لعل الموافقة الحكومية مؤخراً على تنفيذ مشروع ربط مصبات الصرف الصحي لمدينة النبك، مع موقع محطة المعالجة، غني بالمعاني والدلالات، وجدير بالتشجيع والمتابعة حتى تنفيذه.
لقد تقرر في وقت سابق بناء محطة معالجة في مدينة النبك إحدى كبرى مدن محافظة ريف دمشق، وجرى بالفعل حفر موقع بناء المحطة على يد شركة قاسيون الحكومية مطلع الألفية الثالثة، وتأخر تنفيذها -كالعادة- فاقترب منها التوسع العمراني في المدينة، وعندما ظهرت بوادر تنفيذها، ارتفعت أصوات كثيرة مطالبة بتغيير موقعها كي تكون بعيدة عن الأماكن السكنية، لكن الوزارة المعنية- الإسكان- آنذاك، رفضت لسببين: الأول أنه قد تم إنفاق 50 مليون ليرة على الدراسات والمصورات والحفريات الضخمة، والثاني أن أي موقع آخر سيتم اختياره سيواجه برفض مماثل خوفاً من الروائح والحشرات، (علماً أن محطة مضايا التي أنجزت في العام 2008 ، في سهل الزبداني، شكلت منعطفا كبيراً في تطور تقنية معالجة النفايات السائلة من دون روائح واخزة)، ثم جاءت الحرب الجائرة على سورية وأنهت زمن الإنشاء والتعمير، واستبدله الإرهابيون بتدمير المنشآت والمؤسسات والأبنية القائمة. إن الموافقة التي أشرنا إليها، تشجع على بناء محطة المعالجة ليتحقق الإنجازان في وقت واحد (نقل المصبات من جهة، ووجود المحطة من جهة أخرى)، وهذا مهم جداً لمدينة النبك وهي من المدن الكبيرة في محافظة ريف دمشق ومحاطة ببادية شاسعة ومعدل أمطارها (104 مم في السنة)، ما يجبر على ري الخضر وأشجار الفواكه بمياه الصرف الصحي…!! ولعل في ذلك مساوئ كبرى من أهمها أن الري بمياه المجارير ينشر أمراضاً خطيرة بين الناس، الذين يستهلكون المنتجات الزراعة الواردة من تلك الأراضي من دون غسلها أو تعقيمها، عبر نقعها بالخل لربع ساعة على الأقل أو بالكلور المخفف جداً بالماء (ليتر ماء زائد ملعقة كلور صغيرة) لتعقيم البقدونس والبقلة والنعناع والفجل والخيار… الخ)، ثم غسلها بالماء مرة ثانية. ومن تلك الأمراض الزحار والإسهالات الحادة والكوليرا وشلل الأطفال واليرقان… الخ.
بيد أن المسألة أبعد بكثير من أن تحصر بالنبك، إننا نستفيد من هذا الخبر للإلحاح على الاهتمام بملف معالجة النفايات السائلة مرة ثانية، كحل عملي جزئي، لموضوع النقص الفادح في مياه الري على الصعيد الوطني نقص يتفاقم مع ازدياد حرارة الأرض وتعاقب موجات الجفاف وجفاف الينابيع والأنهار.
كل مدننا وقرانا تحتاج إلى ماء معالج، للخلاص من الآثار البيئية السلبية جداً للمياه الآسنة الناجمة عن الفضلات السائلة، والمياه المالحة تؤدي إلى تملح التربة لتصبح غير صالحة للزراعة.
وإذا كنا نطالب بالمازوت والأسمدة كي ننتج من أرضنا الزراعة، فالري يحتل الأولوية، والماء حياة الزراعة.
ويجب أن نعلم أن الحل العالمي المطروح حالياً، هو معالجة مياه الصرف الصحي، لسد العجز الكبير في موارد المياه للري -على الأقل- إذ إن المعالجة الثالثية أتاحت التوصل إلى ماء نقي صالح للشرب مع ما هو متاح من مواد تعقيم.
إن دولة مثل فرنسا تملك الكثير من الأنهار الكبيرة والغزيرة، تروي 20 بالمئة من أراضيها من مياه النفايات السائلة المعالجة في المحطات.
إن سعينا إلى الخروج من الأزمة المعيشية الضاغطة والصعبة جداً، يتطلب أن ننتج أكثر، إن الوفرة في الإنتاج سبيلنا إلى خفض الأسعار ومضاعفة الصادرات وتقليص المستوردات، وتحقيق وفر في القطع الأجنبي.
وما من شك أن زيادة المساحات المروية هي السبيل لتحقيق هذه الغاية، وبما أن الحديث انطلق من خبر عن النبك وهي جزء من القلمون السوري المشهور بسخاء المغتربين، ومساهماتهم الجليلة في بناء صروح كبيرة، إنتاجية وخدمية، فإن الإنجاز المطلوب لمنظومة معالجة مياه الصرف الصحي في النبك، يحتاج إلى أياديهم البيضاء.