نزار قباني والقضية الفلسطينية في شعر باق … سقوا فلسطين أحلاماً ملونة وأطعموها سخيف القول والخطبا
| الوطن
اقرأ
عن السويس والأردن والجولان
والمدائن السبيّة
عن الذين يعبرون النهر نحو الضفة الغربية
هل يا طويل العمر في بلاطكم
خريطة صغيرة للضفة الغربية؟
منذ ذلك اليوم يسأل نزار قباني عن الضفة الغربية، مئة عام مرت على ميلاده، جاءت النكبة فأجبرته على خلع ثوب الجمال المترف، أبعدته عن المرأة المثال، قالوا: لم يخرج من مخدع النساء! ولكن الحال العربي أخرج نزاراً، حوّل لسانه العاشق إلى لسان غاضب.
وراح بأظفاره يخدش وجه القمر، ليحوله إلى فدائي يقدم روحه لوطنه، صار نزار يرتدي الكوفية الفلسطينية، وصارت فلسطين هويته التي يحيا بها ويباهي بانتمائه إليها، فصار صوت شعراء الأرض المحتلة.. في كل زاوية، في كل بيت، في كل قافية صارت فلسطين والقدس الهمّ الشاغل له، وحين بحث الموسيقار محمد عبد الوهاب عن شعر يليق بأم كلثوم كانت قصيدة نزار رائعة الزمن، وهوية الفدائي (طريق واحد).
طريق واحد
أريد بندقيه..
خاتم أمي بعته
من أجل بندقيه
محفظتي رهنتها
دفاتري رهنتها
من أجل بندقيه..
اللغة التي بها درسنا
الكتب التي بها قرأنا..
قصائد الشعر التي حفظنا
ليست تساوي درهماً..
أمام بندقيه..
****
أصبح عندي الآن بندقيه..
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدليه
إلى القباب الخضر.. والحجارة النبيه
عشرون عاماً.. وأنا
أبحث عن أرضٍ وعن هويه
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
أبحث عن طفولتي..
وعن رفاق حارتي..
عن كتبي.. عن صوري..
عن كل ركنٍ دافئٍ.. وكل مزهريه..
****
أصبح عندي الآن بندقيه
إلى فلسطين خذوني معكم
يا أيها الرجال..
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أريد.. أن أنبت في ترابها
زيتونةً، أو حقل برتقال..
أو زهرةً شذيه
قولوا.. لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي.. صارت هي القضيه..
****
أصبح عندي الآن بندقيه..
أصبحت في قائمة الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنيه..
مشيئة الأقدار لا تردني
أنا الذي أغير الأقدار
****
يا أيها الثوار..
في القدس، في الخليل،
في بيسان، في الأغوار..
في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا..
تقدموا..
فقصة السلام مسرحيه..
والعدل مسرحيه..
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ
يمر من فوهة بندقيه..
وللقدس سلام
القدس عروس المدائن، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، القدس وما تمثله للإنسان المؤمن مسيحياً ومسلماً، وارتباطها الكبير بالوجدان الإيماني، ولكونها محطة في رحلة الإسراء والمعراج، وذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) تحولت هذه المدينة المقدسة إلى رمز وأيقونة، من الأقصى إلى الصخرة إلى القيامة، من المسيح إلى محمد عليهما السلام إلى عمر رضي الله عنه وعهوده ومواثيقه فكانت القدس أغنية دائمة في زمن صلاح الدين، وتبقى ما بقيت الحياة، لذلك أخذت مكانها في كل قصيدة نزارية عن فلسطين، بل خصّها بقصيدة تحمل اسمها:
القدس
بكيت.. حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
ركعت.. حتى ملني الركوع
سألت عن محمد، فيك وعن يسوع
يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء
يا قدس، يا منارة الشرائع
يا طفلةً مدينةً محروقة الأصابع
حزينةٌ عيناك، يا مدينة البتول
يا واحةً ظليلةً مر بها الرسول
حزينةٌ حجارة الشوارع
حزينةٌ مآذن الجوامع
يا قدس، يا جميلةً تلتف بالسواد
من يقرع الأجراس في كنيسة القيامة؟
صبيحة الآحاد..
من يحمل الألعاب للأولاد؟
في ليلة الميلاد..
يا قدس، يا مدينة الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجول في الأجفان
من يوقف العدوان؟
عليك، يا لؤلؤة الأديان
من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟
من ينقذ الإنجيل؟
من ينقذ القرآن؟
من ينقذ المسيح ممن قتلوا المسيح؟
من ينقذ الإنسان؟
يا قدس.. يا مدينتي
يا قدس.. يا حبيبتي
غداً.. غداً.. سيزهر الليمون
وتفرح السنابل الخضراء والغصون
وتضحك العيون..
وترجع الحمائم المهاجرة..
إلى السقوف الطاهره
ويرجع الأطفال يلعبون
ويلتقي الآباء والبنون
على رباك الزاهرة..
يا بلدي..
يا بلد السلام والزيتون
ذاكرة الألم
استخرج نزار مبضعه بكل ما فيه من ألم ذاتي وعام، وأخذ يشرّح مقدار الألم الكبير في الأمة، وكانت فلسطين غايته، وكانت القدس رمزه الذي يتحدث عنه، وفي رائعته (من مفكرة عاشق دمشقي) عام 1971، وعند لقائه بدمشق بعد غياب، بعد أن يبث شوقه لمعشوقته الشام، تنهره القدس فيقول لها:
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
أدمت سياط حزيران ظهورهم
فأدمنوها وباسوا كف من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟
سقوا فلسطين أحلاماً ملونة
وأطعموها سخيف القول والخطبا
عاشوا على هامش الأحداث ما انتفضوا
للأرض منهوبة والعرض مغتصبا
وخلفوا القدس فوق الوحل عارية
تبيح عزة نهديها لمن رغبا
هل من فلسطين مكتوب يطمئنني
عمن كتبت إليه وهو ما كتبا
وعن بساتين ليمون وعن حلم
يزداد عني ابتعاداً كلما اقتربا
أيا فلسطين من يهديك زنبقة
ومن يعيد لك البيت الذي خربا
تلفتي تجدينا في مباذلنا
من يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا
فواحد أعمت الدنيا بصيرته
فللخنى والغواني كل ما وهبا
وواحد ببحار النفط مغتسل
قد ضاق بالخيش لبساً فارتدى القصبا
وواحد نرجسي في سريرته
وواحد من دم الأحرار قد شربا
إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي
على العصور فإني أرفض النسبا