ثقافة وفن

من ذاكرة التاريخ العربي

| د. علي القيّم

الإسلام، دين الرحمة والفضيلة والتسامح والإخاء، حتى في حروبه التي كان منطلقها قول رسول الله (ص) لمن تولى إمارة الجند: «انطلقوا باسم الله، وعلى بركة رسوله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين».
الأمثلة في التاريخ العربي الإسلامي كثيرة، ولا بأس من التوقف عند شواهد منها..
في كتاب تاريخ الرسل والملوك، لابن جرير الطبري، وصايا من الخليفة الراشدي، أبي بكر الصديق، إلى قائد الجيش العربي المتجه إلى بلاد الشام، أسامة بن زيد: «لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله».
ورد في كتاب «شرح نهج البلاغة» لابن أبي حديد، وصايا للخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، لجنوده، نذكر منها: «إذا هزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا تعذبوا النساء بأذى».
في كتاب «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، وردت الحادثة التالية: «اضطر الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، عند عقد معاهدة صلح مع الروم، أن يأخذ منهم رهائن، ضماناً لغدرهم، ولكنهم غدروا به، فرد عليهم الرهائن، قائلاً: إن مقابلة الغدر بالوفاء خير من مقابلة الغدر بالغدر».
في كتاب «فتوح البلدان» للبلاذري، واقعة يقول ملخّصها: «وفد قوم من أهل سمرقند على الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وشكوا إليه جيش قتيبة، فكتب عمر إلى واليه في الولاية المجاورة، وأمره أن يرفع شكواهم إلى القاضي، فإن ثبتت الواقعة، يأمر بإخراج المسلمين من سمرقند، وقام القاضي جميع بن خاطر الباجي، بالتحقيق، وأمر بإخراج المسلمين من المدينة».
في كتاب «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» لبهاء الدين بن شداد روايات كثيرة عن معاملة صلاح الدين الأيوبي لأسراه، يقول: «وكان رحمه الله يحسن معاملة الأسرى، ويخص البارزين منهم بحسن المعيشة، وخلع الثياب عليهم.. لقد أكرم المتقدمين منهم، وخلع على مقدمي عسكر الإفرنسيس فروة خاصة، وأمر لكل واحد من الباقين بفروة خرجية، لأن البرد كان شديداً، وحين كانت المعركة أو الحصار، ينتهي باستسلام الطرف الآخر، كان ينفذ شروط الاستسلام بدقة، بل ينفذها وفقاً لمصلحة المستسلمين أكثر مما تتطلبه الشروط أحياناً، وحين يدفع الأسرى فداءهم، يرسل من يحرسهم حتى يصلوا إلى مأمنهم».
ورد في كتاب «فتوح الشام» للواقدي ما يلي: بعد انسحاب جيش خالد بن الوليد من حصار دمشق، أسر الروم جزءاً من مؤخرة الجيش، وكانت فيه النساء والأطفال، وكان بين النساء، خولة بنت الأزور، وعدد من عجائز تُبّع وحِمير اليمنية، اللائي اعتدن ركوب الخيل وخوضات الليل، والهجوم على القبائل، وفي محاولة للدفاع عن كرامتهن وشرفهن، حرضت خولة النساء أن يحملن أعمدة الخيام، ويحملن بها على جند الروم، فلعل الله ينصرهن أو يسترحن من معرّة السبي.
وكانت خولة في مقدمتهم تنشد:
نحن بنات تُبع وحِمير
وضربنا في القوم ليس ينكر
وعندما وصل جيش خالد ليخلّصهم ورآهن يقاتلن قال: «لا عجب في ذلك إنهن بنات العمالقة ونسل التبابعة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن