منتخبنا الوطني لكرة القدم قبل بدء التصفيات الآسيوية … ست مباريات ومعسكرات عديدة ومستوى لا يلبي الطموح
| ناصر النجار
أنهى المنتخب الوطني مرحلة الاستعداد للتصفيات الآسيوية المؤهلة للمونديال القادم باللقاء مع المنتخب الكويتي الذي خسره منتخبنا بهدفين مقابل هدف واحد، وبات على أبواب المشاركات الأهم، حيث تبدأ التصفيات الآسيوية منتصف الشهر القادم في أيام فيفا شهر تشرين الثاني ويليها نهائيات الأمم الآسيوية وموعدها في كانون الثاني وتستضيفها قطر وفي كلتا المناسبتين سيكون لنا حضور، ولكن هل سيكون هذا الحضور فاعلاً أم شرفياً؟
في التصفيات الآسيوية سنواجه كوريا الشمالية ثم اليابان على التوالي وبعدها نلعب مع ميانمار، وفي النهائيات الآسيوية تضم مجموعتنا منتخبات أستراليا وأوزبكستان والهند.
اتحاد كرة القدم قدّم ما يمكن تقديمه للمنتخب من خلال التعاقد مع مدرب محترم يملك سيرة ذاتية جيدة هو الأرجنتيني هيكتور كوبر ومعه مساعدون بمستوى جيد مع إضافة مدرب وطني هو غسان معتوق ليكون بوصلة المنتخب وخصوصاً أنه رافق المنتخب في الفترة السابقة (ما قبل كوبر) وهو مطلع على ملف اللاعبين المحترفين وهو على التصاق تام باللاعبين المحليين من خلال إقامته بالبلد ومتابعته لمباريات الدوري وغيرها من نشاطات كروية أخرى.
على الجانب الاستعدادي وفّر اتحاد كرة القدم مباريات ومعسكرات خارجية بشكل دائم حسب أيام الفيفا والمباريات كانت بناء على رغبة المدرب الأرجنتيني وحسب المتاح.
على المستوى الإداري والعلاقات العامة فقد كانت كل رحلات المنتخب موفقة ومبرمجة ولم تشهد أي عثرات من ناحية التنقلات وتأمين أماكن الإقامة والملاعب التدريبية والملاعب الرسمية وتأشيرات الدخول إضافة لرحلات الطيران وخصوصاً أن أغلب لاعبينا من بلاد شتى ومن قارات مختلفة فهناك الذين يلعبون في دول الجوار، وهناك من يلعب في آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية، لذلك فإن الخبرة الطويلة في العمل الإداري جعلت رحلات المنتخب تجري دون منغصات أو عثرات.
على صعيد آخر تم نقل ملاعب مبارياتنا المفترضة على أرضنا من دولة الإمارات العربية إلى المملكة السعودية، وهذا بناء على التسهيلات الكثيرة وعلى ضوء ما سيقدمه الاتحاد السعودي لمنتخبنا من مساعدات عديدة وتم اختيار مدينة جدة مكاناً لملعبنا، على الصعيد المالي فقد تم بيع حقوق نقل مبارياتنا في التصفيات بمبلغ محترم معروف ومعلوم للجميع وقد يكون أعلى رقم تشهده منتخباتنا من ناحية تسويق المباريات.
الشيء المهم أن اتحاد كرة القدم سعى لنقل مباراتنا الأولى مع كوريا الشمالية المقررة في العاصمة الكورية إلى جدة وذلك تجنباً (لوعثاء السفر) حيث من المقرر أن يقابل اليابان بعد خمسة أيام ومعلوم أن هذه الفترة سيقضيها المنتخب في السفر من دون أن يكون هناك أي فترة راحة قبل مواجهة اليابان، عملية نقل مباراة الذهاب مع كوريا الشمالية لتصبح على أرضنا تحققت بنجاح بعد إقناع الاتحادين الآسيوي والكوري الشمالي، وبذلك سيبقى منتخبنا في مكان واحد من دون تنقل أو متاعب سفر في انتظار المنتخب الكوري الشمالي وبعده منتخب اليابان لذلك نقول: منتخبنا من النواحي الإدارية والتنظيمية واللوجستية أمره جيد وقد أبدت كل مفاصل العمل فيه نشاطاً وجهداً كبيرين حتى من الناحية المالية فإن عملية تسويق منتخبنا في التصفيات كانت ممتازة وعلنية على خلاف ما كان يجري في السابق.
الحالة الفنية
المشكلة في المنتخب هي فنية بحتة وتدور في محاور عديدة تبدأ من عملية اختيار اللاعبين وأسلوب اللعب، وطبيعة اللاعبين ومستواهم، المشكلة الرئيسية في المنتخب هي مشكلة التجديد في العناصر، وهذه المشكلة تعترض الكثير من المنتخبات والأندية العالمية عندما يصبح أبرز لاعبيها قد بلغوا سن الاعتزال، فالبدلاء قد لا يكونون بمستوى المغادرين أو إنهم بحاجة إلى الوقت للتفاهم والانسجام والتناغم والأمثلة كثيرة، ومنها منتخب البرازيل في مونديال 1974 لم يقدم نفسه على أنه بطل مونديال 1970 فالمنتخب هرم ولاعبوه الجدد لم يبلغوا ما بلغ زملاؤهم واحتاجت الكرة البرازيلية عشر سنوات لتقدم لنا منتخباً يسلب العقول كمنتخب 1982.
فعملية تشكيل منتخب متفاهم ومتجانس كامل الأوصاف في المهارة واللياقة أمر ليس بالسهل مطلقاً.
منتخبنا الذي دربه أيمن الحكيم كان مكتمل العناصر ولاعبوه في عز عطائهم وقدموا ما بوسعهم من أداء وحققوا مشاركة مشرفة هي الأفضل في تاريخ كرتنا، ومع ذلك لم يحققوا ما تصبو إليه كرتنا بالتأهل إلى مونديال 2018، اليوم بعد هذه السنوات الست الماضية ما زلنا نعتمد على أغلب اللاعبين الذين شاركوا مع منتخب 2018 لأن كرتنا تفتقد البديل، وهذه مشكلة عامة في كرتنا، لأن أغلب أنديتنا ما زالت تعتمد على كبار السن في تشكيلاتها الرئيسية وقد بلغ متوسط أعمار لاعبي أنديتنا الـ30، ما يدل على أن الفكر الكروي الذي يقود كرتنا في الأندية غير قابل للتطوير، وأمام هذا المنهج لا يمكن أن نجد لاعبين جدداً من الطراز الجيد ليدعموا صفوف المنتخب وليشغلوا مراكز الراحلين.
من جهة أخرى فإن أسلوب اللعب في الأندية لا يخلق لاعباً محترفاً من المواصفات الجيدة، والعوامل الأخرى في كرتنا مفقودة سواء من خلال الدوري الذي هو ضعيف، أم من خلال عدم توافر ملاعب كروية صالحة ومن خلال التدريب الكلاسيكي المتبع في أنديتنا.
لذلك فإن البيئة الكروية الحاضنة للمنتخب غير مؤهلة لرفد المنتخب بلاعبين جيدين، والملاحظ أن اللاعبين المختارين من الدوري أغلبهم تجاوز الثلاثين من العمر وقد بلغوا سن الاعتزال، والقليل القليل من لاعبي الجيل الجديد الذين ظهروا بمستوى قابل ليكون في المنتخب كان يحتاج إلى العقلية والمهارة الاحترافية.
وبعموم القول فإن لاعبينا مقصرون بحق أنفسهم ولا يجتهدون بشكل طوعي من أجل تطوير إمكانياتهم والحفاظ على صحتهم ومراعاة الحالة الاحترافية، وللأسف (كما علمنا) فإن أغلب لاعبينا من رواد المقاهي وشاربي النرجيلة، وكما يعلم الجميع فإن عدم العناية بالصحة من أهم المضار التي تمنع تطور اللاعب المحترف، من هنا نجد أنه من الصعب تأمين لاعب محلي ليكون لاعباً بارزاً في المنتخب الوطني، وما تجربة منتخب حسام السيد في الموسم الماضي إلا خير دليل على أن لاعبنا المحلي غير مؤهل ليكون لاعباً بارزاً ويقدم الإضافة الجيدة في المنتخب، لذلك كان الاتجاه نحو اللاعب المحترف وهو على الأغلب يكون أكثر جاهزية من الناحيتين الفنية والبدنية، ولكن اصطدمت الخيارات بعوائق كثيرة وربما لعبت المجاملات دوراً مهماً في اختيار اللاعبين وذلك على الشكل التالي: لدينا أكثر من خمسين لاعباً محترفاً في دول الجوار ودول الخليج، أغلبهم يلعب في الدرجات الدنيا في هذه البلدان، وأغلبهم يشبه لاعبينا لأن أنديتهم بالأصل متواضعة وغير مطورة لكرة القدم، والاختيار هنا لم يتم من خلال متابعة اللاعب في المباريات أو في ناديه، إنما حسب الحاجة لمركزه وحسب سمعته، وهنا كانت الطامة الكبرى.
أما خيارات اللاعبين المحترفين في أوروبا وأميركا فاصطدمت بالمشكلة ذاتها، والبعد الجغرافي عن اللاعب جعل القول الفصل لشركات التسويق، ودوماً الـ (فيديو) المسجل لأي لاعب لا يعطيك التقييم الصحيح لهذا اللاعب أو ذاك، لذلك لم تكن خياراتنا باللاعبين المحترفين في الخارج كلها على صواب، وأغلب المحترفين كانوا يشبهون لاعبينا، فحتى الآن لم نحصل على لاعب (فلتة)!
وأمام هذا الواقع نجد أن كل المدربين الذين تعاقبوا على منتخبنا تعاملوا على ضوء الأمر الواقع وحسب ما لديهم من لاعبين، والمدرب مهما بلغت قوته وسمعته وامتلأت سيرته الذاتية بالإنجازات فإنه لن يصلح من واقع الحال أكثر من 20 إلى 30 بالمئة وهذا أمر غير مفيد لرؤية منتخب جيد يحقق الأداء والنتيجة، لذلك فإن الصورة التي يظهر عليها منتخبنا هي صورة كرتنا الحقيقية ولا غرابة في ذلك.
الحلول الجيدة
بالمحصلة العامة لا يوجد أي تفاؤل بالمنتخب في المستقبل القريب، وكرتنا تحتاج إلى جهد كبير لمقارعة كبار آسيا سواء في التصفيات القادمة أم في النهائيات المرتقبة، وهذا الأمر هو من واقع الحال وليس من باب التشاؤم ورحم الله امرأً عرف قدره.
لكن الآمال المنتظرة تكمن في الأداء الجيد والتطور المفترض أن نحصل عليه بعد كل هذا الوقت من التحضير والاستعداد، وهذا وحده يمكن أن يزرع فينا البسمة بعيداً عن أي شيء آخر.
لا أظن أن كوبر يملك عصا سحرية فنعيش حالة من التخيل بالفوز على اليابان مثلاً، ولكن يجب أن يملك الإصرار ليحقق الفوز على كوريا الشمالية وميانمار وعلى الهند وأن يكون على قدر المسؤولية بمواجهة أستراليا وأوزبكستان، المحاولة مطلوبة والتوفيق من الله.
ربما هذه النظرة للمستقبل القريب، أما المستقبل البعيد فيلزمه تخطيط وفكر نقي وإعداد سليم لقواعد كرة القدم، رياضتنا تعتمد على الطفرات وكرة القدم أيضاً اعتمدت على الموهوبين من اللاعبين الذين خُلقوا موهوبين، وانتظار ولادة الموهوبين أمثال السومة والخطيب والخريبين والمواس يجعل كرتنا على الانتظار طويلاً، لذلك علينا البحث عن المواهب وتطويرهم وصقلهم، والأهم البحث عن آليات التطوير والبناء.
كرتنا عليها أن تنظر للمستقبل من خلال برامج جديدة للدوري ولكل المسابقات، ومن خلال قوانين تجعل كرتنا تسير على الطريق الصحيح وتضبط العمل في الأندية، ومن خلال قانون احتراف يخدم كرة القدم ولا يخدم المستفيدين من كرة القدم.
كوبر من بداية عقده في الشهر الثاني لعب ست مباريات فخسر أمام البحرين وفيتنام بهدف نظيف وأمام الكويت 1/2، وتعادل مع ماليزيا 2/2 وفاز على تايلاند 3/1 وعلى الصين 1/صفر.
وجرّب أكثر من 45 لاعباً بين محلي ومحترف ونأمل أن يكون قد وصل إلى القناعة التامة بمستوى اللاعبين الأفضل القادرين على تمثيل المنتخب، وأن يصل إلى أسلوب اللعب الذي يتناسب مع إمكانيات اللاعبين.