من دفتر الوطن

المْلُولَلِة

| حسن م. يوسف

لست أنكر أنني شعرت ببصيص من الأمل عندما اعتذرت «الغارديان» البريطانية عام 1917 عن تأييدها لوعد بلفور، كما شعرت ببصيص آخر عندما نشرت «نيويورك تايمز» الأميركية يوم 26/5/2021 صور وأسماء وقصص 66 طفلاً فلسطينياً كان جيش الاحتلال (الإسرائيلي) قد قتلهم خلال عدوانه على غزة. لكن ذلك البصيص سرعان ما تلاشى في ضوء قناعتي الراسخة بأن الكيان السرطان كان ولا يزال مجرد أداة في يد قوى الاستعمار الغربي التي قررت إنشاءه في مؤتمر كامبل في الفترة ما بين (1905 و1907). وهكذا نجد الغرب يصاب بالجنون والذعر عندما يواجه الكيان تهديداً جدياً، فما إن أفاق العالم على الصفعة المدوية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للكيان السرطان صبيحة السابع من تشرين الأول الحالي، حتى أصيب الغرب بالهستيريا! من المفهوم أن يقول (النتن ياهو) قبل دقائق قليلة من قصف مستشفى المعمداني: «هذه ليست معركة إسرائيل وحدها بل معركة الحضارة ضد الوحشية»، لكن الشيء الذي لا يصدق هو أن يهرع بايدن إلى الكيان السرطان ليبرئ الصهاينة من جريمة قصف المستشفى التي اعترف الصهاينة أنفسهم بها! وقد بلغت الهستيريا بوزيرة الداخلية البريطانية، أن اتهمت المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين بمعاداة السامية. كما قامت هيئة الإذاعة البريطانية BBC بإيقاف ستة من مراسليها عن العمل لأنهم نشروا موضوعات مؤيدة للمقاومة أو وضعوا علامات إعجاب على منشورات تشيد بمقاومة الاحتلال (الإسرائيلي). ولهذا اتهمتها مجموعة «بالاستاين أكشن» بـ«التواطؤ مع جرائم الحرب الإسرائيلية» وقام أعضاؤها بطلاء واجهة مبنى «البي بي سي» باللون الأحمر احتجاجاً على انحيازها لـ(إسرائيل). وفي فرنسا أخذت بعض التصرفات الهستريائية شكلاً هزلياً فقد هددت الشرطة الفرنسية صاحب مطعم وجبات سريعة بالإغلاق الإداري إن لم يقم بإطفاء لافتة مطعمه التي تعطّلت فيها إضاءة الحرف الأول، فتحوّل اسم المطعم من «شاماس» Chamas إلى «حماس» Hamas.

في ثلاثينيات القرن الماضي قال ديفيد بن غوريون الذي أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء للكيان السرطان «الكبار سيموتون والصغار سينسون». لكن ما حدث هو أن الصغار صاروا كباراً وهم يغرقون المحتلين الآن بطوفانهم.

الجديد في هذه الحرب هو أن مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تستخدم سياسة shadow ban المخادعة، إذ تقوم بـ(الحجب الجزئي) للمنشورات التي لا تروقها كي تتجنب الإغلاق العلني لحسابات المشتركين. ولهذا بدأ الناشطون العرب يستعملون أشكال التعمية لتشتيت خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل أبرز تلك الأشكال، قلب أو تبديل مواقع الحروف وحذف أو إضافة بعضها واستخدام الحروف اللاتينية في الكلمة نفسها في حالة الكلمات الممنوع استخدامها مثل (مKاومة.)

والحق أن فن التعمية في ثقافتنا يرجع لما قبل الإسلام، وخلال الانتداب البريطاني ازدهرت في فلسطين تقنية (الملوللة) المرتبطة بأغنية «يا طالعين الجبل» والتي تعتمد على إضافة حرف اللام إلى الكلمات كي لا يفهمها إلا من يعرفون فك تشفيرها. وكانت النساء يتغنين بها حول السجون في فلسطين كي يبلغن الأسرى أن الفدائيين قادمون لتحريرهم.

وربما كان المقاومون في غزة قد استخدموا نسخة مطورة من فن (الملوللة) في التواصل فيما بينهم لأن أجهزة رصد الصهاينة فشلت في التقاط أي إشارة لهجوم محتمل من قبلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن