عندما يفكّر المبدعون للخلاص من الاحتلال … رموز الأرض بإبداع الفلسطيني لتجاوز الحظر الإلكتروني والمنع.. برتقال وزيتون وكوفية وغيرها
| مصعب أيوب
بعد حرب ١٩٦٧ أصدر جيش الاحتلال بعض التعميمات التي تقتضي منع رفع العلم الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد حظرت سلطات الاحتلال كافة العروض العلنية العامة والاحتفاليات التي يتم اعتماد العلم الفلسطيني فيها، وفرضت عقوبات على ذلك منها السجن والاعتقال.
سجن واعتقال
انطلقت فلسطين من كونها دولة مستقلة وشعباً له هوية خاصة به، ولاسيما أن دولة الاحتلال سعت بكل إرادتها لطمس وتهميش الهوية العربية الفلسطينية، وتوجهت للسيطرة على الرموز الفلسطينية كافة، فقد عمد بعضهم لاستخدام مكونات الأرض كرمز للعلم الفلسطيني فكان البطيخ رمزاً، إذ إن ألوانه تتشابه إلى حد كبير بألوان البطيخ وهي الأسود والأحمر والأخضر وكان ذلك عند منع إظهار العلم الفلسطيني.
في وقت سابق مُنعت إقامة المعارض الفنية والرسومات المباشرة عن فلسطين للكثير من الفنانين التشكيليين الذين يستخدمون العلم الفلسطيني في رسوماتهم الفنية والتشكيلية، وتم منع استخدام العلم الفلسطيني في الإعلانات والصور الفوتوغرافية.
رمز للمناهضة وتحدي المحتل
وبعد الأحداث الأخيرة التي تشهدها فلسطين، ومع تضامن الشعوب العربية والكثير من دول العالم مع القضية والمقاومة معهم، وهو ما بات واضحاً وجلياً في مواقع التواصل الاجتماعي كافة، اتجهت خوارزميات الفيسبوك وأنستغرام التي تعود ملكيتها لـشركة ميتا بحذف جميع المنشورات التي تتمحور حول الأحداث الجارية، ومن أجل أن تبقى القضية في واجهة المشهد ويستمر التذكير بها وبحقوقها وضرورة جلاء المحتل تعود اليوم إلى الواجهة بعض الرموز التي تتجلى فيها القضية والعلم الفلسطيني ومنها البرتقال والزيتون والبطيخ، وهذا الأمر ليس بحديث النشأة أو وليد الساعة، وإنما قد تم اعتماده في أوقات سابقة حتى ما قبل دخول الإنترنت.
ولم يكتفِ الفلسطينيون باعتمادها في الاحتجاجات وفي مواقع التواصل فحسب، بل استخدمت كذلك في الطباعة على قطع الملابس، وطلاء الجدران واللافتات في الشوارع والكتب.
الفن والقضية
في فلسطين، العلاقة بين السياسة والفن وثيقة للغاية، حتى تخال أن الفن مسيس أكثر من السياسة، إذ إن للفن تاريخاً عريقاً وباعاً طويلاً في وصف المعاناة وتداعياتها وتجسيد الواقع الفلسطيني.
وقد لجأت الأوساط الفنية ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي إلى زيادة الاهتمام بهذا الرمز واعتماده أسلوباً للتحايل على الحظر الإسرائيلي، ولم يتم استخدامها وتجنيدها في فلسطين فقط، وإنما من المتضامنين في كل مكان.
مواجهة القمع الممنهج
«الوطن» تواصلت مع الفنان التشكيلي الفلسطيني تيسير بركات الذي أكد أنه في السبعينيات من القرن الماضي اجتمع ضابط إسرائيلي بمجموعة من الفنانين التشكيليين الذين كانوا يعزمون على تشكيل رابطة للفنانين وهم الفنان عصام بدر وسليمان منصور ونبيل عناني، وكانت قوانين الاحتلال تقتضي تقديم طلب وتسجيل الجمعيات الفنية وغيرها.
فقال الضابط الإسرائيلي للفنانين: ألا تدرون أن التحريض ممنوع ورسم الأعلام وما إلى ذلك من الرموز الوطنية؟! فرد أحدهم: وماذا عن رسم وردة بألوان العلم؟! فردَّ الضابط بالطبع ممنوع، وممنوع حتى رسم بطيخة.
وهو ما أكده الفنان التشكيلي خالد حوراني مبيناً أن الفكرة أو الكلمة التي خرجت من الضابط الإسرائيلي بطريقة عفوية ربما ينتج عنها عمل مهم وهو ما غامر به في إطار مشروع أطلس فلسطين الذاتي.
وتابع: رسمت بطيخة فيما بعد على حائط صالة العرض في مدينة تولوز – فرنسا بحجم ضخم عام 2009. ثم في العديد من المعارض الفنية، وهناك نسخة مرسومة باليد في فلسطين من مقتنيات بنك فلسطين منذ عام 2014 وقبل ذلك كانت جزءاً من معرضي الاستعادي الأول في مركز الفن المعاصر في مدينة غلاسكو مرسومة على الحائط 2014.
وبين أنه ربما زال الحظر والمنع عن العلم مع مشروع أوسلو، ولكن الاحتلال لا يزال قائماً وكذا الصراع على الراوية، والرموز والأكل والهواء والسماء.
وأفاد حوراني أن ابنه عمرو 22 عاماً اختار بعض لوحاته التي أدخل البطيخ ورمزياته في تصميمها منذ سنوات ليكون عمله المفضل، ويضعه كصور بروفايل له وكذلك بعض أصدقائه.
جزء من المواجهة
وقد أخبر حوراني «الوطن» أن العديد من الأعمال الفنية قد يعاد فهمها واستخدامها في وقت لاحق في الأحداث الكبيرة، وهذا من حسن حظ الفن أن يعاد إحياؤه عن طريق الناس وتتم إعادة صياغته وإنتاجه بطريقتهم وهو دليل على قوة الفن وحضوره.
كما أكد أن الفن حضر بشكل لافت في هذه المواجهات التاريخية من خلال الأغاني والشعارات والرسومات، واستحضرت الفنون من التاريخ، وما تشهده مواقع التواصل اليوم لم يكن في معظمه نتاج اللحظة، بل كان نتاج سنوات خلت.
وختم أن البطيخ حضر كجزء من تلك المواجهة، حيث ما زال الاحتلال هنا في فلسطين أو في أي مكان، وقد حضر الخيال والفن وهو يقف إلى جانب الحق والخير على الدوام أو ربما من المفترض أن يكون هكذا.
ويبقى السؤال.. هل يمكن أن يسهم الفن فعلاً والرموز التعبيرية في إيصال صرخات المضطهدين ومعاناتهم إلى كل أرجاء العالم؟