تبدو صورة العمل الإداري في المؤسسات الحكومية مغايرة لما يتم العمل به وما يصدر من قرارات تتعلق بالتنمية الإدارية، فثمة إجراءات وتعليمات لا تحقق بيئة العمل الإداري في واقعها الراهن، فالواقع يشير إلى أن نسبة عالية من الوقت يذهب لإنجاز الأعمال الروتينية والإجرائية في حين المطلوب هو عكس هذا الواقع وإصلاحه.
ما زلنا نتابع ونتأمل المشهد في عملية الإصلاح الإداري رغم أنه لم يتبلور بعد، لكن يبدو أن هذا المشهد لازال يفتقد للسمات الرئيسة التي تجعل منه سياسة إصلاح وتنمية بالمعنى المتعارف عليه.
ويبدو أن بعض القرارات والإجراءات أربكت العديد من الجهات العامة من جهة، وألحقت الظلم ببعض الموظفين وبعض الذين يتولون مهام إدارية في المؤسسات العامة.
نأخذ مثالاً من التوصيف الوظيفي الذي عرفه الجميع عبر تاريخ الوظيفة العامة في الدولة على أنه نموذج يوضح للموظفين جميع المسؤوليات والمهام التي يجب القيام بها عند تقلده لوظيفة معينة، حيث يعد جزءاً من عملية التعاقد يضمن الموظف من خلالها عدم تنفيذه لمهام خارج نطاق عمله.
وهو عملية اختيار الموظفين وتعيينهم من خلال قياس قدرات المرشحين للوظيفة على وفق المهام المطلوبة والتعرف إلى مدى قدرة المتقدم على تنفيذ الأعمال المطلوبة قبل التوظيف.
ثمة إشكالية اليوم تكاد تكون عصية على أي حل وهي أن عدم تطابق أو توافق بعض القرارات الجديدة مع الوضع الراهن لعدد كبير من العاملين في الدولة رغم مضي سنوات على توظيفهم، فهل من المنطق أن يتم اختبارهم من جديد حتى يتبين أنهم في مكانهم المناسب الذي يتطابق مع القرارات الجديدة للتنمية الإدارية.
أعرف زميلاً في الصحافة يعمل بصفة محرر صحفي منذ سنوات، اليوم إدارة مؤسسته لا تستطيع أن تمنحه حتى وثيقة بأنه يعمل بصفة محرر صحفي لأن (زمن الأول تحول) وتغيرت الأسس والمعايير وتبدلت المسطرة التي يقاس بها التوصيف.
بالتأكيد نحن مع الإصلاح والتطوير وتحديث التوصيفات والتشدد في التوظيف والتعيين، لكن بأي معيار نعود إلى الوراء ليتم تطبيق كل ما هو جديد على القديم أيضاً، وإلا فإن موضوع التطوير الإداري يكاد يدخل ضمن دائرة المهام المستحيلة أو أنه لم يخرج من دائرة التنظير.