قضايا وآراء

تطورات «طوفان الأقصى» والاحتمالات المقبلة ضد مصلحة الكيان

| تحسين حلبي

ربما يمكن أن نطلق على عملية «طوفان الأقصى» اسم أول حرب من أرض فلسطينية محررة محاصرة يشنها الشعب الفلسطيني والمقاومة على جيش الاحتلال والمستوطنين، كحرب من داخل وطن محتل، وهي ليست بالتالي على غرار الحرب من خارج الحدود التي شنها الجيشان العربيان السوري والمصري من جبهتين في تشرين الأول عام 1973، فمع عنصر المفاجأة المشترك مع حرب تشرين 1973 تمكّن المقاومون في 7 تشرين أول عام 2023 من زعزعة أمن واستقرار الكيان الصهيوني لعدة أيام، طيّرت صوابه وكبدت جيشه والمستوطنين المسلحين خسائر فادحة، وتمكنت هذه العملية من أسر أكثر من مئتين وخمسين جندياً ومستوطناً ونقلهم إلى قواعد المقاومة، والآن بعد 16 يوماً تخللها قصف وحشي غير مسبوق ضد مليونين من الفلسطينيين في القطاع وما تسبب به من ضحايا 75 بالمئة منهم من النساء والأطفال، ما الاحتمالات المتوقعة أو المفترضة لمستقبل المجابهة؟

يرى الجانب الإسرائيلي على لسان رئيس المخابرات العسكرية سابقاً الجنرال المتقاعد تامير هايمان في برنامج بالعبرية على قناة يوتيوب المخصصة لمعهد أبحاث الأمن القومي أن «هذه الحرب أصبحت تتطلب الحسم النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين في القطاع وفي الضفة الغربية قبل أن تتحول إلى حرب متعددة الجبهات وهو ما لا يرغب الجيش الإسرائيلي به».

ولذلك يفضل هايمان أن يبقى وضع الحرب ضمن دائرة المناوشات المتبادلة على جبهة شمال فلسطين في مواجهة حزب الله وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة الجولان، ويضيف هايمان: «وإذا ما تجاوزت هذه الحرب درجة المناوشات التكتيكية على جبهتي القطاع وجنوب لبنان وتحولت إلى حرب شاملة بمشاركة سورية وإيران فعند ذلك ستصبح إسرائيل بأمسّ الحاجة لدور أميركي يردع إيران وسورية».

ويعترف هايمان بأن إسرائيل فقدت وزنها في اليوم الأول للاختراق الكبير الذي حققته الفصائل الفلسطينية واجتاح فيه عناصرها تحصينات الجيش ومستوطنات الغلاف، وحينئذ أدركت قيادة الجيش الإسرائيلي أنها بحاجة إلى واشنطن، وهذا ما جعل الرئيس الأميركي جو بايدن يرسل حاملة الطائرات «جيرالد فورد» لحماية إسرائيل وتزويدها بكل ما تحتاجه من ذخائر وأسلحة والبقاء في المنطقة لتحقيق الردع كما قال.

وفي ظل الوضع الراهن يُطرح السؤال حول الاحتمالات التي تتجه نحوها تطورات الحرب وأشكال المجابهة فيها بعد 16 يوماً، ويعترف هايمان بأن إسرائيل «عجزت حتى الآن عن حسم الحرب ضد القطاع ومقاومته، وهي تقوم اليوم بنوع من حرب الاستنزاف بهدف تهيئة ظروف تساعدها على الحسم الميداني وامتصاص نتائج تدهور الوضع الداخلي لدى المستوطنين في الجبهة الداخلية» ويعتقد أنها «قادرة على التعامل وحدها مع الوضع الداخلي للمجابهة ضد القطاع والضفة الغربية وفي القدس لكنها تظل قلقة من تصعيد مشاركة حزب الله ضد جبهة الشمال»، والسؤال المهم الآن هو: هل تجرؤ واشنطن على أن يشارك جنودها مباشرة في ميدان الحرب الإسرائيلية على القطاع وعلى المقاومة اللبنانية إذا ما توسعت الحرب وشملت جنوب لبنان؟

يحاول هايمان الإجابة قائلاً: «إن واشنطن تريد أن تضمن عدم مشاركة إيران وسورية مباشرة ضد إسرائيل ولهذا السبب أحضر بايدن حاملة الطائرات»، لردعهما ودعا علناً الدولتين ومعهما المقاومة إلى «التوقف عن تفكير كهذا» حين قال في خطابه في الأيام الأولى لعملية «طوفان الأقصى»: «هناك دول ومنظمات قد تسعى لاستغلال الوضع الإسرائيلي الآن وأنا أقول لها كلمة واحدة هي أن تتوقف» وتجنب تسمية هذه الأطراف وهو يعرف أنها إيران وسورية وحزب الله، وربما فضّل هذا الشكل المبطن من التهديد لحسابات أميركية تفتقر إلى الرغبة بتوريط الجيش الأميركي بحرب مباشرة في المنطقة لا تستطيع ضمان نتائجها.

إن مشاركة جيش أميركي إلى جانب الجيش الإسرائيلي بضرب قطاع غزة أو جنوب لبنان أو سورية وإيران ستجعله يتورط في حرب على جبهتين: إحداهما في أوكرانيا من دون مشاركة جيشه مباشرة، والثانية في الشرق الأوسط بمشاركة جيش أميركي ضد محور المقاومة كله، وحرب كهذه ستختلف كثيراً عن حربه ضد صدام عام 2003 في العراق، لأنه لن يجد من يوافق عليها من الدول العربية المجاورة في المنطقة، ولن يستطيع التحكم بما ستؤول إليه نتائجها على علاقات واشنطن مع الدول العربية، وهو ويدرك أن روسيا ستقف إلى جانب حلفائها وخاصة حين تجد أنها تستطيع استنزاف الولايات المتحدة في حرب غير مسبوقة بهذا الشكل في الشرق الأوسط، إضافة لاستعداداتها لحرب ثالثة ضد الصين من تايوان، ومن المستبعد أن تقوم واشنطن بحروب كهذه من دون أن تضمن مشاركة مباشرة من دول أوروبا معها، وهذه الضمانة لا يبدو أنها محتملة بعد أن دفعت أوروبا ثمناً باهظاً في مشاركتها في الحرب ضد روسيا من أوكرانيا.

في النهاية يجد الكيان الإسرائيلي نفسه بعد معركة «طوفان الأقصى» أنه مشلول في مواجهة أخطر ثمن يدفعه على جبهته الداخلية وليست لديه القوة العسكرية البشرية الكافية لمواجهة حرب على جبهتين من المقاومة فما بالك بحرب يتورط فيها على أكثر من جبهتين تشارك فيها كل أطراف محور المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن