قضايا وآراء

جيش الاحتلال ومحاولة الالتفاف على هزيمته الميدانية

| تحسين حلبي

اعترف أقدم محلل عسكري إسرائيلي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي أول من أمس الجمعة، وهو الذي خدم في سلاح المخابرات وتحول إلى محلل عسكري نقل أخبار كل حروب الكيان الإسرائيلي منذ حرب حزيران 1967 حتى هذه الحرب الأخيرة التي أطلق عليها اسم «السبت الأسود 7/10/2023» بأن «القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية كررت إخفاقها الاستراتيجي المزمن أمام الفلسطينيين هذه المرة ومن ناحية تكتيكية واستخباراتية أيضاً»، وكشف أن «المجموعات المسلحة التي تمكنت من العبور إلى داخل المستوطنات بعد تدمير السياج الفاصل قامت بنصب الكمائن على مفارق الطرق وبدأت بقتل الجنود الإسرائيليين الذين جرى استدعاؤهم إلى المستوطنات لحماية المستوطنين، وبعد نجاح هذه المجموعات بقتل عدد من الجنود، بدؤوا يدخلون إلى أزقة وأحياء المستوطنات ويقتلون المزيد».

ويبين بن يشاي أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ارتكبت أخطاء، أولها الخطأ الاستراتيجي الذي جعلها تعتقد أن المنظمات الفلسطينية لا تخطط لأي مفاجآت، وثاني هذه الأخطاء أن القيادة الإسرائيلية ولدت عند قادة المنظمات انطباعا بأن خطة الخداع سوف تنجح حين صدق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن عدم مشاركة منظمة حماس في أيار 2021 أثناء عملية «سيف القدس» التي أطلقت فيها حركة الجهاد الإسلامي وحدها الصواريخ، يعني أن حماس تفضل التهدئة وتحقيق مكاسب اقتصادية للقطاع ولا تنوي شن أي هجوم»، وأضاف بن يشاي إن «الخطأ الثالث هو وثوق قيادة الجيش بقدرة الأجهزة الإلكترونية الحساسة على الكشف عن أي اختراق للسياج الفاصل، فقد تمكنت منظمات المقاومة من التغلب على هذه الأجهزة رغم وجود جنود يراقبون عملها بشكل دائم»، ويذكر أن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك كان قد كشف في عدد من تحليلاته التي نشرها في عدد من الصحف الإسرائيلية أن الجيش عاجز عن مواجهة أي حرب واعتمد في استنتاجه هذا على المعلومات التي استخلصها من اختصاصه في استقبال المجندين الجدد وفرزهم على اختصاصات الجيش ومتابعته لاحتياجات مختلف الفرق والوحدات.

وفي هذا الانتصار الميداني الواضح الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية خلال الأيام السبعة، وما كبدته من خسائر بشرية في صفوف جنود الاحتلال ومع استمرار صمودها وفعالياتها في المجابهة العسكرية، يبدو من الواضح أن إسرائيل ستحاول الآن الالتفاف على نتائج هزيمتها الميدانية بالإسراع نحو البحث عن أي حل وسط يضمن لها إيقاف النار، فإسرائيل لن تستطيع تحقيق أي حسم في إنهاء قدرة المقاومة، وهذا ما تثبته جميع حروبها القديمة والجديدة، ففي كل حرب تكون فيها مهزومة بالميدان نجدها تسارع نحو توظيف حليفها الأميركي لإنقاذها عن طريق إيقاف إطلاق النار، وهذا ما ظهر في كل حروبها على قطاع غزة منذ عام 2008 حين اجتاحته بعدد كبير من قواتها ولم تنجح بتصفية المقاومة وإمكاناتها، والكل كان يرى أنه مهما بلغت خسائر المقاومة إلا أنها تبقى في الميدان ولا ينهار شعبها وتلجأ إلى استنزاف جيش الاحتلال وإلى زيادة قدراتها العسكرية القتالية، أما الكيان الإسرائيلي فإن مضاعفات خسائره البشرية والمعنوية في هزيمة ميدانية بهذا الحجم وبلغة الأرقام (1600 قتيل و6000 جريح وما يزيد على 150 أسيراً) ولمدة سبعة أيام متتالية والمعركة مستمرة، ستكون كارثة بالنسبة إليه ولا يمكنه استيعابها بسرعة أو تجاوزها بشكل يجعله قادراً على الاستمرار فيها، ولا ننسى أن الإصابات النفسية الحادة لعشرات الآلاف من المستوطنين بسبب الذعر والهلع الذي رافقهم كل هذه الساعات والأيام ستكلف الكيان ثمناً باهظاً لأنها ستتطلب من القسم الخاص بالتعامل مع الإصابات النفسية استنفار آلاف الأطباء والعيادات النفسية ولمدة علاج تزيد على 20 يوماً، وسينتج عنها شللاً كاملاً في حياة وعمل المصابين، وفي الأمس تماماً بدأت أصوات المصابين بالصدمات النفسية تزداد وتعلو وتعلن أن المصابين نفسياً ما عادوا يتحملون سماع أصوات صفارات الإنذار التي يطلقها الجيش لتحذير المستوطنين من خطر سقوط صاروخ يتجه نحو مستوطنتهم أو شارع بيتهم ويرغبون بالخروج من هذه الدوامة، وهذا ما يدل على أن المجتمع الاستيطاني هش قابل للكسر أثناء مثل هذه المجابهات وخاصة بعد أن أدرك المستوطنون أن أقدام رجال المقاومة وصلت إلى أحيائهم في مستوطنات غلاف قطاع غزة وأسرت جنوداً من بينهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن