ثقافة وفن

«قمر دمشق» فيلم توثيقي في مئوية ولادة نزار قباني … قوشحة لـ«الوطن»: هو بحر من الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية لقرن من الزمن

| مصعب أيوب- ت. مصطفى سالم

تمر في هذا العام الذكرى المئوية الأولى لميلاد الشاعر السوري نزار قباني الذي أغنى الحركة الفكرية والثقافية العربية وشكل نقطة تحول في تاريخ الأدب والشعر وبلغ مكانة مرموقة في الشعر العربي الحديث، وتخليداً لذكراه تتضافر الجهود لتعريف الأجيال بأدبه وشعره وفنه بإقامة العديد من النشاطات والندوات الثقافية والأماسي الغنائية الشعرية، وقد كان آخر تلك الأنشطة الفيلم الوثائقي «قمر دمشق» الذي عرض مؤخراً على مسرح سينما الكندي بدمشق.

البداية

من شوارع دمشق القديمة انطلق الفيلم وفي حارات سوق البزورية التجاري تتنقل المشاهد لتأخذك في رحلة إلى منزل الشاعر الراحل نزار قباني في حي مأذنة الشحم لتستقبلك وسط بهو البيت نافورة الماء المحاطة برخام أسود وقد غطتها أوراق ورد الجوري الأحمر وورد الياسمين الدمشقي الذي طالما تغنى به شاعر دمشق والنساء، أشعاره الملحنة وأبيات من قصائدة تتناثر هنا وهناك، وفتاة ذات صوت مترنم تصدح به لتطرب الحضور بمزيج مما لحن الملحنون لنزار وتأخذ بيدهم إلى فن الزمن الجميل وسط بعض الشهادات والدراسات لمؤرخين وباحثين في الأدب والفن والموسيقى.

الخروج من عباءة التقليد

من جانبه كاتب ومخرج الفيلم نضال قوشحة أعرب عن سعادته العارمة بإنجاز الفيلم والإقبال الجماهيري لحضوره ولاسيما بعد أن بذل برفقة فريق العمل الكثير من الجهود للخروج بمادة فنية مختلفة بعض الشيء.

وتابع: كان لدي هاجسٌ أن الجمهور يبتعد بعض الشيء عن الفيلم الوثائقي لغياب الدراما والتشويق فيه ويقدم معلومة مجردة بعيدة عن الشغف وهو ما أوجد لدينا هاجساً لتحضير عمل يخرج من عباءة الفيلم الوثائقي التقليدي.

وأكد قوشحة أن نزار قباني شخصية كبيرة جداً ولا يمكن أن تمر ذكرى ولادته المئوية مرور الكرام، وأنا اعتبر أن عليّ رد الدين لدمشق ولنزار بطريقة أو بأخرى وليس أعظم من نزار قباني قامة فنية وشعرية وفكرية كبرى يمكن الاحتفاء بها، وإنه من حسن حظي أن سنحت لي الفرصة للوصول إلى عرض فكرة المشروع على شركة الإنتاج وتم اعتماد الفكرة وبدأت بكتابة النصوص التي وصل عددها إلى أربعة حتى وصلنا إلى النص المنفذ، لأن نزار قباني بحر من الأحداث والتناقضات والمعارك السياسية والفكرية والاجتماعية ونحن اليوم نقدم الصيغة النهائية التي اعتمدها فريق العمل والتي نأمل أن تحظى بإعجاب الحضور.

الأبهى والأهم

المخرج يزن أنزور أوضح في تصريح لـ«الوطن» أن الفيلم جاء ثمرة تعاون بيني وبين نضال قوشحة وبالطبع فريق العمل المتميزين، ونحن نقدم شيئاً فنياً متميزاً ولاسيما أن صلب الموضوع شيق وممتع، ومن أبهى وأهم من الشاعر الكبير نزار قباني ليحتفى به؟.

وعن رأيه بالحضور بيّن أنزور أنه لمح مشاعر السعادة ترتسم على وجوههم والرؤوس تتمايل طرباً بما يقدم من فن راقٍ، وهو ما يؤكد أن الفيلم كان سلساً ولطيفاً وفي الوقت ذاته بعيد بعض الشيء عن التقليدية.

وعن مشاريعه القادمة لفت أنزور إلى أنه يقوم حالياً بتصوير فيلم سينمائي بعنوان «خلص الشحن» في أحياء دمشق وضواحيها وهو يتمحور حول الحالة العصيبة والحالكة التي مر ويمر بها الشعب السوري الذي رغم جميع الظروف القاهرة التي تحيط به إلا أنه مصّر على الحياة ومتشبث بها ومتجذر بأرضه ووطنه ومتمسك بالأمل، وهو ما لا يقدر عليه أي شعب حول العالم.

طاقات شعرية

ومما جاء في كلمات أعضاء فريق عمل الفيلم الذين منهم د. محمد رضوان الداية أن نزار قباني ترك شعراً نثرياً وشعر تفعيلة والكثير من الطاقات الشعرية، كما أحيا بحر الرجز الذي بدأه أحمد شوقي وأكمله نزار قباني، إضافة إلى أن لغته عالية القيمة في الأسلوب والبلاغة والفصاحة والوصول إلى المقصد والناس وربما جاء ذلك نتيجة لجهوده التي بينها بقوله: «أنا أريد أن يصل شعري إلى الناس جميعاً».

في مصر والعراق والخليج

الكاتب أحمد بوبس في مشاركته تحدث عن أشعار نزار قباني في مصر، فبين أن البداية كانت من خلال قصيدة «أيظن» للملحن محمد عبد الوهاب التي غنتها نجاة الصغيرة، وكان قد أتبعها بثلاث قصائد أخرى لنجاة ومنها «أسألك الرحيل» و«ماذا أقول له» و«ارجع إليّ»، كما أن عبد الوهاب لحن من أشعار نزار قباني الأغنية الوطنية «أصبح عندي الآن بندقية» التي أبدعت فيها الراحلة أم كلثوم، وقد قدمت فايزة أحمد أغنية وحيدة من أشعار نزار قباني بعنوان: «رسالة من امرأة»، كما لايمكننا أن ننسى «رسالة من تحت الماء» للكبير عبد الحليم حافظ والملحن محمد الموجي، ولعل قمة الألق كانت في أغنية «قارئة الفنجان» وهي أيضاً من ألحان الموجي وغناء عبد الحليم حافظ.

كما تكلم بوبس عن قصائد نزار قباني في العراق والتي تجلى معظمها في ألحان وأغنيات كاظم الساهر الذي يعد آخر من لحن لنزار قباني.

ومما جاء في ورقة الناقد سعد القاسم أن نزار قباني قد يكون أحد أكثر الشعراء المعاصرين الذين يملكون صوراً بصرية في أشعارهم فيمكنك وأنت تقرأ شعره أن تتخيل صورة قريبة للمشهد الذي يحضر في مخيلتك، فهو الذي تحدث عن ذاته بأنه مجنون بلا ضفاف، فهو فنان وشاعر ومبدع واقعي ولكنها واقعية بعيدة عن المباشرة والتوثيق وتأخذ الشكل الإبداعي والتطويري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن