في المعاركِ والحروب غالباً ما يتم التركيز على المجازرِ التي تُرتكب على الأرض، قد تكون هذهِ المجازر بفعل الآلةِ العسكرية كما يحدث اليوم في قطاع غزة، حيث العدو الجبان الذي لا يملك شجاعةَ المواجهة على الأرض فيضطر لحرق الأخضر واليابس بسلاح الطيران، قد تكون هذه المجازر بفعلِ البشر كما كان يحدث مع التنظيمات الإرهابية في سورية عندما كانت تقوم بتصفيةِ قرى كاملة طلباً لجنان الخلد، لكن في واقع الأمر دائماً هناك مجزرة من نوعٍ آخر لا يكترث بها أحد، تضيع في غياهبِ القتل والدمار وهي المجزرة الإعلامية التي يرتكبها الكثير من الإعلام بمعزلٍ عن اللغة التي ينطق بها، وفي العدوان الصهيوني المستمر على أهلنا في قطاعِ غزة لم يختلف الأمر لكن ما تبدل هو الأسلوب.
قيلَ يوماً بأن «الضحية الأكبر في المعارك والحروب هي الحقيقة»، هذا في المعارك التقليدية لكن في الصراعات التاريخية يبدو أن الحقيقة ليست ضحية بقدرِ ما هي صناعة يُنجزها الأكثر سطوة إعلامياً، ويجعلها أشبهَ بأسلحة الرمي التمهيدي التي تسبق المعارك الحاسمة، على سبيلِ المثال غالباً ما يُتهم الإعلام الحكومي لدولٍ مثل سورية أو روسيا وحتى كوريا الديمقراطية والصين بأنهُ إعلام موجه لا يستطيع الخروج قيدَ أنملة عن التعليمات التي تصلهُ من الأجهزة الأمنية أو المؤسسة العسكرية، طيب لنفترض مصداقية هذا الادعاء، فماذا عن الطرف الآخر؟
من يتابع الإعلام الغربي هذهِ الأيام يدرك تماماً بأن القضية تعدت إلى حد بعيد فكرة الاتهامات التي يوجهونها للإعلام الآخر، على الإعلام الرسمي الفرنسي مثلاً لابد لأي تقريرٍ عما يجري في الأراضي المحتلة أن يتحدث عن مقاربة الأسلوب الذي اتبعته حركات المقاومة خلال سيطرتها على عدد كبير من المستوطنات وأسرها عدداً كبيراً من الجنود بأسلوب «داعش»، من تتم استضافتهم من منطلق ما يسمونها بـ«شهادات حية» عندما يتحدثون عما شاهدوهُ يذكرونَ عبارة «كما كانت تفعل داعش» أكثر من مرة، أما ضيوف الاستوديو من مسؤولين أو محللين فعليهم تكرار القصة مراتٍ عدة خلال الحوار ذاته لدرجةٍ هناكَ من تحدث فعلياً أن حماس هي الوجه الآخر لـ«داعش»، القصة لم تقف عندَ الإعلام الفرنسي فالإعلام الألماني سارَ على النحو ذاته تحديداً فيما يتعلق بموضوع «اغتصاب النساء في المستوطنات» أما الإعلام البريطاني فحدث ولا حرج، لكن الأمر لم يتوقف عندَ هذا الحد، فالرئيس الأميركي جون بايدن سارَ سير المسؤولين الصهاينة وأعادَ مرات عدة مقاربة أسلوب حركات المقاومة بأسلوب داعش، تُرى هل من كلمةِ سرٍّ وُزعت على هؤلاء لكي يوحدوا الخطاب؟
نعم، ومن لا يعتقد ذلك فهو حكماً بحاجةٍ لمصحٍّ عقلي، ومن لا يزال مبهوراً بالتجارب الديمقراطية الإعلامية فعليهِ أن يُراجع قدراته العقلية قبل الإنسانية، هناك هدف طويل الأمد يسعى إليه من يقف وراءَ هذا الإعلام ويعطيهِ التعليمات من خلال المقاربة بين حركات المقاومة وداعش، يتعدى كما يقول البعض فكرة تسويغ ما تقوم بهِ آلة الإجرام الصهيونية في غزة، وربما من المفارقة أن تهمةَ دعم الإرهاب كانت جاهزة لتوزعها الولايات المتحدة على من لا يعجبها سلوكه، اليوم بعدَ انكشاف صلتها بالكثير من تلك الجماعات باتت تهمة «داعش» جاهزة لتسويغ ما هو قادم.. ثم يأتي أبله ليحدثنا عن الرأي والرأي الآخر؟!