أقر مجلس الوزراء مؤخراً الإستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن وحمايتهم (الوطن 18-10-2023).
ولعل خير رعاية وحماية لأغلبهم تكمن في توفير الضمان الصحي لهم ولاسيما مليون متقاعد منهم، هم الأكثر احتياجا للطبابة شبه المجانية ذلك أن مساهمة الدولة ستصل إلى 90 بالمئة حسب تصريح سابق لوزير المالية الحالي منذ عامين ونصف العام تقريباً، وتأكيد مدير عام الإشراف على التأمين آنذاك، أن الضمان الصحي للمتقاعدين سيكون إلزامياً للجميع.
وما يشجعنا على هذا الربط بين الإقرار المشار إليه وقانون الضمان الصحي للمتقاعدين، أن رئيس مجلس الوزراء وعد قبل خمسة أشهر تقريباً بصدور نص تشريعي بشأنه (قريباً)، وذلك في أثناء مشاركته في اجتماع المجلس المركزي لاتحاد نقابات العمال في دمشق، وقد طالبت آنذاك بتشكيل لجنة من أعضاء المجلس تتابع تنفيذ هذا الوعد.
يدرك أغلبنا ولاسيما من ذوي الدخل المحدود، أن الوجع الأهم في حياة المتقاعدين وكبار السن بشكل عام هو الغلاء الفاحش لأسعار الأدوية المزمنة التي يحتاجها جلهم بعد الخامسة والستين أو السبعين، بالمقارنة مع رواتبهم أو دخلهم الشهري من أعمالهم الحرة أو الإعانات التي قد تأتيهم من الأولاد والأقرباء. وهذه الأسعار التي تلتهم كامل الراتب التقاعدي ولاسيما بعد مضاعفته (إذ شهدت الأدوية زيادة كبيرة في أسعارها في أعقاب زيادة الرواتب)، هي نقطة في بحر أسعار الأدوية النوعية أو المعالجات الطبية الاضطرارية التي لا تحتمل التأجيل.
صحيح أن الطبابة في مشافينا العامة لا تزال –عملياً- شبه مجانية وأجورها متدنية، لكن الغلاء الفاحش جداً في أجور المشافي الخاصة، غلاء يصعب حتى على متوسطي الحال تحمله، أدى إلى تهافت كبير على خدمات المشافي العامة، بدءاً من عياداتها الخارجية، مروراً بمخابرها وأقسام الأشعة التصويرية وشعب الاستقصاءات المختلفة، وانتهاء بالعمليات الجراحية الصغرى والكبرى.
ومن الأمثلة المهمة أن أجرة الصورة الشعاعية العادية في السوق 50 ألف ليرة على حين في مشفى المجتهد في دمشق بـ230 ليرة، لكن من ينتظرون دورهم يومياً يبدون كأنهم في يوم الحشر: ازدحام مذهل وعدد هائل من المرضى على الرغم من تشدد الأطباء في وصف الصور. أما صورة الطبقي المحوري فموعدها بعد شهرين ونصف الشهر على الأقل، لأن أجرتها في المشفى العام 3250 ليرة سورية على حين أن أجرتها في العيادات الخاصة 800 ألف ليرة..! (إن العيادات الخاصة تطلب 50 ألف ليرة، أجرة قراءة C. D صورة الطبقي المحوري التي تعطى فوراً في المشفى العام بدلاً من الانتظار شهرا لكتابة تقرير عنها، وهذا ما يفسر التهافت الكبير على المشافي العامة التي تعمل بالطاقة القصوى.
وهذه الأرقام لا شيء ونقطة في بحر أجور الخدمات النوعية في المشافي الخاصة (تبلغ تكلفة الليلة الواحدة في غرفة العناية المشددة في المشفى الخاص، حسب تقرير نشرته «الوطن» مؤخراً، خمسة ملايين ليرة سورية!).
أما أجور العمليات الجراحية في المشافي الخاصة فهي باهظة، بالملايين وبعشرات الملايين حسب الحالة.
صحيح أن العمليات الجراحية في المشافي العامة باستثناء النوعية الكبرى، هي شبه مجانية ولاسيما أن أغلب هذه المشافي العامة تعليمية ولو كانت تابعة لوزارة الصحة، وتعتمد نظام الأطباء المقيمين، إلا أن زمن الانتظار طويل. وحده الإسعاف- العام- فوري- ومجاني عملياً وترفع له القبعة، على الرغم من أن كثيراً من مستلزمات إنقاذ المريض في الإسعاف، تطلب من مرافقيه ومنها بعض القساطر والتحاليل والأدوية.
ولهذا كله فإن أهم رعاية تحترم المسن، هي توفير الرعاية الصحية اللائقة والسريعة له بأقساط اشتراكه بالضمان الصحي ونعتقد أنها ستكون رمزية نظراً لكبر عدد المتقاعدين والمسنين بشكل عام.
نأمل الإعلان عن تفاصيل الإستراتيجية الجديدة لرعاية كبار السن وحمايتهم في سورية، والإسراع بتنفيذها وأن تكون البداية بقانون الضمان الصحي للمتقاعدين.