التسلل إلى قواعد الجيش الإسرائيلي والاستيلاء عليها وقتل جنود وجنديات وأسر بعضهم والعودة سالمين إلى غزة»؟ ليؤكد الموقع أنه ستتم محاسبة جميع المستويات الاستخباراتية الإسرائيلية وسيتم سؤالهم كيف فشلوا في ملاحظة التخطيط لعملية بهذا الحجم منذ أشهر، وكيف سحقت قوة حماس الحاجز الحدودي الذي تبلغ تكلفته مليارات «الشواكل».

الهستيريا الإسرائيلية نتيجة حصاد «طوفان الأقصى»، وعجز قادة الكيان الصهيوني عن مواجهة الفعل المقاوم عسكرياً، دفع بها إلى الانتقام من السكان المدنيين في قطاع غزة عبر شن مئات الغارات الجوية التي أسفرت عن إلحاق إضرار هائلة في البنى التحتية والمباني السكنية واستشهاد مئات الفلسطينيين العزل، لتنقل مجلة «فورين بوليسي» عن البروفسور في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ستيفن وولت قوله في هذا الشأن: «إن إسرائيل أعلنت حرباً شاملة من أجل الحفاظ على وضع قائم لم يعد من الممكن الحفاظ عليه».

وإذا ما تطرقنا لكلام وولت فإن الوضع القائم لم ولن يقف عند المتغيرات التي أحدثتها عملية «طوفان الأقصى» فالأبواب مفتوحة، إذا ما ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى حماقة أكبر بشن عدوان بري على القطاع، وتمادى أكثر في مجازره ضد المدنيين الفلسطينيين، فالأنباء تتحدث عن أيادي دول محور المقاومة من سورية إلى إيران والعراق ولبنان بمقاومته واليمن بـ«أنصار الله»، على مقابض أبواب جديدة سيتم فتحها على الجنبات الأربع لفلسطين المحتلة، وهو ما أكده قبل يومين رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين بالقول: «على نتنياهو أن يعرف أن هذه المعركة ليست معركة أهل غزة والضفة فقط لكن المسؤولية تحتم على كل أهلنا في الأمة الإسلامية والعربية ألا يكونوا على الحياد ونحن في هذه المعركة لسنا على الحياد»، وبطبيعة الحال دخول حزب الله المعركة يعني وحدة قرار دول محور المقاومة جمعاء، رغم محاولة الولايات المتحدة الأميركية العربدة وإطلاق التهديدات بتدخلها إلى جانب «صبيها المدلل» في وجه أي محاولة لتدخل طرف ثالث في المعركة.

من المبكر الحديث والخوض في نتائج ومآلات أحداث 7 تشرين، يوم نفرت المقاومة في «طوفان الأقصى»، لكن من المؤكد أنه رغم الإجرام الصهيوني في غزة وما سيجري على الأرض من دمار وضحايا وتضحيات، فإنه سينتج عنه خريطة سياسية جديدة، وبداية تحول في البيئة السياسية في المنطقة، وسيتم تسجيل العملية على أنها انعطافة قوية وحادة في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، تجعل القضية الفلسطينية من جديد أولوية في المنطقة، وهنا لا بد من التأكيد والرد على مقولة غولدا مائير: «الكبار سيموتون والصغار ينسون»، وهي رابع رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية، بأنّ الصغار في فلسطين كبروا ولم ينسوا وأذلوا الكيان، ويجهزون مبضعهم لإزالة الكتلة السرطانية من المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن