أن يقول أحد وزراء حكومة الكيان الصهيوني إنهم لا يتعاطون مع بشر، بل مع «حيوانات بشرية»، فهذا أمر ليس مستغرباً على هؤلاء، لأن الآباء الروحيين للحكومة الفاشية الصهيونية يُنظرون لذلك منذ زمن بعيد.
عوفاديا يوسف الحاخام المنظّر لحزب شاس الصهيوني قال في تموز 2001 في عظة السبت، وانتبهوا لكلمة عظة، إنه تجب إبادة العرب، وعدم الرأفة بهم، ولابد من قصفهم بالصواريخ، وإبادة هؤلاء الأشرار والملعونين، وفي آب 2004 قال في خطبة بثتها الفضائيات الصهيونية: «إن اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاً من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث».
عوفاديا يوسف هذا زعم في تقارير أوردتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» خلال عدوان سابق على غزة أن امرأة حسناء قال إنها راحيل والدة النبي يوسف كانت تساعد الجنود الإسرائيليين في حربهم وإرشادهم إلى مكان مقاتلي حماس.
توفي عوفاديا يوسف في تشرين الأول 2013، واعتبرت جنازته هي الأضخم في تاريخ الكيان الصهيوني، ووصفه بنيامين نتنياهو بأنه «عملاق التوراة»!
الإشارة إلى هذا الحاخام ضرورية الآن لنفهم الجذور الفكرية للحكومة الفاشية الحالية، التي قد لا تختلف كثيراً عن حكومات سابقة سوى بوقاحة تصريحات مسؤوليها، لكنه لا فرق بالنسبة إلينا بين نتنياهو وآرييل شارون، واسحق شامير، ومناحيم بيغن، وشمعون بيريز، ويهود باراك، وإيهود وأولمرت، فالكل رضع من المصدر نفسه: التطرف والغطرسة والفوقية، وعقلية شعب اللـه المختار، والأيديولوجية الصهيونية منذ أيام تيودور هرتزل إلى جابوتنسكي وغيرهم الكثير.
الآن مع معركة «طوفان الأقصى» التي أفقدت هؤلاء المتطرفين عقولهم، ومعهم داعموهم في واشنطن والغرب، تبرز بوضوح مجموعة حقائق يجب ألا نناقشها بعد الآن منها:
1- إن الحرب على الشعب الفلسطيني ليست حرباً دينية بين مسلمين ويهود، على الرغم من العمل المضني المستمر لرسمها على هذا الشكل، فالعرب لم يضطهدوا اليهود، إنما احتقار واضطهاد اليهود كان أوروبياً- غربياً، والقضية في فلسطين هي قضية احتلال عنصري فاشي استئصالي لشعب من أرضه، والمقاومة الفلسطينية هي مقاومة ضد محتل، بغض النظر عن اللون الأيديولوجي لها، ذلك أنها مستمرة عبر أجيال، ومنذ عقود، وسوف تستمر ما دام هذا الاحتلال البغيض قائماً.
2- لم تعد الولايات المتحدة الأميركية والغرب الجماعي التابع لها، وسيطاً لأي حلول ممكنة، بل هي طرف يقود الحرب على غزة الآن، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال بالحرف إنه قادم للكيان كيهودي، وليس كوزير لخارجية الولايات المتحدة الأميركية، وما نتابعه هو قيادة أميركا للعمل العدواني والسياسي هناك، إذ حضر بلينكن المجلس الوزاري المصغّر، وسهر مع نتنياهو لثماني ساعات متواصلة يخططون لما يجب فعله، إذاً الكيان الصهيوني هو الابن اللقيط لهذا الغرب الرأسمالي المتوحش، وذراعه في المنطقة، لذلك أصيب هذا الغرب المتوحش بالهستيريا بعد كسر هذا الذراع في معركة طوفان الأقصى، وظهور الكيان بشكل هزيل وتلقيه هزيمة مدوية لن تُمحى بالمجازر والقتل.
3- إن أي حديث بعد الآن عن حرية الإعلام والتعبير في الغرب أصبح حديثاً سخيفاً وتافهاً ومضللاً، إذ اتخذت إجراءات مباشرة لكم الأفواه، ومنع الصحف من الحديث الموضوعي عما يجري، أو نقل الصورة الحقيقية، بل إن المطلوب من الجهاز الدعائي الأميركي والغربي تشويه الحقائق والتضليل في المعلومات، والقول إن الكيان يقاتل تنظيماً إرهابياً، أي إن حربه هي لمكافحة الإرهاب، أضف لذلك فقد قُمعت كل المحاولات المجتمعية للتظاهر والتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى أحكام قضائية تصل للسجن سنوات عدة لأي إنسان يستخدم حتى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رأيه إذاً انتهت حملة التضليل والعبودية لهذا الغرب المنافق، الذي تحول إلى آلة صماء تدار من المنظومة المالية العالمية المتوحشة، ولم يعد الكلام والجُمل المنمقة عن الحريات، والديمقراطية وحقوق الإنسان، سوى كلام سخيف لا قيمة له، فهذا الغرب الرأسمالي المتوحش كذب في حرب العراق، واعترف بذلك، ثم كذب في الحرب على سورية وليبيا، وانكشف ذلك، وأتت الحرب بين روسيا والأطلسي في أوكرانيا لتعريه أكثر، أما في غزة فقد سقطت حتى أوراق التوت، وظهر عارياً بشعاً منافقاً لا يمكن تصديقه بكلمة واحدة.
4- السؤال الأهم بالنسبة لنا جميعاً هو أين أولئك الجهابذة الذين أنتجهم ما سمي «الربيع العربي»؟
أين المشايخ والمفتون، وقادة الفصائل والجماعات، ودعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟
أين مراصد حقوق الإنسان التي تديرها الاستخبارات البريطانية؟ وأين «الخوذ البيضاء»، ومؤتمرات الأصدقاء، وإسقاط الأنظمة، وتدمير الجيوش والدول الوطنية؟ وأين ثوار الكرامة والساحات، والعنتريات على شعوبهم وأوطانهم وجيشهم؟
أين أصحاب الحقوق الثقافية، والإدارات الذاتية، وأدوات نهب الثروات الوطنية، وأحذية أميركا في المنطقة؟
أين الليبراليون واليساريون الجدد الذين صدعوا رؤوسنا بخطابات رنانة طنانة عن مستقبلنا الزاهر مع هذا الغرب المتوحش، وعن الديمقراطية المزعومة والحريات والرفاه والتنمية؟
أين كل هؤلاء من فلسطين؟ أين كل هؤلاء الذين شاركوا في قتل أوطانهم، وحصار شعوبهم كرمى لعيون الولد اللقيط، كيان الاحتلال الصهيوني؟ لماذا ابتلعتم ألسنتكم، وتقفون متفرجين، لا تنبسون ببنت شفة؟!
الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها، لا يحتاج للمزيد من التفصيل والشرح والفلسفة، لأن كل هؤلاء كانوا أدوات رخيصة لضرب بلدانهم وتدميرها، كي يحيا الولد اللقيط، وكلهم كانوا خدماً لهذا الولد اللقيط الذي يثبت في كل يوم أن إمكانية بقائه تتراجع وتتقلص لأسباب واضحة وكثيرة، إذ لا يمكن استمرار هذا الاحتلال البغيض، وهذه الغطرسة، وهذا الاستعلاء، وعلى العالم أن يصحو على هول ما يرتكب، وما يُنفذ في غزة وفي فلسطين.
لقد كشفت معركة «طوفان الأقصى» أنه من دون حل عادل للقضية الفلسطينية لا إمكانية إطلاقاً لكل المشاريع العملاقة التي يجري الحديث عنها، ولا إمكانية أيضاً لأمن واستقرار، ولا لتنمية وتقدم، وهذا يعني أيضاً أنه من دون سورية وخروج الاحتلالات منها، وعودة الأمن والاستقرار لا إمكانية أيضاً لمستقبل مستقر وواعد في هذه المنطقة.
زمن الهيمنة والغطرسة وتوصيف البشر بالحيوانات ولّى، وعلى الصهاينة وداعميهم أن يدركوا، ويقرؤوا التاريخ جيداً، لأن ما يحصل هو رد فعل طبيعي مقاوم أصيل من شعوب ودول المنطقة على عدوان مستمر منذ عقود وأجيال، وآن للجميع أن يفهم أن هذا الزمن ليس زمن الحيوانات البشرية، بل زمن المقاومة والكرامة والعزة، ومستقبل المنطقة لا يجوز تركه بأيدي حيوانات بشرية صهيونية وغربية ستقود العالم إلى الكارثة.