قضايا وآراء

حرب المقاومة على الكيان حققت إنجازات فلسطينية وإقليمية

| تحسين الحلبي

يبدو أن إسرائيل بدأت منذ الآن تستغل النافذة الضيقة التي حددت مساحتها مع واشنطن لإدخال مساعدات غذائية بالتزامن مع إفراج المقاومة عن أم وابنتها يحملون جنسية مزدوجة أميركية- إسرائيلية، فقد استهلت هذا التطور الهامشي بتنفيذ حرب استنزاف ضد المقاومة بدلاً من تنفيذ خطة الاجتياح البري العسكري التي أعلنت عنها ولم تنفذها حتى الآن بسبب الخوف الشديد من الثمن الذي ستدفعه نتيجتها، وليس من المستبعد أن نشهد في هذه المرحلة من انتصار المقاومة قيام إسرائيل بحرب استنزاف متواصلة على قطاع غزة بهدف الالتفاف على ما أنجزته المقاومة والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من انتصار ومكاسب ملموسة تهدد مستقبل الكيان الإسرائيلي.

ما سبق جعل بعض الخبراء العسكريين والسياسيين الإسرائيليين إلى التأكيد على ضرورة هذا النوع من الحروب في هذه المرحلة تحت عنوان «لن تنتهي الحرب إلا حين تقرر إسرائيل انتهاءها»، وكان من بين من وضح ما يعنيه هذا الشعار الضابط المتقاعد من وحدة 848 التابعة لسلاح المخابرات العسكرية الإسرائيلية أمنون لورد الذي تحول بعد تقاعده إلى العمل الإعلامي، فتحت هذا العنوان يرى لورد في تحليل واسع نشره في صحيفة «يسرائيل هايوم» في 19 تشرين أول الجاري أن الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين يجب استمرار شنها من دون توقف ودون الاهتمام بما يعلنه بايدين من مبادرات إنسانية ويقول لورد: «ما يطلبه بايدين لن يحدث وهو ينسى أنه حين كان يذهب إلى أوكرانيا لم يكن يطلب من رئيسها فلوديمير زيلينسكي إيقاف النار»، ويضيف لورد «وهنا على إسرائيل ألا توقف النار إلا حين تحدد هي ساعة إيقافها، فهي فشلت قبل السابع من هذا الشهر في تحقيق إنذار مبكر وفوجئت فدفعت ثمناً باهظاً، ولو تحقق لها إنذار مبكر قبل ساعة واحدة فقط من قيام حماس بالعملية لتغيرت صورة هذه الحرب ونتائجها».

ويشير لورد في تحليله إلى أن العقيد المتقاعد من المخابرات العسكرية يغئال كارمون ومؤسس «مركز الأبحاث المختص بمتابعة وسائل الإعلام في الشرق الأوسط – ميمري» وهو ممن يتقن العربية، كان قد نشر مقالاً في 31 من شهر آب الماضي حول تقدير الوضع بعنوان «مؤشرات تنبه باحتمال وقوع حرب في أيلول – تشرين الأول»، وجاء فيه أن هناك ما يدل على اندلاع حرب نتيجة «لمجابهات عنيفة في الأراضي الفلسطينية قد تؤدي إلى تدهور لا يمكن السيطرة عليه ويحمل معه خسائر كبيرة بعد أن دخلت أسلحة جديدة قاتلة بيد الفلسطينيين».

ويذكر أن مركز «ميمري» يعمل كجهاز رصد ومتابعة لكل ما يهم المخابرات العسكرية الإسرائيلية من معلومات يتم استخلاصها من وسائل الإعلام العربية العلنية بشكل خاص، ويضيف لورد أن «هناك هدفاً آخر مشترك لهذه الحرب عند إيران وحزب اللـه والفلسطينيين تزامن مع المساعي الأميركية للتقريب في موضوع التطبيع بين الرياض وتل أبيب وهو تعطيل هذه المساعي».

وبالإضافة إلى ذلك يبين بعض المحللين أن أكثر المستفيدين من تعطيل هذه المساعي الأميركية هي الصين بشكل خاص أيضاً، فقد وجدت الإدارة الأميركية أن الصين وجهت لها ولإسرائيل ضربة قاصمة حين نجحت الدبلوماسية الصينية في مساعيها في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران باتفاق ثلاثي مع الصين في العاشر من شهر آذار 2023 وفاجأت بهذه النتيجة واشنطن وتل أبيب، ويرى المحللون في واشنطن أن إدارة بايدن بدأت بمشاركة تل أبيب منذ ذلك الوقت بتحضير جميع الوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية للتخلص من مضاعفات هذه الضربة الإستراتيجية الصينية على المصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، فقد ولد وجود الصين في المنطقة من بوابة اتفاق الرياض – طهران إنذاراً مبكراً لواشنطن بتدهور نفوذها ومصالحها في المنطقة، وأصبح من الواضح الآن أن حرب المقاومة في الأراضي الفلسطينية ونتائجها بدأت تفرض جدول عمل لا يمكن للمنطقة تجاوز استحقاقاته لمصلحة واشنطن وتل أبيب وبات الوضع الآن بالمقارنة مع ما قبل السابع من تشرين الأول الجاري مفتوحاً على احتمالات تستطيع المقاومة الفلسطينية فيها تطوير وزيادة ما أنجزته من مكاسب في حرب تشرين الفلسطينية المستمرة على الكيان الإسرائيلي واستمرار مقاومتها له.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن