قضايا وآراء

الآفاق المستقبلية للشراكة الصينية السورية

| الدكتور قحطان السيوفي

علاقات الصداقة بين الصين وسورية قديمة تعود لطريق الحرير الذي كان يمر عبر مدينة تدمر السورية التاريخية منذ مئات السنين، وسورية هي الدولة العربية الثانية بعد مصر التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1956.

الصين دعمت سورية في مجلس الأمن بالامتناع عن التصويت على القرارات المعادية للدولة السورية؛ ففي العام 2012 استخدمت الصين حق النقض ضد مشروع قرار تقدّمت به واشنطن يطالب بسحب جميع القوات العسكرية من المدن والبلدات السورية، وفي شباط 2017 استخدمت بكين حق الفيتو ضد مشروع قرار يتضمن فرض عقوبات على الحكومة السورية بعد اتهامها كذباً باستخدام أسلحة كيميائية، وفي تموز عام 2020 اعترضت بكين على تمديد إرسال المساعدات إلى سورية عبر تركيا.

ارتكزت السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية على تقاطع عاملي المصلحة والأيديولوجيا، اللذين كانا وما زالا محدّدين أصيلين لسياسة الصين الخارجية، ولهما جذورهما في الفكر السياسي الصيني.

الرهان على سورية بالنسبة لبكين هو رهان جيو سياسي، فدمشق بالنسبة لبكين تُمثّل استثناءً أيديولوجياً على صعيد الشرق الأوسط، من حيث نمط الخيارات الفكرية والأيديولوجية المؤطرة للدولة والسياسة السورية، إضافة إلى التنوع الحضاري والتعددية الثقافية والاجتماعية.

من جانب آخر، قام وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة دمشق يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سورية في 17 تموز 2021، ليكون أول المهنئين للرئيس بشار الأسد بفوزه في تلك الانتخابات، ومثّلت تلك الزيارة تحوّلاً في السياسة الخارجية الصينية، حيث كانت أول زيارة يقوم بها مسؤول صيني كبير إلى سورية منذ العام 2011 بعد اندلاع الأحداث فيها، وقام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بإرسال برقية تهنئة إلى الرئيس الأسد بمناسبة انتخابه، قائلاً: «إن الصين تدعم بقوة سورية في حماية سيادتها الوطنية واستقلالها وسلامة أراضيها، وستقدّم كلّ ما تستطيع لدعم سورية».

وقفت الصين مع سورية دبلوماسياً وإنسانياً، فأبقت سفارتها مفتوحة في دمشق، وقدمت المساعدات الإنسانية لسورية، وخاصة في ظل انتشار كورونا، وأيضا ًعند كارثة الزلزال الذي ضرب سورية في شباط الماضي.

المراقبون يرون أنه بات للحكومة الصينية نهجاً دبلوماسياً جديداً، قائماً على تحدي الإملاءات الأميركية، والمضي قدماً في تطوير علاقات بكين مع الدول التي أرادت لها الولايات المتحدة أن تكون معزولة عن العالم، وتأتي في مقدمة تلك الدول، سورية، وقد جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد الأخيرة لبكين لتؤكد ذلك.

اتفقت بكين ودمشق على إقامة «شراكة إستراتيجية» أثناء لقاء القمة بين الرئيسين شي والأسد في مدينة خانجو الصينية على هامش دورة الألعاب الآسيوية، وقال الرئيس شي إن البلدين أقاما «شراكة إستراتيجية، وإقامة هذه الشراكة الإستراتيجية ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية»، وأضاف: «في مواجهة الوضع الدولي الممتلئ بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سورية، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين».

من جانبه، أعرب الرئيس الأسد عن تطلّعه لـ«دور الصين البنّاء على الساحة الدولية ورفض كل محاولات إضعاف هذا الدور عبر التدخل في شؤون الصين الداخلية».

وأضاف: إن «هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار»، وقال: أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون إستراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات.

تعتبر زيارة الرئيس الأسد إلى بكين بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وهذه الزيارة نقطة فارقة في صياغة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، وهناك ثلاث دول فقط تحظى بهذا المستوى من العلاقات «شراكة إستراتيجية»، وهي باكستان وروسيا وبيلاروس، وتكون سورية هي الدولة الرابعة.

الموقف الصيني من الحرب على سورية كان موقفاً مبدئياً منسجماً مع مبادئ السياسة الخارجية الصينية وتوجّهاتها المتمثلة في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو انعكاس لتصاعد مكانة الصين وقوتها على الساحة الدولية، ولا شك أن الدعم الصيني القوي لسورية لا بد أن يتزامن مع مزيد من الدعم الاقتصادي الذي باتت سورية بأمسّ الحاجة إليه.

ومن المفيد تعزيز وتشجيع الحوار المشترك بين رجال الأعمال السوريين والصينيين، وخاصة فيما يتعلق بإيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بإعادة الإعمار، كالتمويل مثلاً، والعمل على الانتقال من تعاون اقتصادي إلى شراكة اقتصادية حقيقية بين البلدين، من خلال الربط الطرقي والسككي وربط خطوط الطاقة بين كل من إيران والصين والعراق وسورية، وهو المشروع الذي كان قد طرحه الرئيس الأسد في العام 2002 كإستراتيجية لتحويل سورية إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، وهو ما رأت فيه الصين إحياءً لطريق الحرير، لتشكيل أطول ممر اقتصادي رئيس في العالم، من سورية إلى الصين، وهذا يتوافق مع مبادرة الطريق والحزام الصينية.

من المفيد تعزيز العلاقة بين الغرف التجارية والصناعية والزراعية وإقامة غرف مشتركة على هذا الصعيد بين الدولتين لتحقق نتائج مهمة لكلا البلدين، ذلك التعاون لن يكون مرحّباً به من أعداء سورية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي تمارس النهب اليومي للنفط السوري من الآبار التي تحتلها شمال شرق سورية، فيما تعلن للعالم أن هدف القوات الأميركية الموجودة هناك هو مكافحة الإرهاب متمثلا بتنظيم «داعش»، وكانت وسائل الإعلام الصينية قد سلّطت الضوء وبشكل كبير على تلك الجريمة، التي تعد أكبر عملية سرقة دولية.

جاءت زيارة الأسد في وقت تلعب بكين دوراً متنامياً في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لخطتها «طرق الحرير الجديدة» المعروفة رسمياً بـ«مبادرة الحزام والطريق»، كمشروع ضخم من الاستثمارات يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا، وانضمت سورية في كانون الثاني 2022 إلى هذه المبادرة.

وأدت الحرب على سورية إلى تدمير هائل للبنية التحتية والعديد من القطاعات الحيوية للاقتصاد، وتحتاج سورية لمساعدة الصين على الصعيد الاقتصادي، وقد عكست زيارة الرئيس الأسد الأخيرة للصين العديد من الرسائل، نشير إلى أهمها:

أولها، رسائل سياسية وجهتها الصين للولايات المتحدة تحمل طابع «التحدي»، وعكستها حفاوة الاستقبال الضخم الذي استقبلت به بكين الرئيس الأسد على كل المستويات السياسية والإعلامية، كما ركز الرئيس الصيني في خطاب الاستقبال على ما أسماه بـ«التعاون المشترك للدفاع عن العدالة والسلم الدوليين»، والسعي إلى نظام عالمي جديد «متعدد الأقطاب»، وأن الصين تدعم الأنظمة غير الصديقة للولايات المتحدة ومنها سورية.

وثانيها، أن الزيارة تمثل سعي الدولة السورية لكسر العزلة التي بدأها عدد من الدول العربية وبعض القوى الإقليمية تجاهها، كما أن الزيارة ترتبط بسعي الصين لتنويع علاقتها بدول الشرق الأوسط لتشمل الأبعاد السياسية بدلاً من العلاقات الاقتصادية فقط، ومواجهة الدور الأميركي في المنطقة العربية، والدليل، هو الدور الذي لعبته الصين في إنجاز المصالحة السعودية الإيرانية مؤخراً، ومؤتمرات الشراكة مع الدول العربية، من دون أن ننسى مشاركة الصين في إعادة الإعمار في سورية، وتحدي العقوبات الغربية المفروضة عليها ناهيك عن سعي الدولة السورية إلى الانتقال بمستوى أعلى بشأن الحصول على الدعم من مستوى «الدعم الإقليمي» إلى مستوى «الدعم الدولي».

إن الشراكة الإستراتيجية الصينية السورية تؤكد بأن الصين استطاعت أن تضع ملامح سياستها الخارجية تجاه سورية بانسجام تام بين تحقيق مصالحها الوطنية، والدفاع عن المبادئ التي تؤمن بها، وتعلن رسمياً تحديها للعقوبات الأميركية المفروضة على سورية، وأنها ربطت أهدافها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط عامة وسورية خاصة بدور سياسي أكثر فعالية وطموحاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن