قضايا وآراء

هذه بضاعتكم ردت إليكم

| منذر عيد

إعجاز المقاومة عبر عملية «طوفان الأقصى» هو الأول من نوعه لجهة التخطيط والتوقيت والتنفيذ، والسرعة وجغرافية العمليات العسكرية، منذ إعلان زرع الكيان الصهيوني في المنطقة قبل أكثر من خمسة وسبعين عاماً، كل ذلك أصاب الكيان في مقتل، لم يستطع رغم مضي عشرة أيام على بدء الطوفان من استيعاب ما جرى، أو لملمة تداعياته.

الفشل الإسرائيلي في استعادة زمام الأمور، وإدراك قادة الاحتلال الإسرائيلي بأن زيف ما يدعون من «قوة لا تقهر» وجبروت لا يمكن لأحد كسره، قد ذهب مع الساعات الأولى لإعلان عملية «طوفان الأقصى» وانتشار صور الجنود الإسرائيليين وهم يَجرون كأسرى أذلاء إلى قطاع غزة، فكان لابد من تسويق صورة تشوه العمل الفلسطيني المقاوم، ومن هنا عملت آلة الإعلام الصهيوني، مدعومة بحراك سياسي أميركي وبريطاني وفرنسي إلى تعويم صورة أن الكيان الصهيوني يتعرض إلى مجازر ترتكبها مجموعات سمتها بـ«الإرهابية»، وبأن رجال المقاومة الفلسطينية عملوا على قتل الأطفال والنساء الصهاينة وقاموا بالتمثيل في جثثهم، بالتزامن مع قيام داعمي الكيان الصهيوني على شن حملة تعتيم على الصورة الأصلية لحقيقة ما يجري وما جرى من قتل الشعب الفلسطيني بشكل ممنهج، عبر آلاف المجازر، وتهجيره من أرضه، وتدمير ممتلكاته، منذ قيام الكيان الصهيوني وزرعه غُدة سرطانية في المنطقة.

في حقيقة الأمر «طوفان الأقصى» لم تكن عملية فعل، بل هي ردة فعل، على ما قام به الاحتلال الإسرائيلي طوال سنوات منذ عام 1937، وما قامت به عصابتا «الإنسل وليحي» الصهيونيتان في السادس من آذار ذاك العام وقيامهما بإلقاء قنبلة على سوق حيفا، ما أدى إلى استشهاد 18 مواطناً عربياً، وإصابة 38 آخرين بجراح، إلى مجازر عصابات الهاجاناه وشتيرن والإرجون وجيش الاحتلال الإسرائيلي، من مذابح أبرزها: بلدة الشيخ 1947، دير ياسين 1948، قرية أبو شوشة 1948، الطنطورة 1948، قبية 1953، قلقيلية 1956، كفر قاسم 1956، خان يونس 1956، تل الزعتر 1976، صبرا وشاتيلا 1982، المسجد الأقصى 1990، الحرم الإبراهيمي 1994، مخيم جنين 2002، إضافة إلى الكثير والكثير من المجازر مثل: عين الزيتون، بيت دراس، اللد، الرملة، الدوايمة، حيث يؤكد «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» ومقره في بيروت، أن عدد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في الفترة بين 1937 و1948، زادت عن 75 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد فلسطيني، فضلاً عن إصابة الآلاف.

قادة الكيان الصهيوني عملوا جاهدين لإخفاء وطمس حقيقية تلك المجازر، إلا أن شواهد تاريخية كـ«المقابر الجماعية» وشهادات لجنود إسرائيليين شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم، ظلّت دليلاً دامغاً على وقوعها، لتؤكد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عام 2019، أن فرقاً من وزارة الحرب الإسرائيلية أزالت منذ أوائل العقد الماضي مجموعات من الوثائق التاريخية لإخفاء دليل النكبة والفظائع التي رافقتها، كما حاولت إخفاء شهادة من جنرالات الصهاينة حول قتل المدنيين وهدم القرى، أو طرد البدو خلال العقد الأول من قيام الكيان الصهيوني.

وعليه، وبعد سردنا لغيض من فيض ما قامت به عصابات الكيان الصهيوني، فإن عملية طوفان الأقصى، وجميع ما تقوم به فصائل المقاومة الفلسطينية ليس إلا دفاعاً عن النفس، وحقاً مشروعاً لإعادة حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، وبأن «طوفان الأقصى» ردة فعل على الإجرام الصهيوني، الأمر الذي أكده الخبير الأميركي، في الشؤون السياسية، إيان لوستيك في مقال بالمجلة الأميركية «فورين بوليسي» أن عملية «طوفان الأقصى» جاءت نتاجاً طبيعياً لما يعانيه الفلسطينيون منذ عقود، داعياً إلى ضرورة تحديد مسبّبات ما حدث ومعالجتها، قائلا إنّ: «الموضوع يعود إلى حال البؤس وسجن سكان القطاع».

وشدّد الكاتب على ضرورة تغيير الإطار المرجعي إذا ما كان المراد معرفة أسباب ما حدث، وقال: «إنّ عملية «طوفان الأقصى» ليست ناتجة عن «شر فلسطيني أو إسلامي»، بل إنها ناتجة عمّا يعانيه سكان قطاع غزة على مدار عقود».

إذا كانت وحدة المصير والأوجاع والأسباب دفعت دول محور المقاومة إلى وحدة الساحات والجبهات، فإنه لا عجب أن تدفع وحدة التطرف والعنصرية الدول الاستعمارية، أميركا وفرنسا وبريطانيا، إلى وحدة «الإبادة» إلى جانب الكيان الصهيوني، وخاصة أن تلك الدول قامت في أساسها على دم الشعوب المستضعفة وسرقة خيراتها، وإبادة السكان الأصليين كما حدث في أميركا، فلا عجب أن يأتي رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن إلى هذا الكيان، ويجلس وزير خارجيته أنتوني بلينكن على طاولة «كابينت الحرب» الإسرائيلية وهم نسل قتلة الهنود الحمر، ليكونا حاضرين في جريمة قتل الأطفال في فلسطين المحتلة، ويشاركا في سرقة أرض الشعب الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن