في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر فيها منطقتنا العربية بتنا نستمع إلى عشرات الأغاني الوطنية باللهجات العربية المختلفة: السورية والفلسطينية واللبنانية.
لكن علينا أن نميز بين الأغاني الوطنية المشغولة بحماسة وصدق ومحبة، وبين تلك الأغاني التي كان بعض كتابها وملحنيها ومؤديها يصنعونها طلباً للمال، باعتبار أن هناك فعلاً من يرى الفن وسيلة رزق!.
كلامي ليس اتهاماً لفئة من الناس بقدر ما هو يجسد واقع الحال في عالم الفن عندنا، وعلى سبيل المثال، سألت أحد المشتغلين في الأغنية بشكل عام والأغنية الوطنية على وجه الخصوص: لماذا لا يأتي إلى مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؟ فكان جوابه صادماً إذ قال: إن دائرة الموسيقا صرفت كل مخصصاتها المالية بانتظار الميزانية الجديدة مع مطلع العام الجديد، وكنا في الشهر الحادي عشر من تلك السنة!.
بناء على ذلك لا نستغرب أن نستمع إلى أغان تكاد تصل إلى مرحلة الكمال: كلمات ولحن وأداء.
من وجهة نظري الخاصة ولا ألزم بها أحداً، سأشير إلى بعض الأغاني التي استوفت الشروط الموضوعية للأغنية الوطنية، والتي كان مبدعوها لا يبغون من ورائها سوى تقديم شهادة حب للوطن.
أعتقد أن أغنية «يا حبيبتي يا مصر» هي الأفضل التي ارتقت إلى مستوى الأغنية الوطنية التي تجاوزت يومها وصارت بصمة في تاريخ الأغنية الوطنية.
هذه الأغنية كتبها الشاعر الغنائي محمد حمزة ولحنها المبدع بليغ حمدي وشدت بها المطربة الكبيرة الراحلة شاديا، وهي أغنية عمرها خمسون عاماً ومازالت تتردد بشكل شبه يومي في الإذاعات والتلفزة المصرية وحتى العربية.
وبالانتقال إلى سورية نلقي الضوء على أغنية ربما هي أجمل أغنية لسورية بصوت المطرب الفلسطيني الملتزم فتحي صبح، هذه الأغنية هي «عزي وبلادي سورية» وأنا أعتبرها من الأغاني الوطنية الرائعة، وهي من تسجيلات عام 1975، وقد أحياها في سنوات لاحقة المطرب موفق بهجت، ولا ننسى أغنية «سورية يا حبيبتي» لمحمد سلمان ونجاح سلام ومحمد جمال.
أما في لبنان فهناك الكثير من الأغاني الوطنية معظمها بصوت فيروز وأبرزها أغنية حب وغزل لكنها أغنية في حب الوطن وأقصد أغنية «في قهوة عل مفرق» إضافة إلى أغنية الفنان إيلي شويري التي تقول كلماتها: «بكتب اسمك يا بلادي ع الشمس الما بتغيب» وهي الأغنية التي ختم فيها شاعرنا الكبير محمد الماغوط والفنان دريد لحام مسرحية غربة».
ومن فلسطين نختار أغنية أو أهزوجة رددها كل فلسطيني من دون تردد تقول كلماتها «من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي».
هذه الأغاني التي ذكرتها مجرد نقاط علام وزهرات في باقة كبيرة من الأغاني الوطنية العربية التي كان لها أكبر الأثر في شحن الحس الوطني والقومي في نفوس المواطنين العرب عبر حدود الوطن العربي الكبير بعيداً عن عالم السياسة والانتماءات والهويات والهوى!
ولأن ما كتبته في هذه الزاوية يعبر عن رأيي شخصياً، سأتمنى على كل من يشتغل بالأغنية الارتقاء إلى مستوى الحس الوطني والقومي للعرب، فالمال يذهب، ويبقى المجد وتبقى الكلمة.