قضايا وآراء

«لكننا الأعجوبة التي لا تموت»

| منذر عيد

يطول الحديث والتحليل في جزئيات عملية «طوفان الأقصى»، وفعل المقاومة طوال ثمانية عشر يوماً من بدء العملية الحدث، ويحتاج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مجلدات وأياماً وليالي لتبيان فظاعته، ففي كل متر من تراب القطاع سردية وقصة ألم تنبعث منها رائحة الموت والجوع نتاج الإجرام الصهيوني، وما ينقله الإعلام ليس سوى غيض من فيض إجرام الإسرائيلي وأوجاع الفلسطيني، إلا أن ثمة محطات بارزة في ساحة المعركة الميدانية، وفي الساحة السياسية، من المهم والواجب التوقف عندها وتسليط الضوء عليها، لأنها تعكس حقيقة ما يجري برمته.

في المحطة الأولى يبرز عنوان صمود المقاومة واستمراريتها بالوتيرة ذاتها في عملية الرد على العدوان الإسرائيلي، وإمكانيتها الوصول بصواريخها إلى جميع مناطق فلسطين المحتلة وبآلية وقوة الرد في اليوم الأول للعدوان، مقابل ارتباك وضياع قيادة الكيان الصهيوني وعجزها عن اتخاذ أي قرار بما يخص العمل العسكري الميداني، الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأميركية للدخول بشكل مباشر في العدوان على الشعب الفلسطيني، حيث أفاد موقع «أكسيوس» أن كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين، بما في ذلك اللفتنانت جنرال في مشاة البحرية الأميركية جيمس جلين، النائب السابق لقائد قوة مهام العمليات الخاصة الأميركية المشاركة في معركة الرقة ضد تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق سورية، يقدمون المشورة للقوات الإسرائيلية بشأن الحملة ضد غزة، التدخل العسكري الأميركي المباشر إلى جانب الكيان الصهيوني جاء وحسبما أكده موقع «المونيتور» الأميركي مع تزايد الشكوك بين كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين حول قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق واستمرار غزو بري لغزة للقضاء على المقاومة بنجاح.

وفي المحطة الثانية هناك انحياز الإعلام الأميركي وبشكل أعمى إلى جانب فعل الكيان الإسرائيلي، ويقول موقع «ميدا ايست آي» في هذا السياق: «أيدت وسائل الإعلام الهجوم الإسرائيلي على غزة، والتمويل الأميركي للهجوم، في حين انتقدت أولئك الذين يقدمون وجهات نظر معارضة ولو بقدر طفيف، لقد أسبغت المطبوعات الأميركية مراراً وتكراراً على العنف الذي تمارسه إسرائيل قدراً من الفضيلة، حتى في حين أنه يسحق الناس، وهو الكرم الذي لا يحظى به نظيره الفلسطيني»، إلا أن ذلك لم يفلح كثيراً في تسويق الدعاية الصهيونية التي روجها رئيس الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية «طوفان الأقصى» بأن المقاومة تقوم بذبح الأطفال وقتل النساء وسرعان ما بدأ قادة الغرب الداعم لإسرائيل باجترار الادعاء ذاته، إخفاق الدعاية الصهيونية في غزو الرأي العام العالمي بدا جلياً من خلال ظهور صحوة في المجتمعات الغربية، حيث حشود المواطنين في شوارع لندن وباريس والعديد من العواصم والمدن الأوروبية الأخرى المطالبين بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضرورة الوقوف إلى جانب مظلومية أهل غزة، لتظهر تلك الحشود الهوة الكبيرة بين حكام تلك البلدان وشعوبها.

الصحوة إزاء ما يجري في فلسطين المحتلة لم تطل الرأي العام الغربي فقط بل وصلت إلى أروقة السياسة والقرار الأميركي حيث ذكر موقع «هافينغتون بوست» الأميركي قبل أيام أن موظفي وزارة الخارجية مستاؤون من السياسة الأميركية حيال «النزاع في الشرق الأوسط»، حيث تحدث أحد الموظفين للموقع عن «عصيان» يجري التخطيط له في الوزارة.

في المحطة الثالثة، حيث تدمى القلوب، وتعجز الألسن عن التعبير من هول المنظر والفاجعة، حيث الحديث عن توقف معظم مشافي القطاع عن الخدمة، وعن دخول مساعدات لا يمكن وصفها إلا بالمخزية، وبما لا تلبي حاجة 4 بالمئة من متطلبات الوضع وحاجة أهل القطاع، بينما الوضع يتخطى المأساوية والكارثية، وغزّة تحت خط الحاجة الإنسانية للغذاء وللماء وللدواء ولكل شيء، لتختصر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، المشهد بالقول: «الشاحنات التي وصلت حتى الآن ليست سوى قطرات قليلة في مواجهة الاحتياجات الهائلة للناس في الشارع».

وإذا كان من الصعب كما أسلفنا الوقوف بشكل دقيق عند جميع محطات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإننا نشدد على أن ثمة محطة أخيرة لا يمكن لأحد نكرانها أو تجاوزها، عنوانها مقولة الشاعر محمود درويش: «نحن الضحية التي جربت فيها كل أنواع القتل.. حتى أحدث الأسلحة.. لكننا الأعجوبة التي لا تموت ولا تستطيع أن تموت».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن