لا شك في أن ما حققته المقاومة في يوم السابع من شهر تشرين الأول الجاري، كان كبيراً، وصاحبته صدمة إستراتيجية عاشتها إسرائيل ولا تزال تعيشها حتى الآن من حيث:
• عدم توقع تدفق الآلاف من الفلسطينيين إلى مناطق غلاف غزة.
• المكاسب التي تحققت ومنها اقتحام مواقع عسكرية.
• دخول بعض من المناطق السرية والإستراتيجية العسكرية في مناطق الغلاف.
• سقوط المئات من القتلى من الإسرائيليين واختطاف العشرات إلى غزة.
الحديث هنا لا يمثل حديثاً عادياً أو تقليدياً ولكنه يمثل تغيراً فرضته المقاومة ليس فقط على إسرائيل ولكن على العالم بأكمله، وهو أمر في منتهى الدقة.
غير أن السؤال المهم الآن: وماذا بعد؟
أتذكر هنا حديث للرئيس الأب الراحل حافظ الأسد الذي تحدث عن الحرب وتحديدا حرب 1973 والانتصار الذي تحقق، ولكنه أعترف بأن الإنجاز العسكري يجب أن يتبعه تحركات ميدانية لا تقل أهمية وحساسية عن هذا الإنجاز، وهو ما قاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات رغم الخلاف الذي نشب بين الزعيمين وقت حرب تشرين الأول 1973، وكان للسادات جملة شهيرة وهي أن كلاً من مصر أو سورية أو أي دولة على جبهة القتال، لا تحارب إسرائيل، ولكنهم يحاربون الولايات المتحدة.
من هنا فإنني اعتقد أن ما أوصانا به الرئيس الأب حافظ الأسد ومن بعده السادات يفرض علينا بعضاً من النقاط ومنها:
• إن الهدف العسكري يجب أن يكون محسوب العواقب.
• الضربة العسكرية والانتصار مهمان ولكن ماذا بعد؟
• ما موقف الدول المحيطة بقطاع غزة عقب هذه الضربة؟
• ما موقف العالم من هذه الضربة؟
عموماً وفي اعتقادي الشخصي أن المقاومة أو الجهة التي دعمت المقاومة من أجل القيام بهذه العملية تصورت النقاط التالية:
• إن إسرائيل لن تتحرك أو ترد هذه الضربة وخاصة مع وجود العديد من الأسرى من مواطنيها في قبضة حماس والجهاد الإسلامي.
• إن إسرائيل لن تتحرك عسكرياً سريعاً مع وجود بعض من المعلومات العسكرية الخاصة التي حصل عليها المقاتلون من قاعدة غزة.
• لم تتصور المقاومة مثلاً هذا الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل والمتمثل في إرسال حاملة الطائرة الأميركية أيزنهاور التي ستلتحق بحاملة الطائرات جيرالد فورد لدعم الجيش الإسرائيلي.
ومن هنا نستطيع القول بكل تجرد أكاديمي إن الواقع أتى تماماً على غير ذلك، حيث تعاملت إسرائيل بسرعة مع هذه الضربات، بل وقامت وبحسم بتوجيه ضربات ليس فقط للمقاومة ولكن لمختلف المواقع في غزة.
غير أن تطورات الموقف الإستراتيجي حالياً في المنطقة فرضت الكثير من التحديات وخاصة أننا بتنا أمام بعض من الحقائق المصيرية وهي:
• رفض مصري تام لفتح معبر رفح بدعوى أن تدفق الفلسطينيين إلى سيناء سيشبه تماماً تدفقهم إلى سورية أو الأردن أو غزة وسيقوم للنهاية.
• اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن نقاش هذه العملية من صميم عمله الخاص الذي لن يتسامح فيه، بمعنى أنه لن يسمح للفلسطينيين بالعبور والإقامة في سيناء.
• هناك رأي عام في إسرائيل يتبلور حالياً سواء على الصعيد السياسي أو الأكاديمي يشير إلى أهمية نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، الأمر الذي يفسر رد فعل القاهرة السريع والحاسم إزاء هذه النقطة.
عموما فإن التقدير الإستراتيجي لما يجري في المنطقة حالياً يشير إلى الآتي:
• إن الوضع لن يعود إلى ما قبل السابع من تشرين الأول.
• إن التغيرات الإستراتيجية التي تحصل في العالم تتواصل بلا توقف.
• إن العالم في مجمله حالياً يتفاعل ويؤيد الرواية الإسرائيلية.
• غير أن هناك نقطة إستراتيجية أخرى تتمثل في الدور الروسي والإيراني المرتقب حالياً، وخاصة أن روسيا لم تقل كلمتها بعد في ظل انشغالها بالحرب الأوكرانية، فضلاً عن أن إيران تحاول جاهدة العمل سياسياً لرؤية أفق هذه الأزمة وتداعياتها المتواصلة.