ثقافة وفن

العمارة والنحت في شمالي سورية القديمة… نموذج «بيت حيلاني» بنيت وفقه القصور الملكية والإدارة والاستقبال

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان « العمارة والنحت في شمالي سورية القديمة- في عصر الحديد (1200- 550 ق. م)، تأليف د. علا المهدي التونسي، تقع في 351 صفحة من القطع الكبير، وتعالج هذه الدراسة قضية التنظيم المدني في منطقة شمالي سورية القديمة في عصر الحديد وتبرز سماته واختلافه عن العمران في عصور البرونز من جهة وعن العمران في العواصم المجاورة في عصر الحديد من جهة أخرى.

فقد تميز العمران والنحت في عواصم هذه الممالك المنتشرة في شمالي سورية وجنوب شرقي تركيا بخصائص واضحة تميزه عن العمران والفن في مدن وعواصم الحضارات المجاورة، وبسبب طبيعة هذه الممالك المعقدة وكثرة احتكاكها بالدولة الآشورية كثيراً ما نظر إلى هذه الثقافة على أنها وريثة عناصر غريبة عن سورية، فنسب الكثير من خصائصها الفنية والمعمارية إما إلى الثقافة الحديثة أو ثقافة الدولة الآشورية الحديثة.

إلا أن هذه الدراسة دلت على أن الممالك الشمالية طورت خصائص حضارية وسمات محلية خاصة بها ومختلفة عن الثقافات المجاورة، وأظهرت من جهة أخرى أنها أعادت إحياء تقاليد معمارية كانت شائعة ومستخدمة في سورية منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد.

ولتسهيل هذه الدراسة ولكي تكون أكثر شمولاً كان لا بد من دراسة العمارة في فصل خاص، ومن ثم دراسة النحت في قسم آخر منفصل، وذلك بعد التطرق لعدد من الإشكاليات التاريخية المهمة كتمهيد يساعد على فهم خصوصية ممالك شمالي سورية في عصر الحديد. ويعنى باب العمارة في وصف أهم المدن الملكية في منطقة شمالي سورية خلال عصر الحديد الأول والثاني، وهي فترة تأسيس تلك المدن والفترة التي خضعت خلالها إلى ترميمات وإعادة بناء بعد دمار أصابها بشكل كامل.

أما باب النحت فيعنى بإبراز أهمية النحت في عصر الحديد واختلافه عن النحت في العصور السابقة وعن النحت في الحضارات المجاورة، ولقد أطلقنا على النحت في المنطقة الشمالية من سورية اسم «الفن الملكي» لأنه من تنفيذ الملوك واستخدم كوسيلة خطاب وإعلان رسمية وأداة تعبير عن مقاصد وغايات مختلفة.

المدن الملكية

وفي البداية تبين د. علا أن الممالك السورية المنتشرة في المنطقة الشمالية من سورية القديمة أسست عواصم لها بين القرنين الحادي عشر والثامن قبل الميلاد، وقد تميزت هذه العواصم بقلاعها المسورة والمرتفعة التي احتوت على مجموعة الأبنية الرسمية والتي أنشئت في مجمع معماري خاص أطلقت عليه اسم «المجمع الملكي».

وتشير إلى أن المجمعات الملكية تقع في القلاع أي في المدن المرتفعة ولكل مجمع بوابة خاصة به أو بوابتان غالباً، وعلى هذه القلاع بنيت أيضاً القصور الآشورية عندما وقعت هذه المدن تحت سيطرة الدولة الآشورية الحديثة في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد وأحاطت المدن المنخفضة بالقلاع وكانت مقر السكن والمزارات الجنائزية.

وتوضح أن هذه العواصم أطلق عليها في النصوص القديمة مدناً ملكية، ولقد خلّد ملوك تلك الممالك نظراً لتأسيسهم مدنهم الملكية في نقوشهم على الأبنية الرسمية وبوابات المدن والنصب والتماثيل.

طراز سوري

وتتحدث الكاتبة في دراستها عن طراز «بيت حيلاني» الذي اشتهر في شمالي سورية خلال عصر الحديد، وبنيت وفقه القصور الملكية وقصور الإدارة والاستقبال.

وتؤكد أن الأبنية المنتمية لهذا الطراز تتميز بمدخل عريض يتقدمه رواق، يقوم سقفه المرتفع والشاهق على الأعمدة المشيدة في عرض المدخل، التي كانت قواعدها غالباً منحوتة بأشكال الأسود الرابضة، ومن ميزات هذا الطراز ارتباط رواقه ببرج الدرج الواقع على أحد جانبيه، ومن المفترض أن هذا الدرج يؤدي إلى سطح البناء أو إلى طابق ثان، وتتميز هذه الأبنية أيضاً بأن رواق الدخول فيها يفضي مباشرة إلى غرفة رئيسية مستطيلة بشكل عرضي مرتبطة بدورها بعدد من الغرف الملحقة بها.

وكمثال عن ذلك تتناول قصر الملك كابارا، قائلة: «بني قصر الملك كابارا وفق الطراز السوري الشهير «بيت حيلاني» في منتصف القرن العاشر قبل الميلاد، وهو قصر ضخم شيد من اللبن غير المشوي على مصطبة مرتفعة، وكما تدل أبعاده فإن طوله يبلغ ضعفي عرضه، ويقع مدخله الرئيسي والوحيد على الجانب الشمالي، أحيط القصر بساحة القلعة المرصوفة بجزأيها: المنخفض يقع جنوبي القصر، والمرتفع يقع شماله. كما سبق مدخل القصر وواجهته الثرية بالمنحوتات والتماثيل بمصطبة خاصة ارتفعت بمقدار 1.5م عن المحيط رصفت أرضيتها بأحجار بيضاء، ويوجد مقابل رواق الدخول ذي التماثيل درج يفضي مباشرة إلى باحة أمامية مؤطرة بجدران خاصة تفصلها عن الساحة المرتفعة الواقعة أمامها».

غزارة منحوتات

وفي معرض دراستها عن النحت تبين د. علا أن عصر الحديد تميز بغزارة المنحوتات مقارنة مع عصور سابقة واختلاف أنواعها. أما الأورثوستات- أي الألواح الحجرية المشار إليها آنفاً أو الأسود الحارسة للبوابات- فهي أعمال النحت الوحيدة التي اشتهرت بها ممالك شمالي سورية في عصر الحديد، بل إن أنواعاً أخرى من النحت أضخم من تلك الألواح استخدمت بغزارة أيضاً، وهي المسلات والتماثيل وكانت أيضاً هذه الأوابد منفذة من الملوك.

وتشير إلى أن المسلات تتألف من لوح حجري واحد مصقول بشكل مستطيل وقمة مستديرة أو قمة مستقيمة بأطراف مدورة، ويتم النحت إما على وجه المسلة الأمامي وإما على جميع أوجه المسلة، وتترافق المشاهد المنحوتة أحياناً مع النصوص المكتوبة والمنقوشة إلى جانب المشهد المصور، كما يمكن أن تحمل المسلة نصاً مكتوباً من دون مشهد منحوت.

وتوضح أن المسلة تختلف عن الأورثوستات بأنها تنصب بشكل حر غير ملاصق للجدران، أما التماثيل فهي تتشابه مع المسلات من حيث كونها مشكّلة من كتل حجرية واحدة وضخمة، ولكنه لا يصقل وإنما ينحت بأشكال إنسانية أو بأشكال الحيوانات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن