قضايا وآراء

لو كنت يهودياً

| رفعت إبراهيم البدوي

الخلط بين اليهود وبين الصهاينة خطأ كبير، فالصهيونية لا تمثل مجمل اليهود في العالم وخصوصاً أولئك الذين ولدوا وعاشوا بيننا وفي بلادنا العربية.

تعودنا أن معظم المفكرين والكتاب والمستشرقين الغربيين يتجنبون الكلام عن جريمة ارتكبها الغرب بحق اليهود إلا أن الروائية اليهودية الفرنسية فيفيان فورستير أماطت اللثام عن جريمة الغرب الكبرى بحق اليهود في كتابها «Le crime occidental».

في القسم الأول من الكتاب كرّسته الروائية الفرنسية، لوصف معاناة اليهود على يد النازية وكيف أنه كان من الممكن إنقاذهم وتهجيرهم من الغرب إلى مناطق أخرى من العالم الغربي لو أراد الغرب ذلك، وأما القسم الثاني فقد كرّس لدراسة الحركة الصهيونية وغزوها لفلسطين وما نتج عن ذلك من تراجيديا وآلام لا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة.

تقول الكاتبة فورستير: الشيء الذي تأكد لي هو أن (الزعيم النازي) أدولف هتلر على وحشيته ما كان يريد تصفية اليهود، وإنما كان يريد ترحيلهم عن ألمانيا والتخلص منهم بسبب عنصريته ونزعته الآرية. ولكن قادة الغرب الآخرين من فرنسيين وإنكليز وأميركيين وسواهم هم الذين رفضوا ذلك.

وبالتالي فمسؤولية تهجير اليهود من الغرب تقع على كاهل الجميع وليس فقط على هتلر، فلو أن أميركا التي كانت بحاجة ماسة إلى المهاجرين في ذلك الوقت قبلت باستقبالهم لانحلت مشكلة اليهود من دون أي أذى أو ضرر.

تضيف الروائية الفرنسية اليهودية: الشيء الغريب والمليء بالتناقض هو أن البلدان التي تعاطفت مع اليهود، نفسها رفضت استقبالهم، ولقد ثبت أن الغرب يكره اليهود ويريد التخلص منهم والفرق بين الغرب وهتلر هو أنه الوحيد الذي تجرأ وصرح جهاراً بما يقولوه الغرب همساً، وبالتالي فإن أكبر جريمة ارتكبها الغرب هي أنه كان بإمكانه حل المسألة سلمياً ومن دون اعتقال أو إجرام كما روجت المنظمة الصهيونية لتلك الدعاية، لكن الغرب لم يفعل على الرغم من أن كندا وكذلك استراليا والأرجنتين جميعاً كانت فيها مناطق رائعة وفارغة من السكان كلياً.

أما الجريمة الثانية التي ارتكبها الغرب فهي أنه بعد أن فعل فعلته بحق اليهود راح يكفّر عنها بارتكاب فعلة أخرى لا تقل بشاعة واستخفافاً بحقوق الآخرين، ألا وهي تشجيع اليهود على غزو بلاد العرب وتحديداً فلسطين، وهكذا كفر الغرب عن خطيئته، بتدفيع الآخرين ثمنها أي سكان فلسطين، وهذا يشبه حكم قراقوش أي الحكم التعسفي، وهكذا ورط الغرب اليهود المنكوبين في أكبر جريمة حصلت في القرن العشرين، أي اغتصاب فلسطين وعلى مدار عقود من الزمن، ولم يزل الاغتصاب أو الاستيطان مستمراً، وهكذا استطاع الغرب أن يحل مشكلته مع اليهود عن طريق تهجيرهم إلى فلسطين المليئة بسكانها، بدلاً من أن يهجرهم إلى بلاد فارغة ومستعدة لاستقبالهم. وهنا تكمن الجريمة الكبرى في تاريخ الغرب، ونلاحظ أن الجريمة جاءت بالاشتراك بين قادة الحركة الصهيونية وبين قادة الغرب نفسه.

وتقول فيفيان فوريستير في كتابها إن (الصهيوني تيودور) هيرتزل الذي زار فلسطين مرة واحدة ولم يحبها، كان ميالاً في أواخر حياته إلى اختيار أوغندا بدلاً من فلسطين، وكاد خيار أوغندا ينتصر في آخر لحظة لولا موته المبكر.

وللدلالة على أن معظم اليهود آنذاك لم يكونوا صهاينة أبداً ولا يريدون الهجرة إلى بلد مسكون ومليء بشعبه الفلسطينيين فإن «الأرقام تفصح عن نفسها، وإن السيرة التاريخية تثبت أن ما بين عامي 1881 – 1914 فإن مليونين وسبعمئة وخمسين ألف يهودي هاجروا من أوروبا الشرقية إلى الولايات المتحدة، ومئة ألف هاجروا إلى إنكلترا، فقط وإن واحداً في المئة قبلوا بالهجرة إلى فلسطين، وكان ذلك في أوج الدعاية الصهيونية، ولكن لا أحد كان يصدقها أو يستمع إليها سوى الصهاينة الحركيين السياسيين المتحمسين.

كان السؤال الغربي ماذا نفعل بشعب فلسطين؟ ولم يتأخر الجواب بالكشف عن خطة المنظمة الصهيونية الذي جاء على الشكل التالي: نشتري أرض فلسطين قطعة قطعة، نحتال عليهم في البداية من دون أن نظهر نياتنا الحقيقية حتى نكون قد أصبحنا أقوياء وبعدئذ نطردهم من أرضهم تدريجيا حتى تصبح كلها لنا.

هذه هي الإستراتيجية التي اتبعها قادة الحركة الصهيونية منذ نهايات القرن التاسع عشر وبعد أن استقر الاختيار نهائياً على فلسطين، وساندهم في ذلك قادة الغرب ذوو العقلية الكولونيالية البغيضة، معتبرين أن فلسطين فارغة حتى وهي مليئة بسكانها، نطردهم إلى بلاد مجاورة لفلسطين وتنتهي القصة.

الغرب صدّق الخطة الصهيونية، وقال: فليذهب اليهود إلى هناك إذاً وليحتلوا أراضي العرب وفلسطين وليدخلوا في صراع مفتوح معهم، وعندئذ نكون قد تخلصنا من مشكلة اليهود، عن طريق تصديرهم إلى فلسطين البعيدة عنا، وربما تحولوا إلى مواقع متقدمة لحضارة الغرب ضد العرب البرابرة المتخلفين في تلك المنطقة، وهكذا أصبحت الكارثة مبرمجة عن سابق تصور وتصميم، ثم يتباكون الآن في تل أبيب من العنف (الإرهاب) الفلسطيني المدافع عن حقوقه في فلسطين، بينما الغرب يذرف دموع التماسيح، ويتفاجؤون ويبدون دهشتهم دفاعاً عن الصهاينة.

لم يخطر ببال الغرب والصهاينة أن شعب فلسطين هو شعب الجبارين المتجذر في أرضه والمتعلق بترابها وبأشجار الزيتون والبرتقال فيها مثلهم في ذلك مثل بقية شعوب الأرض.

لو كنت يهودياً! لوقفت على المنابر لأقول إننا كيهود عشنا بسلام وأمان لقرون في كنف العرب في مصر وسورية ولبنان والعراق واليمن والسودان، وكنا مستشارين في الأندلس وكانت تجارتنا رائجة ومحل ثقة، ولم يمسسنا أحد من العرب بسوء، لكن المنظمة الصهيونية روجت للدعاية المسماة بأرض الميعاد، لنكتشف أن هذه الدعاية ما هي إلا بغرض اغتصاب أرض ليست أرضنا وأن أصحابها الفلسطينيين متعلقون بها، وهم على استعداد لبذل الغالي والرخيص لاستردادها من الصهيونية الغربية الأميركية.

لو كنت يهودياً لقلت لزعماء الاحتلال السابقين بن غوريون وغولدا مائير وموشيه دايان ويهودا باراك ولرئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو: أنتم مجرمون بحق اليهود أنفسهم، قبل أن تكونوا مجرمين بحق الفلسطينيين، انتم سلبتم الفلسطيني حقه بأرضه وبالإنسانية واعتبرتم الفلسطينيين مجرد عدد ودون حقوق، وقمتم بالتنكيل بهم وبسجنهم وبفرض الحصار الجائر عليهم ومنعتم عنهم حتى الدواء والهواء، ولم تحترموا حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، انتم أوهمتمونا بوجود هيكل سليمان في القدس، ليتبين لنا زيف ادعائكم، أنتم الذين أوهمتم اليهود المسالمين في العالم بأن إسرائيل دولة ولديها جيش لا يقهر، بينما تبين وبالدليل القاطع أن دولتكم أوهن من بيت العنكبوت قائمة على الدعاية المضللة، وأن جيشكم وكيانكم انهار بظرف سويعات، وبسواعد أهل الأرض الفلسطينيين، وأن عملية «طوفان الأقصى»، ما هي إلا البداية، وأن نهاية الاغتصاب والاحتلال لفلسطين باتت قريبة وأننا كيهود لا نمت للصهيونية الغاصبة المتوحشة بصلة.

لو كنت يهودياً لتبرأت منكم ومن مفاهيم الغرب الزائفة الذي أجرم بحق اليهود، وسأترك فلسطين لأصحابها، لأنكم كاذبون مجرمون، أعداء الإنسانية وأعداء الحق، ولأن الحقيقة صارت ساطعة كنور الشمس، وهي أن الحق الفلسطيني لن يموت وخصوصاً مع شعب كشعب فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن