بين العمودي والتفعيلة دفق من الشعر … رهام قنبس وقضايا الوطن والحياة في «قمر المجد»
| إسماعيل مروة
«عنوان جميل لقصيدة جميلة، فيها ترتيب اللغة، وأناقة في الصور، وتوليد للكلام» هكذا يرى أستاذ البلاغة د. خلدون صبح شعر الشاعرة رهام أكرم قنبس في تقديمه لديوانها «قمر المجد» والشاعرة في هذا الديوان تقدم مجموعة شعرية تجمع بين الشعر العمودي والشعر القائم على التفعيلة، وهي إلى الشعر العمودي أكثر ميلاً، وتقارب نَفَس والدها الشاعر أكرم قنبس وهو شاعر عتيق في الميدان، وله إسهامات ذات شأن في الميدان الشعري والنقدي.
للشام أناشيد
يا شام أنت التي في القلب نحملها
مصباح نور إذا حقد الضلال ضحا
وأنت سور الأماني حين داهمها
من دسّ خنجره المسموم فافتضحا
وسوف أبقى بثغر الشام أغنية
خضراء يرنو لها القلب الذي طمحا
الشاعرة ابنة سورية، وهي مغتربة وتعيش بعيداً عن بلدها، لكن انتماءها جعلها ترنو أبداً إلى الشام، وها هي ترسم صورة معبرة وعميقة عن الشام ومكانتها في القلب والروح، وتذكر الواقع الذي تعرضت له الشام من الخناجر المسمومة التي أرادت بها سوءاً، لكن الشام تبقى أبداً عند المنتمين الرمز والحلم القادم عبر الزمن.
المكان والرموز
تقدم الشاعرة أيضاً قصائد بين يدي الإمارات التي تعيش فيها لتذكر وتشكر المكان وتعدد محاسنه:
وقلت: يا غادتي الحسناء شارقتي
يا من وهبت لنا عزفاً على وتري
وتلتفت الشاعرة في الشعر إلى موضوعات قد لا يلتفت إليها الشعراء كثيراً، لأنها تمثل التزام المنهج واللغة والموضوع، وربما ليست موضوعات شعرية لدى الكثيرين! وها هي تتحدث عن القراءة ولغة الضاد لتعالج شعرياً بعض الموضوعات التي تمثل تحدياً للهوية والشخصية.
قالوا القراءة، قلنا: فكرنا الباني
وشمس مجد لأجيال وأوطان
قالوا القراءة، قلنا: بكل حرف هوى
وذاك طائرها في وحي إيماني
وعن اللغة العربية، لغة الضاد تقول:
لغة الجمال الضاد فهي يراعي
سحرية الإحسان والإمتاع
نور به القرآن كان بيانه
ضاداً تغيث هداية الملتاع
وفي كل قصيدة كانت الشاعرة تحدد الأبحر الشعرية والتفعيلات، وما فيها من جوازات وتدوير، وتشرح بعض المفردات والتراكيب، وفي الحقيقة فإن هذه الشروح بقدر ما تدل على الخبرة إلا أنها ليست لازمة في ديوان شعري حديث مهما كانت أسبابه، ولكنها ألزمت نفسها بما لا يلزم، وفي هذا دلالة على منهجيتها والتزامها.
وكما قال الصديق د. صبح في الشعر، فإنه شعر مملوء بالصورة واللغة، قد اجتهدت الشاعرة وقدمت قصائد من التفعيلة، وأراني على الرغم من حبي التراثي أكثر ميلاً لشعر التفعيلة الذي يعطي صورة عن الشاعرة وجيلها، ولكن الشاعرة تأثرت بأبيها حداً بعيداً فترسمت خطاه ونهجه.
التأمل والحياة
ما بسمة الطفل
سوى أمل
يساقينا المنى
وتغرد الروح لبسمة ملهمي
فبراءة الأطفال مثل النور
أو مثل الدواء
حديث أم وأمومة، ولكن باختيار النمط الشعري جاء منثالاً عذباً، فيه الكثير من الصور التي تصادفنا يومياً، ونصوغها كما رأيناها وتنفسناها.
وحين تستقبل العام الجديد تستقبله بنص عذب وتلقائي:
أيها العام الجديد
ما الذي فيك جديد؟
حولنا الآلام تترى
وبها الناس تميد
وبنا الآفاق كم تشتاق كي تصبح أو تمشي على حلم رشيد
كلنا ما بين مقدام ومرتاب ومذعور ومنفي شريد
تجربة شابة متميزة جمعت الكلاسيكية مع شعر التفعيلة، فكانت تجربة تحل سمات الشاعر الذي تنتمي إليه، وموضوعات للجيل الذي تنتمي إليه، عسى أن نقرأ دواوين قادمة للشاعرة تتابع فيها رحلتها الشعرية، وتظهر ما تكتنزه وجيلها من هموم.