في عام 1997، وبعد مرور مئة عام على أول مؤتمر صهيوني في عام 1897، كتب اليعازار شفايد الذي تعده الحركة الصهيونية أهم المفكرين وخصوصاً بعد منحه ما يسمى «جائزة إسرائيل في الفكر والسياسة» بحثاً عرض فيه الوضع الراهن في ذلك الوقت وركز فيه على مضاعفات حرب تشرين الأول عام 1973، أي بعد مرور 24 عاماً، وضرورة إيجاد الحلول للصعوبات التي فرضتها على المجتمع الاستيطاني.
كشف شفايد في بحثه عدداً من تلك المضاعفات وأولها أن «الجنود الإسرائيليين الذين فوجئوا بحرب تشرين وتلقوا صدمتها في الأيام الأولى للحرب على الجبهتين السورية من شمال فلسطين والمصرية من جنوبها، ازدادت تأثيرات الصدمة والفزع في نفوسهم حين شعروا أنهم وحدهم الذين يتعرضون للموت، على حين تعيش بقية يهود العالم في سلام ودون أخطار الحروب»، واعترف أن وقع هذه الصدمة على أولئك الشباب كان قاسياً جداً إلى حد جعل نسبة منهم تميل إلى التفكير بعدم البقاء في إسرائيل بعد اجتياح لبنان عام 1982 حين جرى استدعاؤهم لخدمة احتياطية في أثناء الحرب على لبنان.
وبالمقارنة مع الجيل الراهن في مرحلة الألفية الثالثة، لا أحد يجب أن يشك في أن المفاجأة التي اجترحتها المقاومة الفلسطينية في السابع من شهر تشرين الأول الجاري وحققت بواسطتها عبور المقاتلين بأسلحتهم وقنابلهم من قطاع غزة إلى داخل أحيائهم الاستيطانية ومواقعهم العسكرية، حملت صدمة تفوق بحجمها ومضاعفاتها تلك الصدمة السابقة.
فقد نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في 15 من تشرين الأول الجاري ما جاء في المداخلة التي ألقاها وزير المالية الإسرائيلي الأكثر تطرفاً باتسليئيل سموتريتش وقال فيها في جلسة الحكومة الأمنية المصغرة: «إنني أتحمل المسؤولية عما جرى حتى الآن على يد الفلسطينيين وعما سوف يجري أيضاً، فنحن نمر ومعنا كل الإسرائيليين بمرحلة قاسية جداً، فالضربة التي تلقيناها تعد أكبر ما شهدنا وشهدته إسرائيل من المذابح المروعة في التاريخ، فقد شهدنا قسوة عنف لا يصدق لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ويجب علينا الاعتراف بصدق وألم بأننا فشلنا في حماية أمن الإسرائيليين»، وأضاف: «منذ بداية الحركة الصهيونية وسيطرة اليهود على هذه البلاد لم نصل إلى هذه الدرجة الهائلة من الألم».
وكرر إقراره قائلاً: «لا بد من الاعتراف بصدق وألم وبرأسٍ منحنٍ أننا أخفقنا كقيادة لهذه الدولة وكمنظومة أمنية في حماية الإسرائيليين، ولم ننجح في تحقيق العقد غير المكتوب والأول في قيمته بين الدولة والمستوطنين وهو العقد الذي كتب بالدم وها هو يكتب مرة أخرة بالدم».
وليس من المبالغة الاعتقاد أن مضاعفات هذه الهزيمة لكيان مدجج بكل أنواع السلاح والدعم المالي والعسكري والسياسي من معظم دول الغرب الاستعمارية وفي مقدمها أميركا، ستشكل سلسلة هزائم متتالية في مجالات كثيرة مقبلة على الكيان والمستوطنين بل على المشروع الصهيوني كله، ويبدو أن هذه الحقيقة أدركها سموتريتش، أشرس الوزراء الصهيونيين الحاقدين حين قال أمام حكومته المصغرة لحماية الأمن والشؤون الإستراتيجية إنه «يتحمل المسؤولية لما جرى ولما سوف يجري»، والمقصود هنا مضاعفات هذه الهزيمة التي ستظهر على شكل زيادة كبيرة في أعداد المستوطنين الذين سيغادرون الكيان مهزومين مذعورين إلى أوطانهم التي جيء بهم منها في القرن الماضي، فقد تبين من استطلاعات الرأي الإسرائيلية أن 50 بالمئة من الإسرائيليين يفكرون بمغادرة الكيان من دون عودة بعد هذه الهزيمة، وهم يدركون أنهم يحملون جنسيات أوطانهم السابقة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وروسيا، ولا بد أن الكثيرين من الإسرائيليين تأكدوا الآن أكثر من أي وقت مضى أن قوة جيشهم ومخابراتهم لا يمكن الاعتماد عليها في حمايتهم من أصحاب الأرض التاريخيين مثلما لا يمكن الاعتماد على القوة الأميركية العسكرية في حمايتهم من الفلسطينيين، وأن كل العرب والمسلمين على استعداد لمحاربتهم من أجل استعاد الوطن الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية، ولن يكون بمقدور حاملتي طائرات أميركية إرهاب الفلسطينيين ومن يقف داعماً لهم في مجابهة ثكنة الغرب الاستعمارية على أرض فلسطين.