من دفتر الوطن

استراحة وهمية!

| عصام داري

يحق لنا بين الفينة والأخرى استراحة مؤقتة من هموم ومشاكل الحياة التي تحاصرنا من كل الجوانب وتكتم أنفاسنا إلى درجة نشعر معها أننا مجرد آلات تعمل بلا كلل ولا ملل من دون أن يحق لها مجرد الاعتراض.

أخطف اليوم وريقات كنت على مدى أعوام أخربش عليها ألحاني الفوضوية، وكلماتي الماجنة حيناً، والرزينة أحياناً، لكنها في كل ما فيها من فوضى وفرح وحزن وحب وغضب واحتجاجات هي أنا، بتقلباتي ومزاجيتي اللعينة، ورغبتي في الخروج من المألوف، إلى المتمرد، والراغب في عالم الحرية المصلوبة.

ومع ذلك أجد أن الكلمات تختفي من أمامي، تخونني أبجدية عشت في دارها عشرات الأعوام على وئام وعلاقات عشق، تهجرني الأحرف مبتعدة في ركن قصي أو قارة جديدة لم يكتشفها الإنسان بعد.

هكذا أجد نفسي عاجزاً عن التعبير من خلال الكتابة عما أشعر به، فألجأ إلى لغة الصمت مستنسخا ما قاله نزار قباني: (فالصمت في حرم الجمال.. جمال) ونحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة المنحوسة إلى الجمال والحب والكلمة الطيبة.

نحن اليوم نحتاج إلى قصيدة بحجم وطن، ومعزوفة تختصر كل موسيقا الكون، بحاجة إلى فضاءات أوكسجين للتعويض عن مليارات الملوثات في هوائنا وأنفسنا ومجتمعنا وفيما يدور حولنا في عالم التناقضات والأعاجيب.

بين حزن بحجم وطن، وطرب بحجم حلم، تتسابق أيامنا وسنوات عمرنا، تمضي مسرعة كشريط سينمائي يروي قصتنا مع معاركنا اليومية في حياة صاخبة.

يحق لنا استراحة قصيرة يسميها البعض استراحة محارب، وربما هي كذلك، فنحن نحارب على جبهات الحياة، ربما تكون هذه الحرب أكثر قسوة من الحروب على جبهات القتال.

في هذه الاستراحة اليوم اكتشفت أنني تعبت من الكتابة والكلام والشكوى، وهي شكوى جماعية بطبيعة الحال، لكن كل ذلك لا يغير طبيعة الأشياء فالصباح يأتي وحيداً، لا ينتظر دعوتنا له، أو تصنيف الألحان والمقامات، كل يغني على وطنه وليس على ليلاه، وعلى مواويل بقايا ليلة سكر فيها القمر، وداخت الأرواح، وننتظر أن تحمل الأيام القادمة أملاً في زمن اليأس والتأمل.

لم تعد تكفينا لحظة تأمل لنقرأ ما جرى لنا عبر سنوات الجمر والضياع، أصبحنا بحاجة إلى دهور من التأمل والغوص في الأعماق كي نكفّر عن أخطائنا التي اقترفناها، عندها قد نجد ساعة هاربة من الزمن نمضيها في سعادة حقيقية لم تمر سابقاً في تاريخنا الذي تحده من الشمال الأحزان، ومن الشرق البؤس، ومن الغرب الفوضى والجريمة والرذيلة، ومن الجنوب الفقر، ستأتي تلك الساعة الفرحة لا محالة.

ونعود ونراهن كل صباح على أن يومنا هذا سيكون أفضل من الأمس، نكسب الرهان حيناً، ونخسر أحياناً وننتظر الغد لندخل في رهان جديد، وأمل جديد، وإشراقة شمس تبعث الدفء في أوصالنا المتعبة.

وهكذا انتهت استراحتي الوهمية، فمازلت في الواقع أخوض معركة الحياة التي لا نهاية لها، لكنها ستنتهي يوماً ما!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن