قضايا وآراء

لن يعوض بايدن ومن معه ما فقده الكيان

| تحسين حلبي

لم يحدث في كل تاريخ الحروب التي شنها الكيان الإسرائيلي منذ عام 1948 أن اجتمع فيه خلال 48 ساعة ثلاثة رؤساء من الدول التي احتلت البلدان العربية بعد الحرب العالمية الأولى وقسمتها واغتصبت فلسطين لإنشاء كيان صهيوني فيها، فمنذ أمس الأربعاء في 18 تشرين الأول الجاري حتى يوم الخميس سيكون قد حضر إلى تل أبيب الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة بريطانيا نيك ريشي سوناك ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون وهي الدول الثلاث التي صنعت الكيان واعتادت دعمه بكل أسلحة القتل التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وضد كل العرب المجاورين لفلسطين طوال قرن من الزمن، وقد رفع الثلاثة مع رابعهم الألماني أولاف شولتس شعار «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» وكأن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة « يقوم بعدوان عليها»! بينما يعرف العالم كله وليس الذين صنعوا هذا الكيان ووظفوه لقتل الفلسطينيين والعرب أنهم حين يأتون إليها يكونون قد أعلنوا أن «من حق إسرائيل الدفاع عن اغتصاب فلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية» وليس الدفاع عن نفسها، فهم يريدون منها الآن إبادة شعب فلسطين لكي تبقى إسرائيل ثكنتهم وقاعدتهم المتقدمة القوية للسيطرة على المنطقة كلها، ولم يحدث في تاريخ هذه القوى الاستعمارية الكبرى أن حشدت قرب سواحل فلسطين والدول العربية أكبر حاملتي طائرات أميركيتين معززتين ببوارج حربية بريطانية تحمل فيها كل أدوات القتل والذخائر لهذا الكيان، وتمركزت هذه الترسانة غير المسبوقة في المنطقة لمواجهة شعب من مليوني نسمة داخل قطاع ضيق شكل أول أرض حررتها المقاومة بفضل من كان وما زال يدعمها من أطراف محور المقاومة.

فقد نجحت فصائل المقاومة من هذا القطاع الصغير المحرر المحاصر منذ 18 عاماً بتكبيد جيش الاحتلال هزيمة مذهلة وقع له فيها خسائر بشرية وبإصابة مستوطناته بالصواريخ التي وصلت إلى تل أبيب، وبأسر أكثر من مئتين من جنوده ومن المستوطنين المسلحين فتزلزلت أركان قدراته وانهارت إرادة ومعنويات جنوده وقادته والمستوطنين، فشكلت هذه الضربات المستمرة خلال عشرة أيام حتى الآن بداية الهزيمة للمشروع الصهيوني الذي أرادت القوى الاستعمارية الكبرى فرضه على هذا العالم العربي والإسلامي في المنطقة وجن جنون قادتها فسارعت إلى إرسال رؤسائها لمنع استمرار انهيار الكيان وأعدت له ذخائر وأسلحة في محاولة إنقاذه بعد أن رأت أن أكثر من 50 بالمئة من المستوطنين يريدون العودة إلى أوطانهم بعد هذا الكابوس الذي حملته لهم المقاومة إلى جبهته الداخلية في أشرس ضرباتها، فازداد خوف الرئيس بايدن وقرر إرسال قوات من المارينز البحرية الأميركية لطمأنة قادة الكيان الذين اعترفوا قبل يومين في وسائل إعلامهم وبشكل غير مسبوق بأنهم فشلوا في حماية كيانهم ولم تستطع مخابراتهم إنذارهم بشكل مبكر بوجود اجتياح حربي للمقاومة من القطاع وفوجئوا ودفعوا ثمناً باهظاً.

وإذا كانت واشنطن لم ترسل حاملاتها وكل هذه القطعات البحرية الحربية البريطانية والفرنسية في حرب تشرين الأول عام 1973 ولم يقم قادتها بالمجيء إلى إسرائيل أثناء تلك الحرب فإنها لم تفعل ذلك بسبب وجود الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى وبسبب انشغال القوات الأميركية بأشرس المعارك التي كان الفيتناميون يشنونها في آخر مراحل الهزيمة الأميركية ما بين عام 1973 وعام 1975، عام هزيمتها الحاسمة في سايغون التي كانت بالنسبة لأميركا «إسرائيل جنوب شرق آسيا».

يبدو ان أحد أسباب هذا الاندفاع الغربي المحموم لحماية الكيان في هذه الأوقات يعود إلى الخوف من انهياره بقوات محلية وإقليمية تحيط بالكيان وتفرض جدول عملها على المنطقة كلها، لأن ما حدث بعد الهجوم الكاسح للمقاومة على الكيان وتحويل جبهته الداخلية إلى جبهة حرب شوارع في مستوطنات غلاف قطاع غزة ومضاعفات خسائره البشرية، جعل قوته البشرية العسكرية تفقد جزءاً كبيراً من معنوياتها وقدراتها إلى حد جعلها تخشى من ردع المقاومة في الجنوب وفي الشمال وفي الوسط، وظهر جلياً لقيادة جيش الاحتلال أنها بحاجة لبعث الثقة في جنودها وتعويض ما فقدته من قدرة الردع بقدرات ردع أميركية وبريطانية وفرنسية من خارج الكيان، ولا شك أن بايدن يدرك أنه كلما طال زمن هذا الاشتباك المستمر بين المقاومة وجيش الاحتلال تحولت المنطقة إلى حالة غليان شعبي لا يمكن التغلب على ردة فعله وخاصة بعد المذبحة التي ارتكبها الكيان بقصف مجمع المستشفى المعمداني الأهلي أول من أمس وراح ضحيتها أكثر من 500 شهيد وجريح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن