اقتصاد

الحكومة لا تحابي المشروعات الصغيرة … مدير هيئة المشروعات لـ«الوطن»: لا يوجد قوانين خاصة تحفيزية لها وما زالت بعيدة عن تأمين احتياجاتها التشريعية

| جلنار العلي

يكاد لا يخلو أي حديث اقتصادي يهدف إلى إيجاد حلول لتحسين الاقتصاد السوري، من عبارات مفادها أن إيلاء الأهمية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يعد المنقذ الوحيد للاقتصاد، والملاحظ أن الحكومة أيضاً تتحدث كثيراً عن قوانينها المشجعة لهذه المشاريع التي ستؤدي حتماً إلى مزيد من الإنتاج وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي المنشود، ولكن المعروف أن هذه المشاريع تحتاج إلى كثير من التسهيلات لتستمر أو لتقام على أرض الواقع، فما التسهيلات المقدمة؟ وما انعكاسها على هذه المشاريع؟

مدير عام هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب إسمندر اعتبر في لقاء مع «الوطن»، أنه لا يوجد قوانين خاصة تحفيزية بقطاع المشروعات الصغيرة الذي مايزال بعيداً عن تأمين احتياجاته التشريعية، موضحاً أن معظم القوانين الموجودة إما تتعلق بالمشروعات الكبيرة كقانون الاستثمار رقم 18، أو بالمشروعات متناهية الصغر كالقانون رقم 8 الخاص ببنوك التمويل الأصغر، لافتاً إلى أنه مع ذلك يتم تقديم الخدمات لهذا القطاع من خلال الهيئة عبر برامج مختلفة، بعضها تتعلق بالتأهيل والتدريب كبرنامج طالبي العمل والتدريب من أجل التشغيل المضمون، وأخرى تستهدف شريحة أصحاب المشاريع النوعية والمختلفة عن الحالة التقليدية الموجودة في سوق العمل كبرنامج ريادة الأعمال، أما بعضها الآخر فيتعلق بالتسويق والترويج وتطوير قدرة نفاذ هذه المشروعات إلى الأسواق، وأيضاً هناك برامج تتعلق بتسهيل نفاذ المشروعات إلى التمويل حسب احتياجاتها.

وكشف إسمندر عن وجود نحو 7000 مشروع استفاد من البرامج المذكورة خلال العام الحالي، مشيراً إلى أن قطاع المشروعات في سورية كبير نسبياً وما زالت البيانات الإحصائية المتعلقة به في طور التجهيز والتحضير، حيث نفّذت الهيئة بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء تعداداً شاملاً للمنشآت الاقتصادية والاجتماعية في سورية، والآن يتم تطوير وتحديث هذه البيانات للوصول إلى عدد أكثر دقة، علماً أن آخر إحصائية أجريت عام 2021 وقد بلغ عدد المشروعات 777957 مشروعاً، لكن وصل عدد المشروعات التي تعمل على أرض الواقع إلى 461 ألف مشروع، إذ يوجد هناك نسبة توقف كبيرة للمشروعات تجاوزت الـ40 بالمئة وذلك لأسباب عديدة منها: تدمير قسم من هذه المشروعات بشكل كامل أو جزئي، أو نتيجة لغياب أصحابها، أو لأن بعضها كانت تواجه خسائر بسبب الظروف الاقتصادية فقرر أصحابها إغلاقها، إضافة إلى أن بعض المشروعات يعاني من تضرر بالآلات وخطوط الإنتاج ويحتاج إلى توفير قطع غيار، وهناك مشروعات أخرى لديها نقص في اليد العاملة الماهرة والمؤهلة بشكل جيد، وبعضها لديها مشكلة رأسمال عامل.

وفي سياق متصل، أكد إسمندر ضرورة إحاطة قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ببيئة أعمال مواتية ومحابية له، لافتاً إلى أن العمل حالياً على هذا القطاع يجري في إطار حكومي متكامل، فهناك الكثير من الجهات الحكومية برئاسة وزارة الاقتصاد ومشاركة مختلف الوزارات والجهات تقوم بإعداد إستراتيجية وطنية لتنمية هذا القطاع بمختلف جوانبه التشريعية والقانونية والتنظيمية والمؤسساتية أو بما يتعلق بالكوادر البشرية وتأهيلها، وتحديث قواعد البيانات المطلوبة وما إلى ذلك، متوقعاً إحداث واقع جديد مختلف في المستقبل عند الانتهاء من هذا العمل، مؤكداً أن الحكومة تعوّل بشكل كبير على هذا القطاع لحل مشكلات البطالة والفقر ونقص الإنتاج في بعض الأحيان وغير ذلك من المشكلات التي تؤثر سلباً في الاقتصاد السوري.

ومن جهة أخرى، اعتبر إسمندر أن بنوك التمويل الأصغر التي تعد جهات رئيسية في تمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تغطي احتياج سوق تمويل هذه المشروعات بنسبة تتراوح بين 6-7 بالمئة فقط، علماً أن الحاجة تفوق ذلك بكثير، لذا تحاول الهيئة التواصل مع بنوك أخرى كالبنوك التقليدية على سبيل المثال لإطلاق منتجات مصرفية تستهدف سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقد تم الوصول إلى مراحل متقدمة فهناك بنوك بدأت بإطلاق هذه المنتجات كالمصرف التجاري، والآن تجري المباحثات مع بنك آخر لإطلاق منتج نوعي مفضلاً عدم الحديث عنه الآن، مشيراً إلى أن فوائد القروض تختلف بحسب المصرف والمنتجات ولكنها تتراوح بين 14-16 بالمئة، مؤكداً أن الهيئة لا تموّل المشاريع بشكل مباشر، وإنما تعد وسيطاً بين صاحب المشروع والجهة التمويلية، وتستطيع أيضاً أن توجه هذا المشروع إلى المصدر التمويلي الأنسب ومساعدته على اختيار المنتج بشكل مناسب ويمكن أن تقدم بعض الخدمات للمشروع التي تجعل تكلفته في الحد الأدنى الممكن.

ولم ينفِ إسمندر أن المشاريع الصغيرة تتأثر بشكل كبير من بعض الإجراءات الإدارية الموجودة أو الإجراءات المالية منها الضرائب مثلاً والاشتراطات الفنية المختلفة، متابعاً: «ونحن نتفهم أن قسماً من هذه الإجراءات يجب أن تبقى موجودة لما لها من علاقة بالعملية التنظيمية المتبعة في الاقتصاد السوري وطريقة الاستثمار فيه، ولكن في الوقت ذاته نحاول حل هذه المشكلات، وهذا الأمر سيتضح بشكل ملموس بعد استكمال الإستراتيجية الوطنية لتمويل المشروعات».

وفي السياق، أشار إسمندر إلى أن تسهيلات الهيئة تتمثل في عدة أمور أولها أن كل الخدمات المقدّمة مجّانية مثل البرامج التدريبية للمشاريع أو دراسة الجدوى الاقتصادية وخطة العمل أو تقديم الدراسات الفنية المطلوبة للحصول على تمويل، كما تقدم الهيئة للمشروعات علامة تجارية وسجلاً تجارياً معفى من الضرائب لمدة 5 سنوات، كما أنها تقدم للمشروعات فرصة التواصل مع عملاء ووكلاء محتملين، كما تساعد الهيئة المشروعات للحصول على التراخيص الإدارية اللازمة لإطلاق المشروع.

الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور علي محمد، قال في تصريحه لـ«الوطن»: «تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو 99 بالمئة من إجمالي الاقتصاد السوري، وكانت تشكل نحو 60 بالمئة من الناتج المحلي وتمتص 60 بالمئة من العمالة، وتشكل نحو 75 بالمئة من الضرائب والرسوم، أي إننا نتحدث هنا عن الاقتصاد السوري كله»، معتبراً أن تمويل وتفعيل المشروعات الصغيرة والمتوسطة شعار لكل الحكومات السورية المتعاقبة، ونظراً لما يمثله هذا القطاع من أهمية للاقتصاد السوري كان يجب الاهتمام به منذ عام 2017، ولكن طوال الفترة الماضية لم تُزَل العوائق التي تعترض هذه المشروعات من جهة المشاكل التمويلية أو التسويقية أو الإدارية وسواها من المشاكل، التي ما تزال باقية حتى هذا اليوم.

وأضاف محمد: إنه خلال الأعوام الأخيرة، تم إصدار القانون رقم 8 لعام 2020 المتعلق بتأسيس مصارف التمويل الأصغر بغية توجيه التمويل لهذه المشروعات بشكل أساسي، لكن ما تزال هذه المصارف التي يبلغ عددها أربعة، في بداية إطلاقها وهناك تفاوت في أدائها من مصرف إلى آخر، فالمتتبع لأرقام التمويل في هذه المصارف يرى أنها نمت بين عامي 2020-2021 بنسبة 83 بالمئة أي من 30 مليار ليرة إلى 55 مليار ليرة، وبالمقابل فإن ما تم منحه من التسهيلات الإئتمانية من إجمالي المصارف في سورية سواء مصارف التمويل الأصغر أم المصارف الخاصة البالغ عددها 14 مصرفاً، لا يتعدى نحو 74 مليار ليرة منذ عام 2021 من أصل محفظة 1493 مليار ليرة، أي إن نسبة التمويل في العام المذكور لا تتجاوز 5 بالمئة من إجمالي محفظة المصارف كاملة في سورية، وهذا يدل على ضعف التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يضيف عقبة تمويلية لم تحل، لكون هذه المصارف لم تستطع حتى اللحظة حل هذه المشكلة.

وأكد الباحث محمد أن الأرقام التي ذكرها تعد أرقاماً مجرّدة، فلم يتم أخذ التضخم الذي أصاب الاقتصاد السوري بالاعتبار، وحاجة هذه المشروعات المتزايدة للأموال والتمويل، متطرقاً إلى عقبة أخرى تواجه القطاع وهي الضمانات المقدمة لقاء التسهيلات الممنوحة من المصارف، فمؤسسة ضمان مخاطر القروض المتوسطة والصغيرة المحدثة عام 2016 بدأت العمل على تقديم ضمانات لقاء هذا التمويل، ولكن تحتاج هذه الخطوات إلى وقت نظراً لأسباب كثيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن