ثقافة وفن

الدراما السورية حملت على عاتقها مهمة رسم صورة القضية الفلسطينية … كيف تجلت في أقلام الكتاب والأدباء وكيف صورتها الدراما التلفزيونية؟!

| مصعب أيوب

تعود القضية الفلسطينية اليوم لتحتل صدارة المشهد السياسي والإقليمي وحتى العالمي بعملية طوفان الأقصى، وهو ليس غريباً على هذا الشعب العظيم الذي يقدم الغالي والنفيس منذ عدة عقود في سبيل حماية أرضه وعرضه، فقد هب مؤخراً لأنه بلغ من القهر والقمع والشدة ما بلغ في ظل الحصار، فكان من الطبيعي أن يثأر هؤلاء الأبطال لدماء الشهداء.

وقد انعكست القضية الفلسطينية من خلال تطوراتها وتحدياتها وأسئلتها بطريقة درامية لنعاين المعادل الفني لها، فقدمت الدراما السورية حقبة مهمة من تاريخ فلسطين وكفاحها ويومياتها وتضحيات أبطالها وساهمت في رسم صورتها الحقيقية في أذهاننا.

تلاحم وترابط

من المعروف أن مسلسل «عز الدين القسام» كان باكورة الأعمال التي تكلمت بلسان الشعب الفلسطيني 1980، ليروي ويسلط الضوء على بطولات المجاهد عز الدين القسام وهو ابن سورية الذي قرر الوقوف إلى جانب المجاهدين ويشاركهم همومهم وبطولاتهم وراح يستنهض هممهم ويشجعهم على الدفاع عن أرضهم، فصور العمل التلاحم والترابط الأزلي بين الشعبين السوري والفلسطيني والذي لم يتجل فقط في وقوف السوريين إلى جانب أبناء فلسطين عند نزوحهم إلى سورية بل تعداه بمشاركتهم الحرب وغمارها وتبعاتها، ومن أبرز أبطال العمل أسعد فضة ومنى واصف وأديب قدورة وهاني الروماني.

المدينة العريقة

كما كان للعمل العربي المشترك سوري_مصري «أنا القدس» أثر كبير في التحدث عن التضحيات البطولية والنضالية وسرد يوميات القدس وتحدياتها منذ فترة الحرب العالمية الأولى وحتى منتصف الستينيات، ولقد نقل العمل صورة المدينة التاريخية العريقة والحياة الإنسانية فيها في وقت كانت فيه منبراً للعلم والعلماء والتنوير والأدب، وهو عمل على قدر من الأهمية لتعريف الجيل الحديث بتلك المدينة المحتلة، ولاسيما أن أغلب شبابنا اليوم لا يعرفون عنها غير أنها مدينة محتلة يسكنها الدمار والخراب، وقد أخرج العمل باسل الخطيب وهو من بطولة عابد فهد وفاروق الفيشاوي وكاريس بشار وصباح الجزائري وسعيد صالح.

الاجتياح

قدم مسلسل الاجتياح وجبة درامية دسمة للمشاهدين العرب مؤكداً على مبدأ السلام أولاً من خلال تركيزه على ما تخلفه الحروب والأحداث المريرة على الصعيد الإنساني، فيبرهن العمل على ضرورة العدل والاستمرار في مسألة السلام والحب.

فصور العمل حوادث حصار مدينتي رام اللـه وجنين، وركز على أهمية التلاحم الديني في كثير من مشاهده ولعل أبرزها صلاة المسلمين في كنيسة المهد، إضافة إلى أنه قدم صوراً عديدة للإنسان العربي المتعاون والمتسامح الساعي للخير.

وقد أدى أدوار البطولة في العمل عدد من نجوم العرب ومنهم عباس النوري وحسن عويتي وديمة قندلفت والأردنيون منذر رياحنة وصبا مبارك وإياد نصار وأخرجه التونسي شوقي الماجري.

تحولات كبرى

الكاتبة ريم حنا قدمت في مسلسل «رسائل الحب والحرب» ظاهرة استغلال السلطة والنفوذ لتحقيق المآرب الشخصية، وكانت الرسائل تأتي قوية من خلال الاجتياح والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ومن ثم حصار بيروت الذي تلاه مجازر صبرا وشاتيلا، والكثير الكثير من الضحايا، وقد تعمدت الكاتبة الكتابة عن فترة الثمانينيات لأن العالم كان يمر في خضم تحولات وتغيرات، فهو عديد من القصص المصنوعة من نسج الخيال، يمر العمل سريعاً في عدة مراحل وتبدلات تاريخية فيصبح شاهداً عليها، ولعل منها انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين وانتفاضة الأقصى، ومن أهم رسائل العمل الذي أرادت حنا إيصالها إلينا هي أننا شعب واحد وعدونا واحد والخطر الذي يحيط بنا واحد وأبرز ما يوضح ذلك هو التغيرات التاريخية والسياسية في المنطقة العربية التي تكلمت عنها أحداث المسلسل التي تبدأ مع بداية الثمانينيات وتنتهي بحرب تموز 2006، وقد تسلم إخراج العمل باسل الخطيب وكان في بطولته كل من سلوم حداد وسلاف فواخرجي ونضال نجم ونادين سلامة.

محاكمة جائرة

«حارس القدس» الذي ضم عمالقة أهل الفن والأدب بنص للكاتب حسن م يوسف وبطولة النجوم رشيد عساف وصباح الجزائري وأمل عرفة وسليم صبري وسامية الجزائري ويحيى بيازي، يعد من أهم الأعمال التي تجلت فيها قصة حياة رجل الدين المطران هيلاريون كبوجي، الذي أسس أولى خلايا المقاومة المسلحة في القدس، بعد حرب 1967، وأمضى عمره في الدفاع عن القدس متمسكاً بقضيتها إلى أن اعتقلته سلطات الاحتلال وقدمته للمحاكمة الجائرة والتي بدورها نفته ومنعته من دخول فلسطين، فيعتبر العمل فريداً من نوعه لأنه قدم رجل الدين واحداً من أهم أفراد المجتمع ومناصري حقوق شعبه وقضاياه في وقت تقف فيه الكنيسة على الحياد وتنأى فيه عن التدخل في القضايا السياسية، وقد أعاد العمل الذي أخرجه باسل الخطيب عند عرضه بعض الاحترام للتاريخ العربي الذي تسعى دول الغرب جاهدةً لطمسه ومحوه من خلال ترويجها للإنتاجات الفنية الضحلة والتي لا تحمل محتوى هادفاً أو إنسانياً وأخلاقياً.

ملحمة التهجير الفلسطيني

لا أظن أن أحداً ما لم يتابع أو يشاهد أو حتى يسمع بملحمة التغريبة الفلسطينية الذي قدم مأساة الفلسطينيين في قالب أقرب ما يكون إلى فهم شريحة واسعة من المشاهدين العرب على اختلاف انتماءاتهم ولهجاتهم وعروقهم، في الوقت الذي تعجز فيه وسائل التعبير عن إيصال معاناتهم، وبالتالي فقد أسهم العمل في ترسيخ الحياة اليومية للعائلة البسيطة في أذهان العرب كافة.

وإن أبرز ما ميز هذا العمل الذي كتبه وليد سيف أنه جمع خليطاً من الشخصيات المختلفة والطبقات المتنوعة، ففيه الشاعر والمثقف وفيه الإقطاعي والفلاح وفيه العامل والخائن، فجمع بذلك كل أطياف وطبقات الحياة الاجتماعية الفلسطينية، كما أشاد الكثير من النقاد وأهل الإعلام والفن بهذا العمل الذي اعتبر أيقونة فنية خالدة تدوم للأجيال القادمة تقف شوكة في حلق الاحتلال الغاشم الذي بذل كل ما بوسعه لطمس هوية الفلسطينيين ونسفهم من كتب التاريخ، فقدم معاناة أسرة فلسطينية بسيطة تكابد حنظل الحياة وصور آلامهم اليومية ونقل صورة حية لمراحل تهجيرهم ونزوحهم وأخذ المشاهد العربي من يده ووضعه في صميم الحدث، فقدمت هذه العائلة تضحيات كثيرة وتنازلات عدة وصمدت في وجه الأخطار التي أحدقت بها.

عمق المعاناة الفلسطينية

كما كان للملحمة الوطنية التي أغنت دراما النكبة «عائد إلى حيفا» وقع كبير في الأوساط الفنية والأدبية والسياسية ولاسيما أنه يتمثل بسرد درامي لرواية الأديب غسان كنفاني نقلت للمشاهد عمق المعاناة الفلسطينية، فبعد أن خاض الشعب الفلسطيني كل أشكال التشرد والتهجير والنزوح والتشرد وهجرة الديار ومفارقة الأهل كان لا بد من تخليد ذلك في سطور ومشاهد تبقى حية في ذاكرة المشاهد، والعمل من بطولة صباح الجزائري وسلوم حداد ونورمان أسعد وقد أخرجه باسل الخطيب.

خليط عربي

كما وظهر كل من الفنانين بسام كوسا وسمر سامي وسلوم حداد ونادين خوري في مسلسل سحابة صيف، للكاتبة إيمان سعيد والمخرج مروان بركات ليقدموا لنا عملاً يطرح العديد من الإشكاليات والقضايا الاجتماعية، ويمتزج فيه خليط من العراقيين والفلسطينيين والسوريين في حي سكني سوري، لنلاحظ إثر ذلك النسيج المجتمعي المؤلف من فروع وتشعبات ومرجعيات مختلفة.

فها هو أبو حبيب يرفض السكّر الذي أعطي له كمعونةٍ كي ينسى ولده الشهيد ويأبى القبول بالعدس عوضاً عن بلده التي ضاعت أو المواد الغذائية التي لن تجدي نفعاً مقارنةً بعمره الذي ذهب مع الريح، فتؤكد لنا شخصية أبو حبيب أنه رجل صاحب مبادئ وكرامة ويأبى المهانة والاستكانة، ولا يمكن أن تغير معتقداته وثوابته أي ضغوطات أو صعوبات.

وكل ما سبق يؤكد أن الدراما السورية بإنجازاتها سابقة الذكر كانت الأكثر قرباً وإخلاصاً للقضية الفلسطينية، كما يمكننا أن نتبين تعاضد وتلاحم العرب كلهم في صناعة تلك الأعمال من خلال الخليط الفني الذي مزج بين مخرجين وكتاب وفنانين وفنيين من جنسيات عربية مختلفة، وقد اجتهدت الدراما السورية كثيراً في مواجهة حملات مقاطعة مثل هذه الأعمال على بعض القنوات والمحطات التلفزيونية العربية.

ولكن يبقى السؤال… لماذا لا تعرض هذه الأعمال بالكثافة ذاتها التي تعرض فيها باقي الأعمال التلفزيونية؟

ولماذا لم نشهد منذ نحو عقد من الزمن أي عمل درامي جديد يعيد القضية إلى صدارة المشهد ويكون ضمن أولويات صناع الدراما؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن